"الله لطيف بعباده"

22
22

د. محمد المجالي

لله أسماؤه الحسنى وصفاته العلا، ومنها (اللطيف)، فالله سبحانه يلطف بعباده، أي يحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يشعرون، ويرعى مصالحهم وأسباب معيشتهم من حيث لا يعلمون، لا تخفى عليه خافية، ومن هنا فقد اقترن هذا الاسم في القرآن الكريم باسم (الخبير)، فألطافه غالبا خفية، نوقن بها، وربما نستشعرها، ولكن المؤمن يوقن بربه، ويحسن به الظن، قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:اضافة اعلان
"وهــو اللطيف بــعبده ولــعبده
والـلـطف في أوصـافه نـوعـانِ
إدراك أســرار الأمــور بخُـبره
والـلـطف عند مواقع الإحـسـانِ
فيــُريك عزته ويُـبدي لطـــفه
والعبد في الغفلات عن ذي الشانِ".
ورد هذا الاسم في القرآن سبع مرات، في سبع سور، والعجيب أن هذه المواضع كلها تتحدث عن غيب بالنسبة للإنسان: دقائق الخلق، إدراكه لأبصار عباده، إنزال الماء من السماء والإنبات، علم الغيب، آيات الله المبثوثة وحكمته فيها، الرزق، وفي معرض القصص جاء الاسم في نهاية قصة يوسف ولقائه بوالده وأهله، حين تجلى لطف الله ورحمته بالشيخ الكبير، وبهم جميعا.
ولنا أن نتساءل: ما الكلمة التي هي منتصف القرآن؟ إنها (وَلْيَتَلَطَّفْ)، أجل، وليتلطف، حيث قصة أصحاب الكهف، في سورة الكهف المتميزة بقصصها التي أظهرت ألطافه سبحانه، وكأنها تقول لنا: عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا، قد تبدو الأمور قاسية، لكن سرعان ما تتداركنا ألطاف الرحمن.
أجل: وليتلطف، ومع اللطف أناة وتؤدة وحلم ويقين ورضى، وهي الصفات التي لا يلتزم بها كثيرون، وهي آكد صفات الرجال، بل أهم ما يميز الراسخ الصادق من غيره، ولعل من هذا المعنى نفهم مصطلح (الرفق)، حيث بينه حبيبنا صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه".
وبناء على هذا اليقين بالله تعالى، وبأسمائه صفاته، ومنها هذا الاسم، فالمتوقَّع أن ينعكس هذا على النفس، ولعل أهم ما يؤدي بنا حين نثق بأنه تعالى (اللطيف)، أن نثق به سبحانه، بقدرته وحكمته ورحمته، فهو اللطيف الخبير، يعلم خفقات القلوب، ودواعي القلق، ومثيرات الأسى، ومشتتات الفكر، وصدق الله وهو يتحدث عن نفسه: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"، فمن كان هذا حاله، فلا شك قد رتب كل شيء، وهو أدرى بعبده من العبد نفسه، فلا نظن بربنا إلا خيرا، فقد سمى نفسه اللطيف الخبير، الرحمن الرحيم.
أجل، ألطاف الله جارية بخفاء، وهو أدرى بمصالحنا بحكمته سبحانه، ومطلوب منا أن نتلطف في شأننا كله، في السراء والضراء، فليهدأ أحدنا في تعامله مع ربه، وليظن به خيرا دائما، فما سمى الله تعالى نفسه بهذه الصفات إلا لتتحقق في الواقع، نوقن بها كما نوقن بأنفسنا وبكل حواسنا، فنوقن برحمته تعالى من اسمي الرحمن الرحيم، وبعلمه من اسمه العليم، وبحلمه ولطفه ورزقه ونصره، كما نوقن بقوته وعزته، وهكذا في سائر أسمائه وصفاته، سبحانه.
وصف الله تعالى الإنسان بأوصاف هي في ظاهرها سلبية، حيث العجلة والضعف والجهل والظلم وغيرها من الصفات، وهذا ليس ذما لها بقدر ما أنه ينبغي أن نفهم أننا بشر، وفينا النقص، وليس هناك إنسان كامل، وهذه رسالة إلى الآباء والأمهات ليتمثلوا صفة اللطف في بيوتهم، ورسالة إلى المربين عموما، وكذا المسؤولين والدعاة وغيرهم، فليتذكر أحدنا نفسه كيف كان، وماذا لو دار الزمان وتداولت الأيام؟
ومن مواضع استشعار هذا الاسم حين تكون الشدائد والابتلاءات والمحن، فلا يغيبن عن قلب أحدنا وعقله أنه سبحانه لطيف، ولا يتم شيء في كونه تعالى إلا بعلمه ومشيئته، ووفق حكمته، هنا تتنزل السكينة على قلب المؤمن، ويعلم أنه تعالى لا يريد بعبده المؤمن إلا خيرا، فينزل هذا بردا وسلاما على قلبه، كيف لا وهو الذي يستشعر معية الله، ويتقرب منه في سائر طاعاته، قاصدا رضاه وحبه، فهنيئا لمن سعى في التغيير نحو الأفضل، خاصة مع شهر التغيير، حيث الإرادة والعزيمة المتولدتان عن شعيرة الصيام، فما أجمل أن يهيئ أحدنا نفسه بهذا الاتجاه، العيش مع الله واليقين به وبألطافه أبدا، وبكمال أسمائه وصفاته، سبحانه.