الإحساس بالآخر.. قيم أصيلة وإنسانية تميز رمضان ومظاهر تغيب احتراما لغزة

Untitled-1
أرشيفية

في شهر الخير، تتجلى أسمى معاني العطاء والمحبة والتكافل، وتتزين أيامه المباركة بمشاعر التراحم والتسامح والمودة. مشاعر الإحساس بالآخر طغت على قلب المواطن الأردني في هذا العام، مما أدى إلى تغيير بكثير من العادات الرمضانية التي كانت أساسية وثابتة.

اضافة اعلان


شعر معظم الناس أن رمضان هذا العام يختلف عن أعوامه السابقة، حيث غابت بعض المظاهر المجتمعية التي انتشرت في الفترة الأخيرة، مثل تصوير مائدة الإفطار وتوثيق اللمات والجمعات العائلية والزينة التي كانت تملأ البيوت طيلة أيام الشهر المبارك، حيث إن سمة التفكير بالغير والإحساس حاضرة في جميع تفاصيل رمضان 2024.


الحرب الدموية التي يعيشها الشعب الغزي منذ ما يقارب الـ4 أشهر عاشها الشعب الأردني بتفاصيلها الموجعة، وتبدلت أمور عدة، وألغيت الكثير من المظاهر الاحتفالية إحساسا وألما لما يحدث مع الأشقاء في القطاع.


وهذا الحال مع عائلة الحاج أبو محمد الذي استقبل رمضان وعائلته بشكل مختلف في هذا العام ليكن الدعاء لأهل غزة أول ما يفعلونه عند أذان المغرب.


ويشير أبو محمد إلى أن عائلته اعتادت على إقامة التجمعات العائلية في رمضان كما كل عام، ونشرهم لتلك الأجواء وموائد الأفطار على منصات التواصل الاجتماعي ولكنهم اختاروا ألا يشاركوها إحساسا بالألم الذي يمر به الغزييون من مشاعر الفقد والحزن واحتراما وتضامنا معهم.


بينما صفاء ( 22 عاما) تذكر أنها كانت دائما الشخص الذي يتذمر على كل طعام يقدم على مائدة الإفطار، مبينة أنها كانت متطلبة جدا، ولكنها تغيرت اليوم وأصبحت تقدر كل النعم التي توضع أمامها بعدما رأت معاناة الشعب الغزي، فهذا جعلها تدرك حجم النعم التي تعيش بها. 


وأسيل (33 عاما) كانت تتنافس في كل سنة مع جارتها من ستضع أجمل زينة لرمضان وتتفنن بها، أذ كانت إحدى العادات التي تفرح بكل تفاصيلها. ولكن لهذا العام اختارت أن تكتفي بزينة بسيطة احتراماً وإحساسا بأهلنا في غزة.


واعتاد كثيرون على تصوير الموائد الرمضانية التي تجتمع عليها العائلات وتوثيقها عبر منصات التواصل الاجتماعي، والزينة التي تملأ كل مكان، لكن هذا العام كان مختلفا بمشاعر الإحساس مع الآخر، والتخلي عن عادات فيها نوعا من الاستعراض.


وبدوره يبين الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمد الجريبيع أن شهر رمضان المبارك لهذا العام مختلف لأنه أتى بظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية صعبة وثقيلة.

 

فالمواطن الأردني يعيش في حالة من الصدمة والخذلان على ما يحدث للأهل في غزة، مؤكدا بذلك أن رمضان هذا العام مختلف وهذا نتاج لتغيرات عدة.


ويشير جريبيع إلى أن المواطن الأردني يشعر بحالة من القهر الشديد على ما يحدث في غزة، وتلك الظروف التي يعانيها الأهل هناك من سياسات التجويع والظروف الصحية الصعبة، والفقد والأوجاع التي لا تنتهي وممارسات الإبادة للعدو الصهيوني.


ويضيف جريبيع أن المواطن الأردني رغم جميع الظروف الاقتصادية السيئة يحاول أن يقدم شيئا لأهل غزة، مبينا أنه للمرة الأولى تم توظيف السوشل ميديا بشكل إيجابي، فقبل أن يحل شهر رمضان كانت المنشورات على السوشل ميديا ترتبط جميعها بما يحدث في غزة بعيدا عن تصوير الموائد واللمات العائلية احتراما لمشاعر أهل غزة.


ويقول "اليوم نحن لا نرى على السوشل ميديا ذات المظاهر التي كانت سابقا من تصوير مائدة الإفطار والسهرات الرمضانية وهذا دليل على الإحساس الكبير مع كل ما يحدث مع الشعب الغزي والتضامن معهم.


ويذكر جريبيع أن الموقف الأردني بالنسبة إلى فلسطين مختلف عن غيره من الشعوب نتيجة للاندماج الاجتماعي والتقارب الجغرافي ووحدة المصير والهدف، لذلك نكاد نكوّن الشعب الأكثر تأثرا بما يحدث في فلسطين نظرا للعلاقة الوثيقة بين الشعبين.


ويعتقد جريبيع أن أهم دافع للابتعاد عن هذه العادات هو الشعور والإحساس بأحداث غزة، موضحا أن هنالك دوافع سياسية واجتماعية وكذلك الظرف الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المجتمع والذي زاد مع أحداث غزة.


ولكن الدافع الإنساني والإحساس بالآخر هو الأهم بحسب جريبيع، موضحا أن الفرد غير قادر على أن يقدم شيئا، ولكن على الاقل يُقدِم على هكذا تصرفات ليشعر الأهالي في غزة أنه معهم ويشعر بمعاناتهم.

 

ويؤكد أن الدوافع الإنسانية أهم بكثر من الدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويقول رمضان مختلف لأنه أتى بظروف صعبة جدا على الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع.


ومن الجانب النفسي تبين الاختصاصية النفسية مجد الفاخوري أن رمضان لهذا العام أتى بطعم الإنسانية، موضحة أن ما ينشر في كل مكان عن الأوجاع التي يعانيها الغزييون غيّر كثيرا من تفكير الناس وطريقة تعاطيهم مع الأحداث.


ما يحدث في غزة، يترك في الذاكرة صورا أليمة وشعورا بالعجز والغضب، وتغيرت الاهتمامات التي كانت يوما من الأيام أساسية وبالأخص في شهر رمضان المبارك، وفق الفاخوري التي تشير إلى أن هنالك غصة مجرد التفكير ماذا سيكون على مائدة في الإفطار، فالأولويات والاهتمامات والأنماط تغيرت لأن الحدث جلل وعظيم يفوق الملذات فتصبح في آخر سلم الحاجات.


ووفق الفاخوري فإن الإحساس والوعي المجتمعي نحو الإخوة في الإنسانية والعرق والدين واللغة والموقع الجغرافي همّش في دواخلنا سلوكات استهلاكية وخاصة عندما نرى مشاهد إنزال المساعدات الغذائية على أهلنا في غزة، فقد تشكلت لدينا سلوكات امتنان ترتبط بقيمة ما نملك من مأكل وملبس ومسكن.


إلى جانب إحساسنا العميق وتعاطفنا ودعمنا لإخوتنا وما يشعرون به من جوع، فهذا أوجد نوعا من الخجل المجتمعي تمثل بانسحابنا من مشاركة صور لموائدنا على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ أيضاً: 

زينة رمضان.. ضعف الطلب يخفت أضواء الاحتفال بالشهر الفضيل

من بين الركام.. غزة تضغط على جرحها النازف وتتزين بمظاهر فرحة رمضان

المسلمون يستقبلون رمضان بفرحة ينغصها العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين