مقاربة قوات سورية الديمقراطية لفوز أردوغان

1690792903432358700
مقاتلون من "قوات سورية الديمقراطية" في سورية - (أرشيفية)

نتيجة تخوفهم من تداعيات إعادة انتخاب أردوغان، يحتاج الأكراد في شمال شرق سورية إلى دعم نشط من الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضى.
*   *   *
لم يكن هناك أدنى شك من أن متابعة الانتخابات التركية الأخيرة من قبل السكان في سورية، وبالأخص في شمالها المنقسم، كانت بالإثارة ذاتها التي عاشها الأتراك أنفسهم. ويعزى هذا الاهتمام إلى ارتباط مصير شمال سورية بالمسار الانتخابي والسياسي لتركيا في نواح عدة.

اضافة اعلان

 

والآن بعد أن أصبح من الواضح أن أردوغان سيبقى في السلطة، يحاول السوريون فهم ما يجب فعله وكيفية تسيير الأوضاع مع أنقرة خلال السنوات المقبلة. بعد فوز أردوغان أصبحت قيادة الإدارة الذاتية وأنصارها تراقب تلك التطورات بقلق شديد في سعيها للبحث عن تطمينات.

 

وفي نهاية المطاف، هناك حاجة ملحة لتدخل الأطراف المعنية مثل الولايات المتحدة لتشجيع الحوار بين هذه الأطراف لتفادي الصدام بين الجانبين والحد من احتمال نشوب صراع آخر.


منذ العام 2016، نفذت تركيا عمليات برية متتالية لطرد القوات الكردية من المناطق الحدودية في شمال سورية. وفي حين قادت قوات سورية الديمقراطية، (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة الحملة العسكرية التي أزاحت مقاتلي تنظيم "داعش" من الأراضي السورية في العام 2019، إلا أن أنقرة تعتبر "وحدات حماية الشعب" (YPG) -المجموعة الرئيسية المكونة لقوات (قسد)- امتدادًا لـ"حزب العمال الكردستاني" (PKK)، الذي تصنفه أنقرة جماعة إرهابية. ومن الجدير بالذكر أن "حزب العمال الكردستاني" يخوض صراعاً مسلحاً ضد تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي بهدف تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في مناطق تواجدهم في جنوبي شرقي تركيا.


وفي السياق نفسه، أدركت (قسد) أنه باستثناء حدوث أي تغييرات مهمة، فإن انتصار أردوغان يعني خمس سنوات جديدة من الضغط والمخاطر مشابهة لما حدث في الماضي، بما في ذلك احتلال عفرين إلى رأس العين ومحاولات ابتلاع تل رفعت وكوباني (عين العرب)، إلى حرب الحملات المستمرة على السكان.


ومع ذلك، هناك بعض المخاوف الآن من أن السياسة الداخلية التركية قد تكون لها تداعيات على وضع الأكراد، خاصة بعد مشاركة "حزب الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات التركية تحت اسم حزب "اليسار الأخضر"، ودعمه أوغلو ضد أردوغان، مما زاد من المخاوف في شرق الفرات من ردود فعل انتقامية من أردوغان ضد "حزب الشعوب الديمقراطي" وحلفائه في المنطقة. وبالتالي، سيكون الانتقام منهم في سورية ممكنًا، حيث لا تنفك تركيا تربط كلا من "حزب الشعوب الديمقراطي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" بـ"حزب العمال الكردستاني". وبذلك، قد يكون العقاب الجماعي ممكنًا.


على الصعيد العسكري، تشعر "قوات سورية الديمقراطية" بالقلق تجاه أنقرة التي قد تقوم بتكثيف ضرباتها الجوية ضد النقاط العسكرية لتلك القوات، أو أنها قد تقوم بعملية عسكرية جديدة في المناطق الهشة والبعيدة عن معقل (قسد) في القامشلي، مثل تل رفعت ومنغ.

 

ومن المتوقع أيضًا أن تمارس تركيا مزيدًا من الضغوط على واشنطن لتقليل دعمها لـ(قسد) والإدارة الذاتية، كما أن هناك شكوكًا في أن تركيا ستعمل على تضييق الخناق الاقتصادي على مناطق شمال شرق سورية، إضافة إلى الاندفاع لمد يد العون للروس والإيرانيين وحكومة دمشق لإضعاف مناطق الإدارة الذاتية.


في غضون ذلك، تأثرت المواقف في شمال غرب سورية أيضًا بنتيجة الانتخابات التركية، حيث تختلف العلاقة التركية بوجود أردوغان في مناطق الشهباء وعفرين وتل أبيض عنها في مناطق إدلب؛ فبوجود أردوغان تنفست المعارضة السنية المحسوبة على تركيا الصعداء، حيث كانت المعارضة تخشى من وصول أوغلو إلى سدة الحكم، خاصة وأنه كان ينوى إعادة اللاجئين السوريين والدخول في علاقات مباشرة مع الأسد.

 

ولكن، حتى لو كان هناك تقارب بين حكومتي أنقرة ودمشق من خلال روسيا، فقد نظر الكثيرون إلى هذا التقارب على أنه تكتيكي ومرتبط بمحاولات أردوغان لكسب المزيد من الأصوات، بإظهار اهتمامه بحل الملف السوري وإنهاء أزمة اللاجئين.


لذلك، تعتقد الكثير من أطراف المعارضة أن التطبيع مع الحكومة السورية وتسليم المناطق التي احتلتها تركيا لدمشق شبه مستحيل حالياً. ومع ذلك، تبقى المنطقة التي تلي عفرين وتشمل جل إدلب، قد تشهد مقايضات جديدة، حيث إن فوز أردوغان يعني بقاء تلك المناطق لفترة أطول على حالها، ويعني أن الخط الشمالي لحلب سيبقى على حاله.

 

وعلاوة على ذلك، لن تتوانى الكتل القومية التركية التي أصبحت راسخة في البرلمان والحكومة عن استخدام المتطرفين أو التخلي عنهم عند توفر العروض من دول كروسيا، حتى لو أتت تلك السياسات على حساب المعارضة الموالية لتركيا أو على حساب مصالح واشنطن نفسها.


ترى "قسد" أنه لا يمكن أن يكون وجود واشنطن والتحالف الدولي في شرق الفرات عبارة عن وجود شكلي عندما يأتي الخطر. وقد يدفع ذلك شركاء واشنطن إلى البحث عن بدائل أخرى تنقذها من عدوانية أردوغان خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يجعلهم عرضة لمبادرات من موسكو وطهران اللتين تسعيان إلى استهداف واشنطن والتحالف الدولي.

 

لذلك، ولتفادي الشرخ الأكبر، ولنشر رسالة اطمئنان لسكان تلك المنطقة الهشة والمنهكة من الحرب التي لا تنتهي، على واشنطن والتحالف الدولي القيام بالخطوات الآتية لرأب الصدع وتقديم حلول فعالة ممكنة بهذا المسار:
أولاً: محاولة فتح ملف التفاوض بين حزب العمال الكردستاني وتركيا من جديد. وقد يكون إقليم كردستان بوابة الحل لفتح المفاوضات لما له من أهمية في الملف الكردي وعلاقاته الجيدة مع الأطراف المعنيين بالقضية.


ثانيا: محاولة التوسط لبناء علاقة تواصل بين "قسد" والإدارة الذاتية من جهة وأطراف المعارضة الموالية لتركيا أو مع تركيا مباشرة لإنهاء التوتر وتوفير خطط لبناء أرضية مصالح مشتركة قد تفيد الجانبين. 


ثالثا: التركيز أكثر على لعب دور مباشر مع روسيا للضغط على حكومة دمشق لدفعها للتفاهم مع ممثلي شرق الفرات للوصول إلى حل دستوري نهائي لتلك المنطقة. قد تكون الحوافز بتخفيف العقوبات الاقتصادية عن دمشق طريقة جاذبة بهذا الصدد.


رابعا: انتشار نقاط عسكرية للتحالف الدولي على الخط الحدودي لشمال شرق سورية مع تركيا. هذا الانتشار، ولو كان رمزياً، سيعطي نوعا من الطمأنينة لسكان تلك المنطقة بأنهم لن يتعرضوا للخيانة من جديد، وسيكون رادعا عمليا لخطط تركيا باجتياح مناطق جديدة في تلك البقعة.


خامسا: الدفع بقادة تلك المنطقة إلى تعزيز الاقتصاد والحوكمة والمفاهيم الديمقراطية والمشاركة المتنوعة في إدارة المنطقة، والضغط لتفادي انخراطها في عملية ابتزاز قد توفر الذرائع لتركيا للقيام بنشاطات خطيرة على تلك الخريطة.

*براء صبري: محلل وباحث من سورية، يدرس حاليًا في قسم الدراسات العليا في القانون الدولي في ألمانيا. تركز أبحاثه على العلاقات الدولية وقضايا الحوكمة والشؤون العامة والصراعات وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

اقرأ أيضا في ترجمات

 

أي مصير ينتظر الأكراد إذا تصالحت أنقرة مع دمشق؟