الديمقراطية في العراق تعتمد على حرية الصحافة

عراقيون يشيعون متظاهراً قتل خلال الاحتجاجات في النجف، العراق، في 7 كانون الأول (ديسمبر) – (المصدر)
عراقيون يشيعون متظاهراً قتل خلال الاحتجاجات في النجف، العراق، في 7 كانون الأول (ديسمبر) – (المصدر)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة إغناسيو ميغيل بيلغادو كولبراس* - (فورين بوليسي) 11/12/2019 قال لي المدون العراقي شجاع فارس الخفاجي بعد أيام قليلة من تعرضه للخطف على يد أفراد ميليشيا عراقية في تشرين الأول (أكتوبر): "اقتحم مجموعة من الرجال المسلحين الذين يرتدون زياً أسود منزلي في بغداد واختطفوني. أخذوني إلى موقع بعيد يطل على نهر دجلة وسألوني عن عملي وعائلتي، وحتى عن سيارتي. ... كانوا يعلمون أن لديَّ مدونة، وأنا متأكد أن هذا هو السبب الرئيسي في اختطافي". في نهاية المطاف أطلق خاطفو خفاجي سراحه، لكنهم حثوه على إبقاء فمه مغلقاً. وقد اختار أن يرقى إلى مستوى اسمه الأول، شجاع، وواصل الكتابة في مدونته في مواجهة القمع الحكومي. لكن محنته لم تكن غير اعتيادية بالنسبة لصحفي عراقي، ولو أن المعظم لا ينطوون على نفس التصميم والاستعداد للمجازفة بأرواحهم بالاستمرار في تغطية الأخبار. بشكل رئيسي، تتحدث "الخوّة النظيفة"، مدونة الخفاجي التي تتمتع بالشعبية، عن السياسة والفساد في العراق. كما تغطي أخبار الاحتجاجات الجماهيرية المتواصلة ضد البطالة، ونقص الخدمات الأساسية، والفساد الحكومي، والتي اندلعت في بغداد في تشرين الأول (أكتوبر) وانتشرت إلى مدن أخرى في جنوب العراق. ونشر الخفاجي لقطات لقوات الأمن وهي تستخدم الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين وصوراً تُظهِر المتظاهرين الذين تعرضوا للضرب. كانت السلطات العراقية تحاول تجنب الدعاية للاحتجاجات من خلال فرض تعتيم إعلامي حقيقي. وقامت مراراً بإغلاق شبكة الإنترنت، وداهمت مقرات هيئات البث وحظرتها، ومنعت الصحفيين بالقوة من تغطية المظاهرات، تاركة العالم في الظلام إلى حد كبير بشأن معرفة مصير الملايين من الناس. وقد نال العراقيون مسبقاً ما يكفي من العناء من هذه المعاملة. فقبل خمس سنوات تقريباً، سيطر رجال مسلحون يرتدون أزياء سوداء تحت راية "داعش" على محطات التلفزة والإذاعة، واعتقلوا الصحفيين وحاصروهم، واحتكروا المعلومات في مدينة الموصل. ويجب على المجتمع الدولي أن يدفع في اتجاه قيام عراق لما بعد "داعش"، والذي تتدفق فيه المعلومات بحرية، وأن يساعد في تمكين العراقيين من صناعة مستقبل بلدهم. أدى رد الحكومة العراقية الأمني الصارم على الاحتجاجات إلى مقتل أكثر من 400 شخص وجرح ما يقرب من 20.000 آخرين، وهو ما أشاع شعوراً واسع النطاق بالخوف من القوات المسلحة في صفوف الصحفيين المحليين. وينطبق هذا بشكل خاص على جماعات الميليشيات المحلية، التي تزعم أن الصحفيين يحرضون على العنف. وتم الإبلاغ عن مقتل اثنين من الصحفيين حتى الآن. (كان العراق تاريخياً أحد أكثر الدول دموية بالنسبة للصحفيين، حيث قُتل نحو 188 منهم منذ العام 1994، وفقاً للبيانات التي جمعتها لجنة حماية الصحفيين). وقد احتجزت قوات الأمن صحفيين لفترات وجيزة، وضربتهم وصادرت معداتهم لمنعهم من تغطية الاحتجاجات. نتيجة لذلك، غادر العديد من الصحفيين بغداد إلى كردستان العراق أو إلى خارج البلد خوفاً من الميليشيات. وتقول جمانة ممتاز، عضو مجلس إدارة الاتحاد الوطني للصحفيين المستقلين في العراق: "يشعر العديد من الصحفيين بالاضطهاد. وقد غادروا بغداد لأنهم خائفون من الهجمات على المذيعين والمراسلين والاعتداءات واعتقال الزملاء. حتى أولئك الذين غادروا بغداد يخشون التحدث علانية. ومن دون وسائل الإعلام أو الإنترنت، لن يعرف أحد ما يحدث في العراق". اعتمد العراق بقوة على الميليشيات التي تدعمها إيران في هزيمة تنظيم "داعش". وبعد أن ساعدت هذه الميليشيات في طرد المجموعة من العراق في كانون الأول (ديسمبر) 2017، تم دمج قوات الحشد الشعبي؛ المنظمة المظلة التي تضم معظم الميليشيات الشيعية، في القوات المسلحة الوطنية ووُضعت تحت السلطة المباشرة لرئيس الوزراء. وفي ذلك الوقت، عبر الصحفيون العراقيون عن قلقهم من تزايد النفوذ السياسي والاقتصادي للميليشيات والتهديد الذي تمثله لحرية الصحافة. سيطرت الميليشيات التابعة لقوات الحشد الشعبي على تجارة الخردة المعدنية المستخلصة من المباني والمركبات المدمرة، ونقلها من الموصل إلى كردستان العراق أو جنوب العراق. كما سيطرت على شركات البناء والهندسة الكبيرة المملوكة للدولة، ويشتبه في فرضها الضرائب على التجارة وتورطها في تهريب النفط في الموصل والبصرة. لكن نشاطها لم يقتصر على احتكار أجزاء من الاقتصاد فحسب، وإنما نجحت أيضاً في اختراق السياسة العراقية من خلال تحالف "الفتح"، الذي حصل على 48 مقعداً في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام 2018، ليصبح ثاني أكبر كتلة عراقية بعد كتلة "سائرون" التي يتزعمها مقتدى الصدر. ويضم تحالف "الفتح"، الذي يرأسه زعيم منظمة بدر المدعومة من إيران، هادي العامري، كلا من "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"كتائب الإمام علي". وخاض رجال الميليشيات المنتمون إلى هذه المنظمات الانتخابات كمرشحين وفازوا بمقاعد في البرلمان العراقي في انتخابات 2018. يرى الصحفيون العراقيون الميليشيات على أنها التحدي الرئيسي لحرية الصحافة في البلاد. ويمكن أن يؤدي الخوف من الميليشيات وإفلات الجناة من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في العراق، إلى فرض رقابة ذاتية، خاصة بعد مقتل أركان شريفي؛ المصور الذي يعمل لمحطة كردية، والذي تعرض للطعن حتى الموت على أيدي رجال الميليشيات في العام 2017. وقد واجه الصحفيون في البصرة تهديدات بالقتل وتعرضوا للضرب والترهيب من قبل الميليشيات المحلية -مما أجبر العديد منهم على مغادرة البلاد- لمجرد تغطية الاحتجاجات التي ثارت في العام 2018 ضد تدهور مستويات المعيشة في المدينة، حيث أدى الغضب الشعبي من النفوذ الإيراني المتزايد إلى إشعال النار في المنافذ الإعلامية ومقر الميليشيات والقنصلية الإيرانية. على الرغم من القمع الحكومي لحرية الصحافة والسحق الوحشي للاحتجاجات، قام المحتجون المعسكرون في ميدان التحرير ببغداد بإطلاق جريدتهم الخاصة في محاولة للالتفاف على تعتيم المعلومات ومجابهة السرد الذي تنشره وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والتي بالكاد تذكر الاضطرابات، وللتعبير عن مطالب المحتجين، بما في ذلك الدعوة إلى إنهاء النفوذ الأجنبي في العراق. أدانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التكتيكات القمعية التي تستخدمها الحكومة العراقية، وأيدا علناً حق المتظاهرين في التعبير عن مظالمهم -أن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جنين هينس بلاشارت، زارت ميدان التحرير في بغداد لإدانة العنف والدعوة إلى إجراء حوار وطني. في حين أن هذه التصريحات والإيماءات تظل خطوات في الاتجاه الصحيح، فإن على المجتمع الدولي أن يُخضع السلطات العراقية لمزيد من المحاسبة لمنع المزيد من سفك الدماء ولمكافحة الاعتداء على المؤسسات الديمقراطية العراقية، ويجب أن يلجأ إلى تصعيد العقوبات وخفض المساعدات الخارجية والدفاعية إذا تواصل عنف الدولة ضد المتظاهرين ووسائل الإعلام. وكانت الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الغربية قد غزت العراق في العام 2003 بهدف معلن وهو إقامة الديمقراطية. وتواصل هذه الدول تقديم مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية وأجنبية لمحاربة الجماعات المتمردة في محاولة لإضفاء الاستقرار على البلاد، في حين أن تقديم دعم أكثر تصميماً واستمرارية للديمقراطية ومؤسساتها، بما في ذلك وسائل الإعلام الحرة وحقوق الإنسان، هو شأن ضروري لإضفاء الاستقرار على العراق. في وقت يشهد تغيراً سريعاً لتوازن القوى في شرق أوسط ما بعد "داعش"، سوف يعتمد بقاء الديمقراطية الناشئة في العراق على إدامة المؤسسات الليبرالية مثل وسائل الإعلام الحرة. وإذا كان يريد النجاة وسط صراع معقد على الصعيدين الإقليمي والعالمي من أجل النفوذ في الشرق الأوسط -والذي أكدته العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية العميقة- يجب على المجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لمساعدة الصحفيين العراقيين على الحفاظ على التدفق الحر للمعلومات. وسوف يُمكِّن ذلك إجراء نقاش مفتوح وعلني ونزيه حول التحديات التي تواجه البلد -والأهم من ذلك، إيجاد أفضل السبل لحلها. *ممثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Democracy in Iraq Depends on Press Freedomاضافة اعلان