كيف نقضي على الفقر المدقع؟ الإجابة بديهية، وبسيطة

1697446667296009600
أحد أحياء الصفيح في تشاد، إفريقيا - (أرشيفية)

هلا تخيلتم كيف يمكنكم مساعدة أشخاص يعيشون على أقل من دولارين يومياً؟ يرى روري ستيوارت أن الجواب يكمن في استراتيجية جديدة "لا يمكن تصورها"- توزيع النقود
*   *   *    
بينما يجتمع قادة العالم في أيلول (سبتمبر) للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنهم يواجهون أكبر الإخفاقات وأعمقها. فقد تعهد العالم بالقضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2030. وكان هذا الطموح هو الهدف الأول بالنسبة للأمم المتحدة طيلة عقد من الزمن، وأُنفقت عليه المليارات.

اضافة اعلان


لكننا لن نتمكن من بلوغ هذا الهدف، بل سنتخلف عنه بفارق كبير. وما كان يجب أن يحدث هذا، ونحن قادرون على التحرك في هذا الصدد.


قد تكون للفقر تعريفات كثيرة، لكنّ للفقر المدقع تعريف محدد: العيش على أقل من 2.15 دولار (1.73 جنيه استرليني) في اليوم.

 

وقد حدد البنك الدولي هذه العتبة باعتبارها تقديراً لما يحتاجه المرء كي يتمكن من تأمين سلة أساسية من السلع، تتضمن الغذاء والماء والمأوى. فإذا تخطى المرء هذا الخط، فإنه سيعيش.

 

وإذا لم يتمكن من تخطيه، فقد لا يتمكن من الاستمرار. وليس القضاء على الفقر المدقع هدفاً خارقاً، بل هو أقل الأمور الممكنة.


نتج الفقر المدقع عن مختلف الأسباب؛ فالاستعمار نهَب الثروات والموارد؛ وتصرف العديد من زعماء فترة ما بعد الاستقلال بفوضوية أو استبداد. وبينما لا يمكن اعتبار الجغرافيا قدراً محتماً، فقد صعَّبت التجارة عبر المحيطات وفاقمت أمراض الأقاليم الاستوائية وجعلت تغير المناخ أكثر فتكاً.


كان مصير المساعدات الإنمائية في أغلب الأحيان إما الهدر أو انعدام الفعالية، وهو أمر اختبرتُه شخصياً المرة تلو الأخرى من خلال عملي في التنمية، ولاحقاً عندما شغلتُ منصب وزير الدولة المسؤول عن إنفاق المملكة المتحدة في المجال الإنمائي. قمت بزيادة عيادات تخلو من الأدوية ومدارس فيها مدرس واحد لكل 180 طالباً وبرامج لإدارة الصرف الصحي اختفى 90 في المائة من تمويلها في "تصميم البرنامج".


قام الهدف الذي وضعته الأمم المتحدة للعام 2030 على تراجع متواصل في مستوى الفقر العالمي على مدار خمسين عاماً، لكن الصين وآسيا مسؤولتان عن الجزء الأكبر من هذا التراجع. وفي المقابل، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 170 مليوناً في العام 1980 إلى 470 مليوناً اليوم.

 

وقد افترض الرأي العام أن الأوضاع إلى تحسن استناداً إلى تعهدات عمليات جمع التبرعات عبر التلفزيون والكتب الأكثر مبيعاً، بأن نهاية الفقر باتت وشيكة، بينما كان الواقع في الميدان يشير إلى العكس.


من خلال تركيزه على النسب المئوية العالمية التي حرفها النجاح في الصين، أوهم قطاع الإغاثة والمساعدات نفسه بأن جهوده نافعة أكثر مما كانت عليه فعلياً، وهي جهود تقوم على النظرية وليس الأدلة.

 

لكن النظرة الواقعية إلى الأدلة تكشف مساراً واعداً للقضاء على الفقر المدقع خلال حياتنا.


عندما كانت الأمم المتحدة ترسم أهدافها الإنمائية للألفية، ساور الباحثين في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الشك بوجود قصور في معرفتنا بموضوع التنمية، خلافاً لاعتقادنا.

 

ولذلك، قادوا عملية استخدام التجارب العشوائية المضبوطة لقياس المنفعة من برامج مكافحة الفقر، ليجدوا أن العديد منها لا تحقق أي تغيير قابل للقياس.


لكن مقاربة هامشية واحدة حققت التغيير: منح المال للأفراد. وتظهر أكثر من 300 دراسة وضعت حتى الآن أنك عندما تمنح الأفراد مبلغاً مالياً مباشرة، فإن الناس الذين يعانون من الفقر يوظفونه بشكل جيد يُدخل تحسيناً مستداماً على صحتهم وتعليمهم ومدخولهم واعتمادهم على أنفسهم. فالمحتاج هو أفضل من يعرف حاجته. وبمنحه المال، تعطيه حرية الاختيار.


قد يكون المبلغ الذي نعده نحن ضئيلاً، ربما لا يتعدى 500 دولار (400 جنيه إسترليني)، قادراً على تغيير حياة شخص يعيش على أقل من 2.15 دولار (1.73 جنيه استرليني) في اليوم. وقد وجدت تجارب أخرى أن تقديم المال لأشخاص عدة في الوقت نفسه لا يفيدهم على المستوى الفردي فحسب، بل يفيد جيرانهم كذلك بسبب إنفاق المال واستثماره محلياً.


لقد شككتُ يوماً في هذه الفكرة، كما قد تشكون فيها أنتم الآن. افترضتُ أن الجيش الصغير من حملة شهادات الدكتوراه في وزارة المساعدات الخارجية لا بد أنه يملك طريقة أفضل من مجرد منح الأفراد مبالغ نقدية (يا للفكرة الخالية من الابتكار!). ولكن، أثناء زيارتي لأحد مواقع التجارب في رواندا، رأيت سعة الخيال لدى المتلقين وليس لدينا نحن.


من خلال مبلغ صغير نسبياً يُدفع مرة واحدة، تمكنت العائلات من الاستثمار في أنفسها. وقد رأيتُ كيف حولت بعض القرى فجأة طاقتها ومساكنها وصرفها الصحي ومؤسسات أعمالها بسرعة وفعالية أكبر مما أنجزه أي برامج للمساعدات.


تساعد النقود على استحداث الحلول من القاعدة إلى الأعلى، بدل أن تُفرض من القمة باتجاه القاعدة.


لن نقضي على الفقر عبر توزيع المال فقط. إن هذه المجتمعات في حاجة أيضاً، لكي تزدهر، إلى سبيل للوصول إلى الأسواق والرعاية الصحية والتعليم.

 

ومع ذلك، يعيش الكثير ممن يعانون من الفقر إلى جوار هذه الفرص، لكن شدة فقرهم تحول دون تمكنهم من الاستفادة منها. إننا عندما لا نمنح أفقر الأفراد الوسيلة والقوة لكي يستثمروا في أنفسهم، فإننا نقصيهم فعلياً من مسار التنمية ونختار أن نخمن حاجاتهم بأنفسنا.


إننا نجتمع في نيويورك وقد وعينا أن خططنا لتنمية الدول الأفقر لم تنجح. ومع ذلك، أشعر ببعض الأمل الحذر. لديّ أمل لأننا نمتلك من خلال تقديم المساعدات النقدية أداة مثبتةً لانتشال الناس من الفقر. لكنني حذر بسبب ما يتطلبه الأمر من تواضع جذري من الدول الثرية، كي تعترف بأنها ربما لا تعرف مصلحة الفئات الأكثر فقرًا.


ولكن، لا شيء أكثر فعالية من أن تقوم الدول الثرية بتوفير مساعدات نقدية أكبر بكثير للأكثر فقرًا. إن هذا لن ينقذ الأرواح ويغيرها فحسب، بل سيكون دليلاً على الثقة بمعرفة الفقراء، واحترامهم -وصون كرامتهم.

*روري ستيوارت: دبلوماسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين مرشح لمنصب عمدة مدينة لندن.

 

اقرأ المزيد في ترجمات

الاقتصاد العالمي: حقبة أخرى قاتمة على الطريق