البحر الميت.. "شواطئ الملح" الجديدة تهدد عذوبة الاستثمار السياحي

شواطئ من الملح تشكلت نتيجة انحسار مياه البحر-(من المصدر)
شواطئ من الملح تشكلت نتيجة انحسار مياه البحر-(من المصدر)

عام بعد عام، يسجل منسوب المياه بالبحر الميت انخفاضا جديدا، محيلا مساحات كبيرة كانت مغمورة بالمياه إلى شواطئ بيضاء جرداء مكسوة بأكوام الملح، بينما بدأت تظهر تضاريس جديدة، كانت مستترة بالمياه، قد تغير من معالم المنطقة وتتركها بصورة جديدة لا تتناسب واعتمادها ضمن إحدى أهم الوجهات السياحية. 

اضافة اعلان

 
في رقم جديد يثير القلق، انخفض منسوب مياه البحر الميت إلى مستوى 440 مترا تحت سطح البحر -حسب تقديرات جمعية أصدقاء البحر الميت- في مؤشر اعتبره معنييون وخبراء "أن البحر يسير إلى المجهول". 


ورغم أن الانخفاض التدريجي بمنسوب المياه وليس بجديد، إذ إن الظاهرة مستمرة منذ عقود، فإن بلوغ مستوى غير مسبوق، هو ما يثير القلق ويطلق التحذيرات، لا سيما وأن الانخفاض المستمر لا يقابله أي مبادارت للحد منه. 


ووفق تقديرات جمعية الأصدقاء التي ترصد منسوب التراجع سنويا، فإن الأربع سنوات الماضية، شهدت معدل تراجع اعتبر بـ "كبير"، وبمقدار تقريبي بلغ 1.5 متر سنويا، بمجموع وصل إلى 6 أمتار، ما يعني أن الاستمرار على هذا النحو سيؤدي إلى انحسار متسارع للبحر، وسيفقد مسافات كبيرة باتجاه العمق، وسيكون هناك مساحات طويلة ممتدة من الشواطئ الجرداء وبتضاريس قد تكون غير منسجمة.        
ويرجع انخفاض منسوب مياه البحر الميت، نتيجة ارتفاع نسب التبخر وشح الأمطار وانقطاع روافده سواء من نهر الأردن أو من الأودية والسيول.


ويحذر خبراء من خطورة الانخفاض المتسارع لمستوى مياه البحر الميت وآثاره الكارثية على البيئة والسياحة، موضحين أن معظم المنتجعات التي أقيمت على شواطئه أصبحت بعيدة عن المياه، الأمر الذي يؤثر في الحركة السياحية التي تستهدفه بسبب ملوحته العالية وطينه الغني بالأملاح المعدنية وخصائصهما العلاجية الفريدة.


ويؤكد رئيس جمعية أصدقاء البحر الميت زيد السوالقة أن التقديرات تشير بأن منسوب مياه البحر الميت انخفض بشكل غير مسبوق ليصل إلى 440 مترا تحت سطح البحر تقريبا، مسجلا بذلك أدنى مستوى له حتى الآن، لافتا إلى أن العمل جار على تركيب وحدة قياس للوصول إلى أرقام دقيقة حول معدلات الانخفاض السنوية.


ويضيف أن انحسار مياه البحر الميت بشكل متسارع يشكل خطرا على وجوده ومحيطه الحيوي، مؤكدا ظهور مساحات شاسعة من الشواطئ غير المؤهلة وحدوث العديد من الظواهر التي تهدد المنطقة كأحد أهم الوجهات السياحية في العالم.


ويشير إلى أن هذا الموقع النادر والمهم بات مهددا بالجفاف في ظل عدم وجود أي خطط لإنقاذه، خصوصا بعد الغاء فكرة ناقل البحرين ما سيكون له انعكاسات كارثية على البيئة والسياحة في المنطقة، لافتا إلى أن انخفاض مياه البحر الميت بمعدل يزيد على المتر سنويا، يبعث المخاوف من حدوث حفر انهدامية على طول الشاطئ الشرقي وهو أمر حدث سابقا، وسيكون له آثار كارثية على القطاع السياحي والاستثمار فيه بشكل عام نتيجة ابتعاد مياه البحر عن المنشآت السياحية وصعوبة وصول السياح إلى الساحل والاحتمالية المرتفعة لنشوء حفر هابطة.


ويعزو السوالقة انخفاض منسوب البحر الميت إلى عدة عوامل، أهمها التغيرات المناخية المتمثلة بشح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من معدلات التبخر والتي تستنزف ما بين 700 إلى 900 مليون م3 سنويا، بالإضافة إلى تراجع كميات المياه التي ترفده سواء من نهر الأردن أو من الأودية التي تم إنشاء العديد من السدود عليها، ناهيك عن الكميات الكبيرة التي يتم استغلالها سنويا في الصناعات التعدينية المقامة على جانبيه والتي أسهمت باستنزاف حوالي 40 % من مياهه خصوصا وأنها تسهم بتناقص مياه البحر بمعدل  يتراوح ما بين 350 إلى 400 مليون م3 سنويا.


وكان تقرير علمي دولي متخصص بالمياه وعلوم الأرض نشره الموقع العلمي المتخصص "Science Daily" قبل عامين، أظهر أن البحر الميت آخذ في الانكماش، عازيا ذلك إلى عدة عوامل أهمها، تغير المناخ، وسوء الاستخدام، مشيرا إلى أن من شأن هذه العوامل استهلاك المياه العذبة بسبب إذابة الأملاح في التربة، ما يؤدي إلى حدوث ثقوب وهبوط واسع النطاق لسطح الأرض المحيط به.


ويبين أمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق المهندس سعد أبوحمور أن البحر الميت خسر ثلث مساحته السطحية في العقود الستة الماضية، لافتا إلى أن استمرار انحسار مياهه على هذا المنوال سيضعه في مواجهة خطر الجفاف، خاصة وأن الأردن يأتي بالمرتبة الثالثة بعد دولة الاحتلال وسورية بالحصص المائية العابرة من الحدود سواء كانت من نهر اليرموك أو من أعالي نهر الأردن.


ويقول، "لا شك أن انخفاض منسوب مياه البحر الميت بأكثر من متر سنويا سيكون له آثار كارثية على المحيط الحيوي والبيئي وعلى القطاع السياحي في المنطقة"، موضحا "أن انحسار المياه سيؤدي إلى تشويه وتدمير الشواطئ وظهور المزيد من الحفر الانهدامية والتكوينات الجغرافية الخارجة عن النمط الجغرافي والبيئي كظهور تجاويف وانحدارات كبيرة".


ويعزو أبوحمور الانخفاض التاريخي لمنسوب مياه البحر الميت إلى انحسار التدفقات التي تزوده بالمياه، سواء من نهر الأردن أو الأودية من كلا جانبيه، بالإضافة إلى زيادة معدلات التبخر السطحي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتناقص كميات الهطل المطري، إلى جانب الاستغلال الجائر لمياهه في الصناعة.


ويبين أن روافد نهر الأردن التاريخية كانت تزيد على 1.3 مليار متر3، إذ إن رافده الرئيس هو نهر اليرموك حيث كان يغذي النهر في الماضي بـ 480 مليون متر مكعب سنويا في حين تصل الكميات التي ترفد النهر من  جبل الشيخ في لبنان حتى بحر الجليل وطبريا الى حوالي 540 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى الأودية الجانبية، موضحا أن نهر الأردن فقد منذ ستينيات القرن الماضي ما يقارب من 96 % من مياهه المتدفقة بعد قيام دولة الاحتلال بتدشين الخط الناقل لجر مياه النهر إلى منطقة بئر السبع.


وأشار إلى أن مشروع ناقل البحرين كان الأمل الوحيد للحفاظ على البحر الميت، إلا أن الغاءه فوت علينا فرصة ثمينة لإنقاذه وتقليل معدلات انحسار مياهه السنوية، محذرا من تسارع عمليات انخفاض منسوب البحر والتي قد تؤدي الى فقدان واحدة من النقاط البيئية النادرة على مستوى العالم كأخفض بقعة على كوكب الأرض.


ويؤكد نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية حسين هلالات أن عدة مخاطر قد تعترض القطاع السياحي والمستثمرين نتيجة انحسار مياه البحر الميت تتمثل في تأثير التغير المناخي والتصحر الذي يمكن أن يتسبب في تقليل جاذبية المنطقة كوجهة سياحية وتدني مستوى المياه في البحر والذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة ملوحة مياهه، ناهيك عن التغيرات البيئية التي قد تؤثر على جذب السياح.


ويضيف، "هناك مخاطر تتعلق بالبنية التحتية والمشروعات السياحية الموجودة في المنطقة، إذ إن انخفاض مستوى المياه في البحر الميت قد يؤدي إلى تلف وانهيار البنية التحتية التي تعتمد على مياه البحر كالفنادق والمنتجعات ما يعني تكاليف إصلاح وصيانة باهظة قد تكون العبء على المستثمرين، وقد يعرض استدامة الاستثمارات في القطاع السياحي في المنطقة للخطر".


ويقول "بشكل عام، انحسار مياه البحر الميت يشكل تحد بيئيا واقتصاديا كبيرا للقطاع السياحي والمستثمرين في المنطقة، ويتطلب إستراتيجيات مبتكرة لمعالجة هذه المخاطر والمحافظة على استدامة القطاع"، موضحا، "إضافة إلى المخاطر المذكورة، يمكن أن يؤدي انحسار مياه البحر الميت إلى تأثيرات سلبية أخرى على القطاع السياحي والمستثمرين فانخفاض مستوى المياه قد يتسبب في تغير المناظر الطبيعية والبيئية للمنطقة، مما يؤثر على جاذبيتها السياحية ويقلل من عدد السياح الراغبين في زيارتها.

 

كما يمكن أن يؤثر انحسار المياه على الموارد المائية المحلية والزراعة في المنطقة، مما يزيد من توتر الموارد ويخلق تحديات اقتصادية إضافية ويمكن أن يؤدي إلى تقليل فرص الاستثمار والتنمية في المنطقة".


وتقدر مصادر مطلعة أن حجم الاستثمار القائم حاليا في البحر الميت تبلغ قيمته قرابة مليار دينار، فيما هناك العديد من المشاريع تحت الإنشاء ومشاريع أخرى بانتظار البدء بتنفيذها بعد أن تم توقيع اتفاقيات بخصوصها، ليرتفع حجم الاستثمار الكلي إلى 2 مليار دينار، يشمل على منتجعات سياحية وفنادق بتصنيفات مختلفة أغلبها فئة 5 نجوم، ومدن سياحية. 

 

اقرأ أيضا:

"هيرود" بالبحر الميت.. أحد أقدم موانئ العالم يعاني الإهمال