التاريخ يقول إن الفلسطينيين سيبقون‏

‏نبيل العناني، فلسطين، "البحث عن اليوتوبيا #1"، 2020 - (المصدر)‏
‏نبيل العناني، فلسطين، "البحث عن اليوتوبيا #1"، 2020 - (المصدر)‏

فيجاي براشاد*‏‏ ‏- (‏تريكونتيننتال: معهد البحوث الاجتماعية) 30/3/2024


‏جاريد كوشنر ينضم إلى الجوقة التي تدعو إسرائيل إلى توسيع احتلالها ليشمل الواجهة البحرية لغزة، يكتب فيجاي براشاد في "يوم الأرض" الفلسطيني. وإذا كان التاريخ يصلح لأن يكون قاضيًا، فإن هذا لن يحدث.‏
*   *   *
جلس جاريد كوشنر؛ صهر دونالد ترامب وكبير مستشاريه السابق خلال فترة رئاسته، وقتًا طويلًا في حوار‏ مع البروفيسور طارق مسعود من جامعة هارفارد. وخلال هذا الحوار الذي جرى في 15 شباط (فبراير)، تحدث كوشنر عن "ممتلكات الواجهة البحرية لغزة"، التي قال إنها يمكن أن تكون "ذات قيمة كبيرة". وتابع: "لو كنت مكان إسرائيل، لمهدتُ بالجرافات شيئًا ما في (صحراء) النقب، ولحاولت نقل الناس (من غزة) إلى هناك... سيكون الدخول وإنهاء المهمة هو الخطوة الصحيحة".‏
و‏كان اختيار كوشنر للنقب مثيرًا للاهتمام. كانت النقب، الواقعة في ما يعرف الآن بجنوب إسرائيل، مكانًا للتوتر والصراع منذ وقت طويل.

اضافة اعلان


‏في أيلول (سبتمبر) 2011، ‏‏أقرت‏‏ الحكومة الإسرائيلية‏‏ مشروع قانون ترتيب استيطان البدو في النقب، المعروف أيضًا باسم "خطة برافر-بيغن"، الذي دعا إلى إخلاء 70.000 من البدو الفلسطينيين من قراهم الخمس والثلاثين "غير المعترف بها".


‏والآن، ينصح كوشنر إسرائيل بنقل المزيد من الفلسطينيين بشكل غير قانوني إلى النقب، وهم الذين تم طرد العديد منهم في الأصل إلى غزة من مدن وقرى في أجزاء من فلسطين تقع الآن داخل إسرائيل. وكما يعرف كوشنر، فإن نقل السكان إلى النقب والاستيلاء على غزة هما عملان غير قانونيين ‏‏وفقًا‏‏ للمادة 49 من "اتفاقيات جنيف" للعام 1949.‏


يعكس التهجير القسري الذي واجهه البدو الفلسطينيون في العام 2011 والذي يواجهه الفلسطينيون في غزة اليوم عمق المحنة التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ إنشاء الدولة الإسرائيلية في العام 1948.


‏في كل عام منذ 1976، يحيي الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم "يوم الأرض" في 30 آذار (مارس)، الذي يصادف ذكرى مقتل ستة فلسطينيين خلال عملية جماهيرية لإحباط محاولة الدولة الإسرائيلية إقصاء الفلسطينيين من منطقة الجليل وتنفيذ ما تسميه "ييهود ها-جليل" -(تهويد الجليل). 
وكان النظام الإسرائيلي قد حاول ضم كل الجليل والنقب منذ العام 1948، لكنه واجه مقاومة شرسة من الفلسطينيين، بمن فيهم البدو الفلسطينيون. وقد فشل العنف الإسرائيلي في إخضاع وتطهير المنطقة من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى" (‏‏إيريتس إسرائيل هاشليما‏‏) التي تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها. وهي لا تستطيع القضاء على الفلسطينيين أو البدو. وسوف يظل حلمها بإقامة دولة صهيونية خالصة مسعى عبثيا لا طائل من ورائه.‏


في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1975، ‏‏انتخب‏‏ سكان الناصرة الفلسطينيون توفيق ‏‏زياد، من الحزب الشيوعي (راكاح) بنسبة 67 في المائة من الأصوات. وقد عُرف زياد (1929-1994)، وهو شاعر مرموق‏‏، ‏‏ باسم "أبو الأمين" لدوره المتواصل في تشكيل جبهة موحدة بين فلسطينيي الجليل ضد سياسة الإخلاء القسري الإسرائيلية.


بسبب هذه الأنشطة، اعتقل زياد ‏‏ في مناسبات عديدة، لكن همته لم تفتر مطلقًا. وكان زياد قد انضم إلى الحزب الشيوعي في العام 1948، وأصبح رئيسًا لمؤتمر نقابات العمال العرب في الناصرة في العام 1952، وقاد الحزب في مسقط رأسه، الناصرة، وفاز بمقعد في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في العام 1973، ثم أصبح رئيسا لبلدية مدينته في العام 1976، كمرشح عن "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة".


‏وقد أشاد فلسطينيو الجليل بانتصاره الذي فاجأ المؤسسة الإسرائيلية، وهم الذين كانوا يناضلون ضد محاولات سرقة أراضيهم ومنازلهم منذ العام 1948.‏


في العام 1975، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستصادر 20.000 دونم (18 مليون متر مربع) من الأراضي العربية، معظمها في وسط الجليل أو "المنطقة 9"، وهو ما عنى انقراض قرى عرابة، ودير حنا وسخنين. ولم تكن هذه خططًا جديدة.


‏ابتداء من العام 1956، أنشأت إسرائيل مدنًا لتهجير سكان القرى العربية حول الناصرة مثل البعنة ودير الأسد ونحف: أولاً، أنشأت نتزيريت عيليت (‏‏المعروفة باسم‏‏ "نوف هجليل" منذ العام 2019)، ثم، في العام 1964، أنشأت كرمائيل.‏


‏عندما زرت الناصرة في العام 2014، تم اصطحابي في نزهة حول محيط المدينة لرؤية كيف تم تصميم المستوطنات الجديدة المخصصة لليهود فقط من أجل خنق المدينة الفلسطينية القديمة. وأخبرتني حنين زعبي، التي كانت آنذاك عضوا في الكنيست عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، كيف أن الناصرة، حيث ولدَت، تعرضت تدرجيا للضغط، مثلها مثل الضفة الغربية، بسبب المستوطنات غير القانونية، وجدار الفصل العنصري، ونقاط التفتيش، والهجمات المنتظمة التي يشنها الجيش الإسرائيلي.‏


قبل بدء الإضراب العام في 30 آذار (مارس) 1976، كان النظام الإسرائيلي قد أرسل وحدة كاملة من الجيش والشرطة المسلّحَين لضرب الفلسطينيين العزل بلا رحمة، مما أدى إلى إصابة المئات منهم وقتل ستة. ‏


‏وكتب‏‏ ‏‏توفيق زياد، الذي قاد الإضراب،‏‏ أن الإضراب كان "نقطة تحول في النضال" الفلسطيني، لأنه "تسبب في زلزال هز الدولة من البداية إلى النهاية". وكتب زياد أن النظام الإسرائيلي خطط "لتلقين العرب درسًا"، لكن ما فعله "تسبب في رد فعل أكبر بكثير من حيث تأثيره من الضربة نفسها. وقد تجلى ذلك في جنازات الشهداء الذين سقطوا في الإضراب، التي حضرها عشرات الآلاف من الناس". ‏


وأصبح ذلك اليوم "يوم الأرض"، الذي أصبح الآن جزءًا من تقويم النضال من أجل تقرير المصير الوطني الفلسطيني.‏
‏ولم يردع الاحتجاج الشعبي النظام الإسرائيلي. في 7 أيلول (سبتمبر) 1976، نشرت صحيفة ‏"علهمشمار"‏‏ العبرية ‏‏مذكرة‏‏ كتبها يسرائيل كونيغ، الذي كان يدير منطقة الشمال، بما فيها الناصرة. ‏ودعت مذكرة كوينغ العنصرية تمامًا إلى ضم الأراضي الفلسطينية لصالح 58 مستوطنة يهودية جديدة وإلى إجبار الفلسطينيين على العمل طوال اليوم حتى لا يكون لديهم وقت للتفكير.


‏ولم ‏‏يتنصل‏‏ ‏‏رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، إسحاق رابين، من المذكرة، التي احتوت أيضًا على تفصيل لخطط تهويد الجليل. ولم تتوقف تلك الخطط في أي وقت من الأوقات.‏


‏في العام 2005، قررت الحكومة الإسرائيلية أن يتولى نائب رئيس الوزراء إدارة منطقتني الجليل والنقب. وقال شمعون بيريز، الذي كان يشغل هذا المنصب في ذلك الحين: ‏‏"إن تطوير النقب والجليل هو أهم مشروع صهيوني في الأعوام المقبلة".


‏وخصصت الحكومة مبلغ 450 مليون دولار لتحويل هاتين المنطقتين إلى مناطق ذات أغلبية يهودية ‏‏وطرد‏‏ الفلسطينيين، بمن فيهم البدو الفلسطينيون، منهما. وما تزال هذه هي الخطة حتى اليوم.‏


من السهل التقليل من شأن تصريحات جاريد كوشنر باعتبارها خيالات، بما أنها تنطوي على قدر كبير من السخف. ومع ذلك، سوف يكون مثل هذا التقليل مضللاً: كان كوشنر مهندس اتفاقيات ترامب الإبراهيمية التي أدت إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. ‏


‏كما أن لديه علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الذي اعتاد ‏‏الإقامة‏‏ في غرفة نوم طفولة كوشنر في ليفينغستون، نيو جيرسي).‏


إن منطقة النقب هي صحراء حارة؛ مكان ما يزال قليلَ السكان حتى بعد طرد العديد من البدو الفلسطينيين. لكن لدى غزة إمكانيات لأن تكون منتجعا ساحليا وقاعدة لاستغلال إسرائيل احتياطيات الغاز الطبيعي في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط. ‏


‏وهذا يفسر الاهتمام المستمر الذي مُنح لها ضمن الأجندة الصهيونية، الذي تجسد في تصريح كوشنر الصريح. ولكن، إذا كان لنا أن نحكم من خلال مراجعة التاريخ، فمن غير المرجح أن ينتقل الفلسطينيون من غزة إلى النقب -أو حتى إلى صحراء سيناء. سوف يقاتلون. وسوف يبقون.‏


في أيلول (سبتمبر) 1965، بعد عودته إلى فلسطين من موسكو، كتب توفيق زياد قصيدة "هنا باقون". ونشرتها في العام التالي في حيفا "مطبعة الاتحاد" إلى جانب أغنيته الكلاسيكية "أناديكم.. أشد على أياديكم"، التي لحنها المغني المصري الشيخ إمام وحفظها الأطفال الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم.. ("حملتُ دمي على كفي، وما نكستُ أعلامي"). ‏


‏عززت أحداث العام 1976 شعبية زياد في الناصرة، حيث بقي رئيسًا للبلدية حتى وفاته في العام 1994. وقد توفي، بشكل مأساوي، في حادث سيارة أثناء عودته من الضفة الغربية، حيث ذهب للترحيب بياسر عرفات في فلسطين بعد "اتفاقات أوسلو". ‏


بينما نفكر في "يوم الأرض"، ونفكر في غزة، إليكم قصيدة الرفيق زياد "هنا باقون":‏
‏كأننا عشرون مستحيلْ
في اللد، والرملة، والجليلْ
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدارْ
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبارْ
وفي عيونكم
زوبعة من نارْ
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار
ننظف الصحون في الحاناتْ
ونملأ الكؤوس للساداتْ
ونمسح البلاط في المطابخ السوداء
حتى نسُلَّ لقمةَ الصغارْ
من بين أنيابكم الزرقاء
هنا على صدوركم باقون، كالجدار
نجوع .. نعرى .. نتحدى
ننشد الأشعارْ
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهراتْ
ونملأ السجون كبرياءْ
ونصنع الأطفال .. جيلاً ثائرًا .. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
إنا هنا باقونْ
فلتشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار، كالخمير في العجينْ
برودة الجليد في أعصابنا
وفي قلوبنا جهنمٌ حمرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحلْ
وبالدم الزكي لا نبخلُ .. لا نبخلُ .. لا نبخلْ
هنا .. لنا ماض .. وحاضر .. ومستقبلْ
كأننا عشرون مستحيل
في اللد، والرملة، والجليل
يا جذرَنا الحي تشبثْ
واضربي في القاع يا أصولْ
أفضل أن يراجع المضطهِد الحسابْ
من قبل أن ينفتل الدولابْ
لكل فعل : ... إقرأوا
ما جاء في الكتابْ!
*   *   *
*فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ ومحرر وصحفي هندي. وهو زميل كتابة وكبير المراسلين في موقع "الرحالة" ‏‏Globetrotter‏‏، ومحرر في مشروع LeftWord Books‏‏ ومدير مركز "ثلاثي القارات: معهد الدراسات الاجتماعية‏. وهو زميل أول غير مقيم في‏‏ معهد تشونغيانغ للدراسات المالية‏‏ ‏‏بجامعة رنمين الصينية.

 

كتب أكثر من 20 كتابًا ، منها‏ "‏‏الأمم الأغمق لونًا"،‏‏‏‏ ‏‏و"الأمم الأكثر فقرًا"‏‏. أحدث كتبه هي‏ "النضال يجعلنا بشرًا: التعلم من الحركات من أجل الاشتراكية‏‏"، ومع نعوم تشومسكي، ‏‏"الانسحاب: العراق وليبيا وأفغانستان وهشاشة القوة الأميركية".‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: History Says the Palestinians Will Remain

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

‏فلسطين: أعظم قضية أخلاقية في عصرنا‏