‏قطع المساعدات الأميركية عن إسرائيل لن يعالج العلة ‏الأساسية

‏بنيامين نتنياهو يخاطب اجتماعًا مشتركًا للكونغرس الأميركي في واشنطن العاصمة، 2015 – (المصدر)
‏بنيامين نتنياهو يخاطب اجتماعًا مشتركًا للكونغرس الأميركي في واشنطن العاصمة، 2015 – (المصدر)

ماثيو بيتي*‏ - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 2023/7/27
‏تبدو الولايات المتحدة مرتبطة بالقدس وملتزمة تجاهها بطرق تتجاوز مجرد الـ3.8 مليار دولار سنويًا من المساعدات.‏
*   *   *
نُشر في تموز (يوليو) مقالان مدهشان، كلاهما يدعو واشنطن إلى قطع مساعداتها العسكرية لإسرائيل. ‏كتب نيكولاس كريستوف في صحيفة "نيويورك تايمز"، بدعم من ‏‏سفيرين أميركيين سابقين‏‏ لدى إسرائيل، أن تقديم "المساعدات إلى دولة غنية أخرى يبدد الموارد الشحيحة، ويخلق علاقة غير صحية تضر بكلا الجانبين".

اضافة اعلان

 

وفي الوقت نفسه، ‏‏جادل‏‏ جاكوب سيغل وليل ليبوفيتز، المحرران في مجلة "تابلت" اليمينية، بأن "الأمر ينتهي بإسرائيل وهي تضحي بقيمة أكبر بكثير مقابل ما يقرب من 4 مليارات دولار تتلقاها سنويًا من واشنطن".‏


‏يعكس كريستوف في مقاله مشاعر العديد من الليبراليين الأميركيين الذين صُدموا من جنوح إسرائيل المفرط نحو اليمين، ويرون رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كرجل قوي ومستبد غير ليبرالي. (نجح نتنياهو في تمرير قانون يوم الاثنين، 24 تموز (يوليو) ‏‏يقوض سلطة‏‏ أعلى محكمة في البلاد على إبطال التشريعات، مما أثار ‏‏احتجاجات جماهيرية حاشدة‏‏).

 

ومن ناحية أخرى، يردد سيغل وليبوفيتز ادعاء العديد من المتشددين الإسرائيليين والمحافظين الجدد الأميركيين، مثل مؤلفي تقرير "انفصال نظيف" ‏‏Clean Break‏ للعام 1996، الذي قال إن المساعدات الأميركية تقوض "اعتماد إسرائيل على نفسها" وتقيد "حريتها في العمل".‏


‏لكنَّ هناك عنصرًا جديدًا في أطروحة سيغل وليبوفيتز يستحق التفكيك. إنهما ينظران إلى المساعدات الأميركية لإسرائيل على أنها مانعة صواعق سياسية، تغذي "أسطورة عن وجود لوبي إسرائيلي مهيمن". والمؤلفان مستعدان لقبول تراجع تكتيكي، والتخلي عن المساعدات من أجل تأمين أشكال أخرى من الدعم الأميركي، مثل وعد واشنطن الضمني بالانضمام إلى حرب تشنها إسرائيل ضد إيران.‏


‏في الواقع، تشكل المساعدات المالية الجزء الأقل أهمية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فالولايات المتحدة تمنح إسرائيل ضمانات أمنية واسعة النطاق، وتُدرجها في كل مستوى من مستويات السياسة العسكرية والدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

 

لكن التركيز على مبلغ المساعدات البالغ 3.8 مليار دولار سنويًا، الذي هو دعم لمصنّعي الأسلحة الأميركيين أكثر من أي شيء آخر، يدفع إلى الظل بأشكال الدعم الأخرى التي تعتبرها إسرائيل أمرًا مفروغًا منه.

 

وكما ‏‏قال‏‏ السفير الأميركي المنتهية ولايته لدى إسرائيل، توم نايدس، فإن "معظم الإسرائيليين لا يريدون أن تكون أميركا خارج أعمالهم"، وهذه الرغبة أكثر بكثير من المال.‏


إلى جانب المساعدات، تقدم واشنطن سلة من الهدايا النفيسة للدول التي تحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، وتقدم عالمًا من الضرر والألم لأعداء إسرائيل.

 

وبطبيعة الحال، تصادَف أن تصطف الأولويات الأميركية والإسرائيلية معًا في بعض الأحيان. كانت للولايات المتحدة علاقة مع المملكة العربية السعودية قبل وجود إسرائيل، وربما لم تكن لتتوافق جيدًا مع العراق في العام 1991 -حتى لو أعلن صدام حسين نفسه صهيونيًا متحمسًا.‏


‏ومع ذلك، فإن الكثير من سياسة الولايات المتحدة مصمم صراحة لمساعدة إسرائيل، كهدف في حد ذاتها. وقد أقر الكونغرس قانونًا في العام 2008 يضمن "‏‏التفوق العسكري النوعي‏‏" لإسرائيل، بحيث يُمنح الجيش الإسرائيلي نسخة أفضل من أي أسلحة تشتريها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

 

وأعلنت إدارة بايدن أن حمل المملكة العربية السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو "أولوية"، وهي تتفاوض مع الحكومة السعودية حول ‏‏حجم "الرشوة"‏‏ اللازمة للقيام بذلك.

 

كما أدرج دبلوماسيون أميركيون شروطًا مؤيدة لإسرائيل في محادثاتهم مع دول أخرى من بينها دول بعيدة عن الشرق الأوسط، مثل ‏‏صربيا وكوسوفو‏‏.‏


يركز سيغل وليبوفيتز بشكل خاص على العلاقات الأميركية الإيرانية كدليل على أن إسرائيل هي ضحية للرعاية الأميركية.

 

عندما تفاوضت إدارة أوباما على صفقة لتقييد برنامج إيران النووي، اعترض القادة الإسرائيليون على تلك المفاوضات، مما دفع الرئيس باراك أوباما إلى رفع مخصصات المساعدات الإسرائيلية إلى 3.8 مليار دولار سنويًا "كتعويض".

 

ويرى سيغل وليبوفيتز أن ذلك المال كان رشوة لإسرائيل لقبول "سياسة أوباما الخارجية التي يُفترض أنها ’متمحورة حول إيران‘".


‏ويشير الكاتبان إلى أنهما كانا ليفضلا أن يحتفظ أوباما بالمال ويسمح لإسرائيل "بقطع رأس النظام الإيراني".

 

لكن هذه ليست دعوة إلى رفع الأيدي الأميركية عن أكتاف إسرائيل. إن إسرائيل تطلق التهديدات التي تطلقها فقط بسبب تمتعها بالرعاية الأميركية.

 

سوف تحتاج إلى طائرات أميركية للتزود بالوقود في الجو وقنابل خارقة للتحصينات حتى تكون لديها أي فرصة للنجاح في حرب مع إيران. ويعتبر القادة الإسرائيليون والأميركيون والإيرانيون ‏‏جميعًا في حكم المسلم به أن حربًا إسرائيلية مع إيران سوف تُخاض بمشاركة الولايات المتحدة.‏


تستطيع واشنطن أن تبقى خارج الحرب من خلال النأي بنفسها صراحة عن تصرفات إسرائيل. يمكن للرئيس الأميركي أن يعتلي المنصة ويعلن: "القوات الأميركية لن تعيق -ولن تساعد- هجومًا إسرائيليًا على إيران بأي شكل من الأشكال. إذا كانت حياة الأميركيين مهددة من قبل أي بلد، فسوف نرد نحن بقوة. وبخلاف ذلك، فإن هذه المعركة ليست معركتنا. أطيب التمنيات لإسرائيل وبارك الله في أميركا".‏


‏من المحتمل أن تلوح الحركة المؤيدة لإسرائيل بالقميص الدامي**، وتعلن الرئيس الأميركي خائنًا. (يسخر سيغل وليبوفيتز نفسيهما من فكرة وجود عالم تكون تتم فيه "موازنة" مصالح الحلفاء التقليديين، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، مع مصالح عدوهما اللدود، إيران"). كما أن إطلاق العنان لإسرائيل لتخوض معركتها الخاصة سيكون من شأنه أن يكسر بالفعل "‏‏الالتزام غير القابل للتفاوض بأمن إسرائيل‏‏" الذي وعد به الرؤساء الأميركيون الأخيرون.‏


ثمة العديد من الأسباب لتقديم هذا المستوى من الدعم. وقد سال الكثير من الحبر، ربما أكثر من اللازم، لمناقشة تأثير جماعات الضغط المحترفة المؤيدة لإسرائيل. وتستحق الزاوية الأيديولوجية إيلاءها المزيد من الاهتمام. بالنسبة للعديد من الأميركيين، وخاصة من ‏‏الجيل الأكبر سنُا‏‏، يُعد دعم إسرائيل واجبًا أخلاقيًا. ويرى البعض أن الدولة اليهودية تحقق ‏‏نبوءات دينية‏‏، ويتصور آخرون إسرائيل كجزء من ‏‏منحنى خلاص أكثر عَلمانية‏‏ للعالم الغربي.‏


‏ذات مرة، قالت رئيسة مجلس النواب السابقة، النائبة نانسي بيلوسي (ديمقراطية من كاليفورنيا)‏‏: "إذا انهار مبنى الكابيتول هذا على الأرض، فإن الشيء الوحيد الذي يبقى سيكون التزامنا بمساعداتنا -لا أسميها حتى مساعداتنا- تعاوننا مع إسرائيل. هذا أمر أساسي لمن نحن وما نمثله".‏


يبدو الكثير من الدعم الأميركي لإسرائيل إما مجانيًا بلا كلفة، أو أنه لا يجذب أكثر من اهتمام قليل في السياسة الأميركية. وتشكل مناسبات التصويت في الأمم المتحدة وسياسة منع الانتشار النووي مواضيع غامضة لا يوليها معظم الأميركيين الاهتمام. وتظهر استطلاعات الرأي أن الجمهور الأميركي لديه فهم ‏‏مشوش‏‏ ‏‏ومتناقض‏‏ لمعظم قضايا الشرق الأوسط.‏


‏ومن ناحية أخرى، لا تحتاج المساعدات العسكرية إلى امتلاك شهادة ماجستير لفهمها. إن ‏‏أميركا تعطي لدولة أخرى أموالًا مجانية. والبلد الآخر يستخدم المال لشراء القنال.‏‏ وإذا تمسَّك الأميركيون بأي مبدأ سياسي فوق كل المبادئ الأخرى، فهو أن يحرس بغَيرة أموال دافعي الضرائب: ‏‏أموالهم‏‏.‏


‏مع تعاطف الديمقراطيين ‏‏بشكل متزايد مع الفلسطينيين،‏‏ جعل الجناح اليساري للحزب المساعدات محورًا لأطروحتهم. وقالت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية - نيويورك) بعد ‏‏أن قتل الجنود الإسرائيليون‏‏ صحفية فلسطينية أميركية: "لا يمكننا حتى الحصول على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، ونحن نمول هذا". ولم يؤد ‏‏رد الفعل العنيف المؤيد لإسرائيل‏‏ ضد اليساريين من ‏‏المؤسسة الديمقراطية‏‏ سوى إلى جذب المزيد من الاهتمام إلى هذه المسألة.‏


‏وعلى الرغم من أن الجمهوريين هم أكثر دعمًا لإسرائيل، فإن هذا الحزب قد يكون متجهًا أيضًا نحو حرب أهلية حول هذه القضية. وتُظهر استطلاعات الرأي ‏‏أن الجمهوريين الشباب‏‏، وخاصة ‏‏المسيحيين الإنجيليين الشباب‏‏، ينقلبون ضد إسرائيل بأعداد كبيرة إلى حد مدهش. وبينما يدقق الساسة الجمهوريون في المساعدات الأميركية لأوكرانيا، قد يكون من الصعب تبرير منح شيك على بياض لإسرائيل، وهي دولة أكثر ازدهارًا من أوكرانيا وتواجه تهديدًا أقل حدة.


‏قد ينتقل نقاش يثور حول المساعدات إلى منطقة غير مريحة لمؤيدي إسرائيل. ليس من الممتع حقًا تصوير إسرائيل كحالة خيرية محتاجة، خاصة وأن إسرائيل، كما أشار كريستوف، "‏‏أغنى من حيث نصيب الفرد‏‏ من اليابان وبعض الدول الأوروبية". وقد حاول بعض مؤيدي إسرائيل بدلاً من ذلك تصوير المساعدات على أنها ‏‏نعمة للمجمع الصناعي العسكري الأميركي‏‏، وهو شيء لا يميل الأميركيون إلى حبه أيضًا.‏


‏لا تشكل الأفكار من نوع "يبدو أنهم يمتصون الحكومة الأميركية حتى الجفاف من أجل تمويل مشروعهم الخاص في الخارج" ولا فكرة "القِوادة لصالح شركة لوكهيد مارتن" نظرات جيدة لإسرائيل والمدافعين عنها، كما يحذر سيغل وليبوفيتز. إنهما يريدان أن يستبقا المنحنى؛ أن ينهيا المساعدات قبل أن يصبح النقاش أعلى، وأن يمنعا إسرائيل من تحمل اللوم عن الفشل الذريع للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.‏


لا ينبغي أن تكون المساعدات هي بداية الحوار ونهايته. فحتى لو جف كل قرش من المساعدات، ستظل واشنطن ملتزمة بدعم إسرائيل بطرق متنوعة، بعضها يشرك الولايات المتحدة في سياسة الشرق الأوسط بشكل أعمق بكثير من مجرد توقيع شيك للجيش الإسرائيلي كل عام.‏


‏إن سيغل وليبوفيتز محقان في شيء واحد: تحتاج "النخبة الأميركية الحالية" إلى إسرائيل لكي تصرف الانتباه عن الحالة المحزنة لـ"استراتيجيتنا في الشرق الأوسط". لكنّ إسرائيل ليست كبش فداء؛ إنها، بدلاً من ذلك، مبرر.

 

ويرى كل سياسي مؤسسي، من بيلوسي إلى مايك بومبيو، تل أبيب كمدينة فاضلة تعززها القوة الأميركية. وكلما ازداد الشرق الأوسط سوءًا -فيما يرجع الفضل فيه جزئيًا إلى التدخل الأميركي- برزت إسرائيل باعتبار أنها "ديمقراطيته الوحيدة". ومن خلال التحديق في "مدينتهم المشرقة على تل" المفضلة، يمكن للقادة الأميركيين التغاضي عن الكثير من الدمار الكامن تحتها.‏

*‏ماثيو بيتي Matthew Petti: زميل فولبرايت 2022-2023. كان سابقا مراسلاً لمجلة "الحكم المسؤول" Responsible Statecraft، ومساعد بحث في معهد كوينسي. كما عمل كمراسل لشؤون الأمن القومي في مجلة "المصلحة الوطنية" The National Interest ومساهمًا العديد من المنشورات الأخرى.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Cutting US aid to Israel won’t cure what ills

 

هامش:

 

‏**التلويح بالقميص الدامي‏‏" Waving the bloody shirt و"‏‏حملة القمصان الدموية‏‏" bloody shirt campaign هي عبارات ‏‏ازدرائية‏‏، استخدمت خلال ‏‏الحملات الانتخابية الأميركية في القرن 19‏‏ للسخرية من السياسيين المعارضين الذين وجهوا دعوات عاطفية للانتقام لدماء الجنود الذين لقوا حتفهم في ‏‏الحرب الأهلية‏‏.

 

غالبًا ما استُخدمت العبارات ضد ‏‏الجمهوريين‏‏، الذين اتهموا باستخدام ذكرى ‏‏الحرب الأهلية‏‏ لمصلحتهم السياسية. ولم يكن ‏‏الديمقراطيون‏‏ فوق استخدام ذكريات الحرب الأهلية بهذه الطريقة أيضًا، خاصة في الحملات الانتخابية في ‏‏الجنوب‏‏.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

إسرائيل: خط مستقيم من الاحتلال إلى الفصل العنصري