قصف ‏"يو إس إس ليبرتي".. حادث جيد التخطيط‏

السفينة الأميركية يو أس أس ليبرتي التي دمرتها إسرائيل في العام 1967 - (أرشيفية)
السفينة الأميركية "يو أس أس ليبرتي" التي دمرتها إسرائيل في العام 1967 - (أرشيفية)

‏‏ملفين غودمان – (كاونتربنش) 2023/6/8


كان التستر الرسمي على الهجوم الإسرائيلي على السفينة "يو إس ‏‏إس ليبرتي" ‏‏الذي مارسته إدارة جونسون عملًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البحرية الأميركية.

اضافة اعلان

 

ولم يحقق الكونغرس أبدًا في الهجوم، ولم يسمح لأي من أفراد الطاقم الناجين بالإدلاء بشهادته علنًا حول الهجوم.

 

وكانت هناك تقارير تفيد بأن البيت الأبيض منع البحرية الأميركية من القدوم للدفاع عن "‏‏ليبرتي"،‏‏ لكنني لا أستطيع تأكيد هذه التقارير. وما يزال تحقيق وكالة الأمن القومي في الهجوم يخضع للسرية. 

                        *   *   *
صادف الثامن من هذا الشهر مرور الذكرى السادسة والخمسين للهجوم الإسرائيلي على حاملة الطائرات الأميركية "يو إس ‏‏إس ليبرتي"، ‏‏الذي وصفته العديد من الروايات الأميركية والإسرائيلية بأنه كان حادثا غير مقصود.

 

وفي حقيقة الأمر، وقع ذلك الهجوم بعد ثماني ساعات من المراقبة الجوية التي قامت بها إسرائيل، وتضمن هجومًا جويًا وبحريًا استمر لمدة ساعتين، وأسفر عن مقتل 34 بحارًا وإصابة 172 جنديًا إضافيًا.

 

ويمثل هذا العدد معدل إصابات بنسبة 70 في المائة من أفراد طاقم مكون من 294 شخصًا.

 

وقد ادعى الإسرائيليون أنهم اعتقدوا بأنهم كانوا يهاجمون سفينة مصرية، لكن تكوين السفينة "‏‏ليبرتي"‏‏ كان يميزها بوضوح باعتبارها سفينة الاستخبارات الأكثر تطورًا في العالم، التي لا يمكن أن تنتمي إلا إلى الولايات المتحدة.‏


‏استمر الهجوم الجوي الإسرائيلي لما يقرب من نصف ساعة، حيث ألقت الطائرات الإسرائيلية التي لا تحمل علامات قنابل النابالم على غرفة القيادة والتحكم في "‏‏ليبرتي"‏‏، وأطلقت الصواريخ والمدافع من عيار 30 ملم على السفينة. وشاركت 12 طائرة إسرائيلية على الأقل في الهجوم الجوي.

 

وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت زوارق الطوربيد الإسرائيلية طوربيداتها على السفينة، حتى أنها أطلقت النار على رجال الإطفاء وحاملي النقالات العاملين في السفينة‏‏ بينما كانوا يكافحون لإنقاذ السفينة وطاقمها.

 

وعادت هذه القوارب لتقصف بالرشاشات قوارب نجاة "ليبرتي"‏‏ التي تم إنزالها لإنقاذ الجنود المصابين بجروح خطيرة الذين سقطوا في الماء.‏


ووفقا لأحد الناجين، أدرك الطيارون الإسرائيليون أن السفينة كانت ترفع العلم الأميركي، لكنهم ظلوا يهاجمون مع ذلك.

 

ووفقًا للأبحاث التي أجريتها، فإنه كان قد تم رفع علم أميركي كبير جدًا في وقت مبكر من صباح يوم 8 حزيران (يونيو) 1967، وكان يرفرف طوال اليوم إلى أن أطلقت الطائرات المهاجمة النار ومزقته.

 

وفي جميع الأوقات، كانت ‏‏"ليبرتي" تُبحر‏‏ في المياه الدولية، وتسير بسرعة خمس عقد فحسب.‏


‏بالإضافة إلى ذلك، وجد مشغلو اللاسلكي في "ليبرتي" أن من الصعب للغاية إرسال إشارة استغاثة، لأن الطائرات الإسرائيلية قامت بالتشويش على جميع قنوات راديو الطوارئ الخمس الموجودة في "‏‏ليبرتي"‏‏.‏‏

 

وفي النهاية، تمكن طاقم السفينة‏‏ من استخدام نظام دعم عملياتي للاتصالات عبر هوائي مؤقت. وعندما وصل نداء الاستغاثة "أنقذوا سفينتنا" إلى القادة العسكريين الإسرائيليين، تم إنهاء الهجوم على الفور.‏


شهد العديد من المسؤولين الأميركيين بأن الهجوم كان محاولة متعمدة لتدمير سفينة أميركية كانت تراقب الاتصالات العسكرية الإسرائيلية في بداية حرب الأيام الستة في العام 1967.

 

لكنهم لم يجعلوا شهاداتهم علنية إلا بعد أن تركوا مناصبهم الرسمية، وبعد أن لم يعودوا يخدمون في إدارة الرئيس ليندون جونسون.

 

وشملت هذه القائمة وزير الخارجية السابق، دين راسك؛ ووكيل وزارة الخارجية السابق، جورج بول؛ والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ريتشارد هيلمز؛ والمدير السابق لوكالة الأمن القومي، وليام أودوم؛ والسفير الأميركي السابق في لبنان، دوايت بورتر.

 

كما انضم إلى المجموعة الأدميرال المتقاعد توماس مورر، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، بعد مغادرته الحكومة، وخلص إلى أن قصة "‏‏ليبرتي"‏‏ تمثل "واحدة من عمليات التستر الكلاسيكية، الأميركية بالكامل".‏


بصفتي محللا سابقا في وكالة المخابرات المركزية خدم في فرقة مهمات الوكالة خلال الحرب، يمكنني أن أشهد أنا أيضا على هذه الحقيقة.

 

كانت السفينة البحرية، التي تمت إعارتها إلى وكالة الأمن القومي لجمع المعلومات الاستخباراتية في الشرق الأوسط، تقدم معلومات حساسة عن خطط الحرب الإسرائيلية.

 

وكان الإسرائيليون قد طالبوا بإبعاد السفينة حتى لا تتمكن من اعتراض مثل هذه البيانات.‏


‏كان التستر الرسمي على الهجوم على السفينة "يو إس ‏‏إس ليبرتي" ‏‏الذي مارسته إدارة جونسون عملا لم يسبق له مثيل في تاريخ البحرية الأميركية.

 

ولم يحقق الكونغرس أبدا في الهجوم، ولم يسمح لأي من أفراد الطاقم الناجين بالإدلاء بشهادته علنا حول الهجوم.

 

وكانت هناك تقارير تفيد بأن البيت الأبيض منع البحرية الأميركية من القدوم للدفاع عن "‏‏ليبرتي"،‏‏ لكنني لا أستطيع تأكيد هذه التقارير. وما يزال تحقيق وكالة الأمن القومي في الهجوم يخضع للسرية.

 

وخلُصت محكمة تحقيق تابعة للبحرية إلى أنها لا توجد معلومات كافية لإصدار حكم حول سبب مهاجمة إسرائيل للسفينة.‏


‏بالإضافة إلى الكذب بشأن "‏‏ليبرتي"‏‏، كذب الإسرائيليون أيضًا بشأن بداية حرب الأيام الستة. في الفترة التي سبقت الحرب، ادعى الإسرائيليون بأن هناك مؤشرات على استعدادات مصرية للغزو، ولكن لم تكن هناك معلومات استخباراتية تشير إلى استعداد مصري، سواء في القوات الجوية أو المدرعة.

 

وقد جادلتُ في ذلك الوقت بأنه من غير المرجح أن تبدأ مصر حربًا مع إسرائيل بينما كان ما يقرب من نصف جيشها مقيدًا بحرب أهلية في اليمن.

 

وقد اعتقد المستعربون في وزارة الخارجية أن الرئيس المصري عبد الناصر كان يمارس الخداع، واستشهدوا بالجودة المتدنية للمعدات العسكرية في القاهرة.

 

وتشير حقيقة أن الطائرات المصرية كانت متوقفة في المطارات، جناحًا إلى جناح، إلى أنها لم تكن هناك خطة مصرية لمهاجمة إسرائيل. وكان هذا هو السبب في أن الإسرائيليين تمكنوا من تدمير أكثر من 200 طائرة مصرية وهي على الأرض.‏


بعد ذلك بوقت طويل، علمتُ أن أحد المقربين من الرئيس جونسون، هاري ماكفرسون، كان في إسرائيل في بداية الحرب ورافق السفير الأميركي إلى اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ليفي أشكول.

 

وعندما بدأت صفارات إنذار الغارات الجوية الإسرائيلية في العويل خلال الاجتماع، أكد رئيس المخابرات الإسرائيلية آنذاك، الجنرال أهارون ياريف، للجميع أنه لا داعي للانتقال إلى مخبأ تحت الأرض.

 

ويشير ذلك إلى أنه كان هناك يقين، على أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية، من أنها لا توجد إمكانية لشن هجوم مصري، وهو ما يتعارض مع الحجة الإسرائيلية القائلة بأن هجوم الإسرائيليين كان وقائيًا.


‏في مناسبات عديدة جدًا في تاريخ الولايات المتحدة، تم تبرير استخدام القوة، إما بعرض معلومات استخباراتية فاسدة، أو بمجرد سرد أكاذيب واضحة.

 

كان هذا هو واقع الحال في حرب فيتنام، وحرب العراق في العام 2003. ويجب أن لا نتسامح مع أكاذيب رؤسائنا، ولا أن نتسامح مع أكاذيب المسؤولين الأجانب كما كان الحال في حرب الأيام الستة والهجوم على "يو إس ‏‏إس ليبرتي"‏‏.‏


‏*ملفين غودمان Melvin A. Goodman: زميل أقدم في "مركز السياسة الدولية" وأستاذ الحوكمة في جامعة جونز هوبكنز. محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية، وهو مؤلف "فشل ‏‏الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية"؛ و"انعدام‏‏ ‏‏الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأميركية‏"‏.

 

‏‏ومُبلغ عن المخالفات في وكالة المخابرات المركزية‏‏". أحدث كتبه هي "المذبحة الأميركية: حروب دونالد ترامب" (منشورات أوبَس 2019)؛ و"احتواء دولة الأمن القومي" (منشورات أوبَس 2021). وهو كاتب عمود الأمن القومي في مجلة "كاونتربنش".

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

The USS Liberty: a Well-Planned Accident

 

اقرأ المزيد في ترجمات

 الولايات المتحدة تنشر غواصة مزودة بصواريخ كروز لتعزيز الردع ضد إيران