افتقاد السعادة بتوقعات مستقبلية "سوداوية".. حينما يعكر صفو الحياة

31
31
ربى الرياحي لا يخلو ما يعيشه العديد من الأفراد من حالة تشاؤمية تسيطر على الحاضر وكل ما في المستقبل، هؤلاء لا يرون النعم التي تحيط بهم، إنما يعيشون تحت وطأة مستقبل يرونه قاتما بكل ما فيه سيفقدهم ما هم عليه الآن. وبين القلق والخوف والتشاؤم من المستقبل، يعيش البعض حياة خالية من الطمأنينة وينظرون بسوداوية تجاه كل ما يتعلق بصحتهم أو عملهم أو فقدهم شخصا عزيزا عليهم. الخوف من المجهول هو ما يجعلهم يفقدون الاستمتاع بحاضرهم ويهملون جزءا كبيرا من الأشياء المتاحة أمامهم. هذا النوع من الناس يحصرون أنفسهم داخل أفكار سلبية ويقررون الاستسلام لها بتركيزهم على المستقبل فقط ونسيانهم قيمة اللحظة الآنية. دانا سعيد (31 عاما) تعيش في قلق دائم، تقول إنها مؤخرا بدأت تشعر بالخوف على كل شيء تحبه رغم أنها بطبيعتها شخصية متفائلة تحرص على الاستمتاع بأدق التفاصيل. النعم كثيرة من حولها وتعتبر نفسها محظوظة بكل ما حققته، لكن المشاعر السلبية التي باتت تسيطر عليها في الفترة الأخيرة أفسدت كل شيء جميل حولها، لم تعد تستمتع بالحاضر، بل أصبح تركيزها بالكامل منصبا على المستقبل وعلى ما سيحدث معها من مآسٍ قد تسلبها أمانها، وكلما مرت الأيام يزداد قلقها أكثر، وخاصة على والدتها التي تخاف أن تفقدها. سيناريوهات لا تعد ولا تحصى تخطر ببال دانا في كل مرة تمرض والدتها فيها أو تشعر بالتعب والخوف من أن تفقدها للأبد وتبقى وحيدة، ما بات هاجسا يحرمها السعادة ويجعلها سجينة لأفكار سوداوية تختبر مرارتها قبل الأوان. وتبين لجين (44 عاما) “أن الغيب ليس بأيدينا ولا يمكننا تغييره، نحن نملك فقط الحاضر، لذلك فمن الأفضل أن نقدر قيمة اللحظة بعيدا عن الخوف والتفكير الزائد بالمجهول”. وتلفت إلى أن البعض يبالغون في توقع أمور سيئة دائما، لهذا لا يشعرون بالراحة مطلقا، كما أنهم ينقلون هذه المشاعر لمن حولهم. وبحكم التجربة، تقول لجين إن أختها الصغرى دائمة القلق على صحتها دون أي سبب، فكثيرا ما تجدها شاردة مهمومة تفتقد الشغف في كل نواحي حياتها لدرجة أنها لم تعد تكترث بدراستها لاعتقادها بأن مرضا خطيرا سيصيبها في المستقبل، وهذه ليست الفكرة السلبية الوحيدة التي تسيطر عليها، وإنما هناك أفكار أخرى تخيفها وتمنعها من أن تعيش الحياة بتفاؤل. أما زياد (25 عاما)، فقد تربى على التشاؤم منذ أن كان صغيرا، وجوده في أسرة ترى الحياة فقط من الجانب المظلم جعله يعتاد الندب والشكوى والقلق في كل صغيرة وكبيرة. زياد اكتفى بأن ينظر للجزء الفارغ من الكأس، فالحياة، من وجهة نظره، لم تضحك له يوما، بل على العكس كانت وستبقى تقف ضده، لذلك هو لا يحاول تجميلها على الإطلاق، وهذا بالطبع آذاه نفسيا وشكل عنده حالة من القلق على وظيفته التي يخشى أن يخسرها. مخاوفه تلك وتوقعاته السلبية تجاه المستقبل وإحساسه بالعجز، كل ذلك زاد من عصبيته وتوتره وأيضا حرمه من أن يطور نفسه ويكون شخصا طموحا ينظر بإيجابية لكل المواقف التي تحدث معه. ومن جهتها، توضح الاختصاصية النفسية الدكتورة عصمت حوسو، أن قسما من الناس بطبيعتهم سلبيون ينظرون للمستقبل بسوداوية، وذلك لأنهم أصلا تربوا في محيط قائم على الندب كإرث ثقافي وتوقع كل ما هو سيئ قبل أن يحدث. وهناك أيضا من يتحسر على الماضي وتكون نظرته تجاهه تشاؤمية مظلمة. هؤلاء تحديدا يعانون من الاكتئاب وفي الحالتين سواء من يخاف المستقبل أو يتحسر على الماضي فبالتأكيد هو نوع من التطرف، مشيرة إلى أن التفكير بهذه الطريقة السلبية يفقد الشخص جمال الاستمتاع بالحاضر ويؤثر سلبا على تطوير أدواته. تقول “هناك من يرون الحاضر مرا فيتنبأون الأسوأ بناء على المعطيات الموجودة أمامهم في الحقيقة، فهم يختلفون عن أولئك الذين يركزون فقط على الجوانب المظلمة والسيئة في كل الأمور”. وحسب رأي حوسو، فإن السبب وراء هذا الشعور والمبالغ فيه أحيانا هو طريقة التربية القائمة على ثقافة الندب والشكوى بدلا من ثقافة التركيز على الحلول. ويكون التغلب على القلق والتشاؤم من خلال إعادة النظر في التنشئة والانتباه لطريقة التفكير، بحيث يتم توجيه الجيل للتطلع بإيجابية نحو المستقبل وتطوير أدواتهم والاستمتاع بما هو متاح، ويتحقق ذلك بالتعاون مع المدرسة والأسرة. وتشرح حوسو أن أصحاب التفكير السلبي لا يستطيعون إيجاد السعادة في كل التفاصيل التي يعيشونها رغم أن هناك دائما ضوءا في آخر النفق، كما أن الجميع قادرون على رؤية الوجه الإيجابي حتى في أسوأ المواقف إذا أرادوا ذلك. وبين العناصر الذاتية المتعلقة بتصرفاتنا كأشخاص والعناصر الموضوعية الخارجة عن إرادتنا كالجو العام وقرارات الحكومة والوضع السياسي العالمي أو المحلي، يبقى قانون التحكم الوحيد هو مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا. ويرى الاختصاصي التربوي الدكتور عايش نوايسة، أن الخوف من المستقبل شعور مرهق للنفس الإنسانية يفقدها طمأنينتها، فالتعامل بالسلبية مع الحياة، رغم انعدام الأسباب، يدخل الشخص في دائرة من القلق ويزيد من تشاؤمه تجاه كل شيء. ووفق رأي نوايسة، فإن السبب في القلق الزائد يعود للتربية الخاطئة والتذمر باستمرار أمام الصغار دون اكتراث بخطورة تلك الأفكار السلبية على حياتهم وتسميم حاضرهم بعدم قدرتهم على تطور أنفسهم هربا من المستقبل الذي يتصورونه مخيفا ومليئا بالمصائب والأحداث السلبية. لذا لا بد من تعويدهم على التفاؤل منذ الصغر والنظر إلى الأمور بعين الرضا حتى وإن كان الواقع صعبا وقاسيا. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان