هجوم موسكو يعنى أن "داعش" حي وعلى الغرب الحذر

رجل أمن روسي أمام مكان الحفل المحترق في قاعة مدينة كروكوس بعيد هجوم 22 آذار (مارس) الماضي في موسكو - (أرشيفية)
رجل أمن روسي أمام مكان الحفل المحترق في قاعة مدينة كروكوس بعيد هجوم 22 آذار (مارس) الماضي في موسكو - (أرشيفية)

في وقت يشهد تأجج النيران الجيوسياسة في العالم، ومع التركيز الدولي على الحربين الدائرتين في أوكرانيا وغزة، سوف تسعى الجماعات الإرهابية إلى الاستفادة من المشهد الأمني المتوتر.
*   *   *
لن تختفي التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" في أي وقت. إنها تنتقل إلى حالة سبات لبعض الوقت، ثم تحاول النهوض مرة أخرى عندما تكون الظروف مناسبة.

اضافة اعلان


وكانت هناك مؤشرات قوية منذ فترة تشير إلى تخطيط متطرفين إسلامويين لتنفيذ هجوم "صاعق" يكون من شأنه تسجيل عدد هائل من القتلى. وكانت هناك حتمية سوداوية معينة للمذبحة التي نُفذت في موسكو مؤخرًا، وراح ضحيتها أكثر من 140 شخصاً.
*   *   *
على الرغم من وصول العلاقات بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا إلى أدنى مستوياتها منذ أحلك أوقات الحرب الباردة، فإن قنوات الاتصال بشأن مسائل الإرهاب ظلت نشطة بين الكرملين وعدد من الدول الغربية.


ويُعتقد أن الولايات المتحدة، ثم المملكة المتحدة، تلقتا معلومات في بداية العام تفيد بأن "داعش" كان يخطط لشن هجوم في روسيا في المستقبل القريب. وأن الأميركيين نقلوا هذه التحذيرات إلى موسكو.


كما تلقت الاستخبارات الروسية أيضاً تقارير مماثلة، وكان هناك ارتفاع واضح في الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى الكرملين وفلاديمير بوتين بسبب "تلطيخ أيديهما بدماء المسلمين" تاريخياً في أفغانستان والشيشان وسورية -ولكن أيضاً بسبب عمليات القتل في منطقة الساحل الأفريقي التي تنفذها مجموعات المرتزقة التابعة لموسكو.


ويُعتقد أن تنظيم "داعش" كان مسؤولاً عن بعض الهجمات الإرهابية الأكثر دموية التي شهدتها روسيا أخيراً، بما في ذلك تفجير مترو سانت بطرسبورغ في العام 2017 والذي أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة 45 آخرين.


وفي الثالث من آذار (مارس) من هذا العام، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (أف أس بي) FSB، عن تصفية ستة إرهابيين إسلامويين في منطقة إنغوش كارابولاك.

 

وبعد أربعة أيام، أعلن أنه أحبط هجوماً على معبد يهودي في مدينة كالوغا قرب موسكو. وقال جهاز الأمن الفيدرالي في بيان: "تبين أن مسلحي منظمة إرهابية دولية يستعدون لشن هجوم على أبناء الرعية اليهودية باستخدام الأسلحة النارية".


وفي اليوم نفسه، دعت الإدارة الأميركية مواطنيها إلى مغادرة موسكو، وقالت إن "السفارة تراقب تقارير تفيد بأن متطرفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية، وينصح المواطنين الأميركيين بتجنب التجمعات الكبيرة خلال الساعات الـ48 المقبلة".


وليس غريباً أن ينقل الغرب معلومات عن هجمات إرهابية محتملة إلى دول معادية. فقد أرسلت واشنطن تحذيراً إلى إيران في كانون الثاني (يناير) قبل أن ينفذ "داعش" تفجيرات انتحارية أودت بحياة أكثر من 100 شخص في مدينة كرمان في ذلك الشهر.


الرابط المشترك بين الهجومين هو أفغانستان. ويعتقد أن الفظائع التي وقعت في موسكو نفذتها جماعة "داعش -ولاية خراسان" التي شكلتها في العام 2015 الجماعات الإسلاموية التي كانت تقاتل الروس في آسيا الوسطى، وهي الآن راسخة ويتزايد نفوذها في أفغانستان تحت حكم حركة "طالبان" بعد أن سحب الرئيس بايدن القوات الغربية من البلاد في العام 2021.


ظهرت النوايا القاتلة لتنظيم "داعش خراسان" حتى أثناء التراجع الفوضوي للقوات الغربية، حيث أقدم على تفجير مدمر قرب مطار كابول أودى بحياة 183 شخصاً -170 أفغانياً و13 جندياً أميركياً.


يجب أن يكون ما حدث في موسكو بمثابة تحذير للغرب، إذ لا يوجد سبب يمنع "داعش" -بعد أن ضرب داخل روسيا- من الاستمرار في محاولة القيام بأعمال مماثلة في أوروبا والولايات المتحدة. ففي نهاية المطاف، كان الفيلق الجهادي الدولي الذي أنشأه الغرب لمحاربة الروس في أفغانستان هو الذي نفذ هجمات 11 من أيلول (سبتمبر).


ويمكننا أيضاً أن نتوقع انتشار الاتهامات والاتهامات المضادة بشأن ما حدث في موسكو. فقد زعم الرئيس بوتين يوم السبت الذي تلا الهجوم أن هناك تواطؤاً أوكرانياً في الهجوم، وأن القتلة كانوا يسعون إلى الفرار إلى أوكرانيا، وقارن ما حدث بالهمجية النازية -وهي مصطلحات استخدمها مسؤولون روس لوصف النشاط الأوكراني منذ بدء الحرب.


في المقابل، دحضت حكومة فولوديمير زيلينسكي في كييف هذا الادعاء على الفور ونفت أي مسؤولية لها عن الهجوم. وأشار المسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أندريه يوسوف، إلى أن القتلة -إذا صح الادعاء بعزمهم الفرار إلى أوكرانيا- سيتعين عليهم المرور عبر منطقة تمتلك فيها روسيا ثقلاً عسكرياً وأمنياً كبيراً للوصول إلى الحدود الأوكرانية.


ونفذت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية علاقتها بسلسلة من الهجمات الدقيقة داخل روسيا منذ بدء الحرب، وربما كانت مسؤولة عن عدد من الاغتيالات.

 

لكن الأوكران سيحصلون على الإدانة الدولية فقط إذا ما ارتبطوا بالذبح الجماعي للمدنيين. ولم يقدم الكرملين حتى الآن أي دليل على تورط أوكرانيا.


من ناحية أخرى، هناك أسباب مقنعة وراء قيام "داعش خراسان" بشن هجوم الآن والاستفادة من انعدام الثقة والاتهامات المتبادلة في العلاقات الدولية التي ولدتها حربان كبيرتان في أوكرانيا وغزة.


في هذا الصدد، قال المحلل الأمني البريطاني، روبرت إيمرسون، إن "مجموعات مثل ’داعش‘ لن تختفي. قد تنتقل إلى حالة سبات لبعض الوقت، ثم تحاول النهوض مرة أخرى عندما تكون الظروف مناسبة. هذه هي حقيقة الإرهاب والتمرد".


*كيم سنغوبتا: مراسل شؤون الدفاع والأمن في صحيفة "الإندبندنت".

 

اقرأ المزيد في ترجمات: 

 

 الحرب في أوكرانيا: روسيا تتفوق