عيد المساخر.. العيد الوطني لإسرائيل

هآرتس
هآرتس
بقلم: ب. ميخائيل

 كل شيء تغير، كما يقول الجميع. "لن يكون أي شيء كما كان"، يقولون بتنهد. ورغم أنني من الأقلية الضئيلة التي تعتقد أنه لم يتغير أي شيء وأن كل شيء بقي بالضبط على حاله (مع خصم بضع عشرات الآلاف من الجثث)، إلا أنني اعتقدت أنه يجب علي أن أقترح تغييرا دراماتيكيا في أعقاب الأحداث.اضافة اعلان
أنا فكرت كثيرا ولم تظهر في ذهني إلا الكليشيهات المعتادة: ترك المناطق، فصل الدين عن الدولة، وضع دستور، إرسال كل الحكومة وهيئة الأركانفي لاهاي... وأفكارا صغيرة أخرى كهذه، لا يوجد في أي شيء أصلي.
 بعد ذلك في الوقت الذي كنت فيه أفحص بعمق وثيقة إستر لمعت في ذهني فكرة لتغيير لم يكن مثله من قبل: إرسال عيد الاستقلال إلى التقاعد ووضع مكانه عيد المساخر كالعيد الوطني لدولة اسرائيل.
 من الجدير تفسير في البداية لماذا عيد الاستقلال اصبح غير مناسب. عيد الاستقلال ولد وهو مليء بالنوايا الطيبة والقيم السامية التي تجمعت في وثيقة احتفالية تم التوقيع عليها في احتفال مؤثر. هذه الوثيقة الاحتفالية لفظت انفاسها في غضون ايام، كل الوعود التي لوحت بها اصبحت علامة ميتة ومحتقرة. كل ما تبقى منها هو الالعاب النارية لتخويف الكلاب والمشاعل التي تبعث على الملل ومسابقة لقراءة آيات من الكتاب المقدس. هذا لم يعد يكفي.
 في المقابل، عيد المساخر مناسب تماما. يبدو أن الحديث لا يدور إلا عن مسلسل فارسي هزلي، عن ملك أخرق ومتآمر ماكر في البلاط وفتاة مغرية ومارق لديه الكثير من الاولاد وزوجته المفترية.
هكذا يبدو في الواقع، لكن فعليا كل ثقافة دولة إسرائيل تكمن في هذا العيد، في مبادئه وعاداته. الأقنعة وعددلويداع والذبح، هذا كل ما هو مطلوب للاحتفال بالعيد الوطني الإسرائيلي كما ينبغي. لنبدأ بالأقنعة. مبدأ ارتداء الأقنعة هو من أساسات إسرائيل. هل يوجد أصلا لابسو أقنعة محترفون وحازمون مثلنا؟ نحن نتخفى ونتظاهر بأننا ديمقراطية ودولة قانون ورحيمين أبناء رحيمين ومساكين وصدّيقين ومنطقيين ومضطهدين وكريمين ونحب الأنسان وندعو للمساواة... هذه اقنعة، المزيد من الاقنعة، آلاف الاقنعة، هذا يكفي ويزيد من اجل تلبية كل احتياجات العيد وجوهرنا الوطني. نفس الشيء بالنسبة "عددلويداع"، التي كما هو معروف هي تجميع لكلمات "حتى لا يعرف". عدم المعرفة المطلق هذا والجهل المرغوب والمحافظ عليه هي بدون مبالغة أحد المباديء المقدسة جدا في دولة اسرائيل. بالضبط هي أحد أسس وجودنا. نحن بشكل دائم وقاطع لا نعرف ماذا كان وماذا يوجد وماذا سيكون، ماذا حدث وماذا لم يحدث وكيف حدث ولماذا حدث وأين حدث ومتى حدث... لا شيء. ابطال العالم في عدم المعرفة الشاملة.
 بالطبع – الذبح، الذي هو ذروة العيد. هذا هو الذي يعطيه عنصر الفرح: 75800 فارسي ليس لهم علاقة، رجال ونساء وأولاد، "ماتوا" في غضون يومين – ثلاثة أيام، كما جاء في الصحيفة. اليهود كان لهم فرح وسعادة وارتفاع مكانة.
 يمكن القول عن ذلك بأننا تقريبا حظينا بالاحتفال بعيد مساخر كما ينبغي. في الواقع لم نصل بعد إلى 75800 قتيل، لكن الحبل ما زال على الجرار. ويبدو أن المشككين والمحافظين أيضا يدركون الآن إلى أي درجة عيد المساخر جدير بأن يحل مكان عيد الاستقلال، وأن يشكل لنا عيدا وطنيا ويعكس في جوهره القيم المحدثة لدولة إسرائيل.
 لماذا استخدمت كلمة "ذبح"، لأنه إذا كان الـ 1200 ضحية يتم تسميتهم مذبحة فان الـ 32000 ضحية أيضا جديرة بهذا اللقب. في نهاية المطاف نحن أيضا نرتدي قناعا من يحبون المساواة، أليس كذلك؟.