البكاء.. حاجة وضرورة إنسانية.. فهل يشي بالضعف؟

البكاء
البكاء

الابتسامة.. التمعن.. والتغير في ملامح الوجه، جميعها طرق يعبر بها الفرد عن مشاعره في مواقف عدة تستوقفه في مسيرة حياته، ولعل أعمق ما يعبر به دمعة تختصر العديد من الكلمات والعبارات أو المشاعر التي تسكن قلبه.

اضافة اعلان


البكاء هو استجابة طبيعية وصحية للعديد من المواقف التي يمر بها الإنسان في حياته، ولكن للأسف هنالك من يرى في البكاء ملامح للضعف إذا كان يشعر بضيق أو حزن، ولذلك يرفض البكاء أو الخضوع له، لأنه يعتقد أن البكاء تعبير عن الضعف والانكسار، بينما في الحقيقة هو حاجة للإنسان.


والبكاء ظاهرة ينفرد بها البشر، وهو استجابة طبيعية لمجموعة من المشاعر، من الحزن العميق إلى السعادة المفرطة والفرح، فالبكاء صمام أمان لتوازن الصحة النفسية، فنحن نبكي عندما نشعر بالسعادة أو الحزن أو الغضب أو حتى الإحباط.


وهذا حال رانيا (33 عاما) التي تؤكد أن راحة كبيرة تغمرها بعد أن تفرغ ما تشعر به بالبكاء، وبين الفرح والحزن والغضب وحتى الضيق الذي تشعر به، تقف الكلمات عاجزة أمام التعبير، فتجد في البكاء راحتها، بحسب قولها.


وتشير رانيا إلى أنها تؤمن بأن البكاء هو حاجة مهمة للإنسان، بل وضرورة للاستمرارية في عيش حياة سعيدة، بحسب قولها، مبينة أن الإنسان يخرج الطاقة السلبية التي في داخله من خلاله، كما يفرغ من جسده كل ما يسبب له الألم والضيق.


ووفقا لتقرير في "هيلث لاين" (healthline)، فإن البكاء يطلق الأوكسيتوسين والإندورفين، وهما من المواد الكيميائية التي تساعد في تخفيف الآلام الجسدية، وبمجرد إطلاق الإندورفين يدخل جسم الإنسان إلى حد ما في مرحلة التخدير، ويمنحه الأوكسيتوسين شعورا بالهدوء أو الرفاهية.


أما الشاب طارق، فيعترف أنه في السابق، كان يختار ألا يبكي بل يستبدله بالصراخ والغضب، معتقدا أن البكاء يعبر عن ضعف في شخصيته، لهذا كان يرفض أن يظهر بمظهر الشخص الضعيف أمام نفسه والآخرين.


ولكن، مع الأيام، تغيرت وتبدلت هذه النظرة لدى طارق، موضحا أنه بعد تعرضه لمواقف عديدة وتخبطات في حياته لم يستطع أن يعبر عن ضيقه في وقتها إلا بالبكاء ليجد به راحة نفسية، ويصف ذلك بقوله "البكاء هو حاجة وليس ضعفا، وهذه الحاجة التي منحت لنا لنخرج الالم بدمع يشفي القلب".


ووفقا لذلك، يؤكد طارق، أن البكاء ليس له علاقة بالضعف أو الانكسار، وإنما هو وجه آخر للقوة، ولكن قليلون من يدركون ذلك، ولهذا عليهم أن يراجعوا أنفسهم، وألا يكونوا أنانيين في حق ذاتهم وأن يعلموا أن البكاء حاجة طبيعية للإنسان وعليه ألا يمنع نفسه عنه.


هذا وفي تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal)، تقول الكاتبة إليزابيث بيرنشتاين إن علماء النفس يؤكدون أن البكاء آلية مهمة للتكيف؛ إذ يسمح للأشخاص بالتعبير عن المشاعر المضطربة، فضلا عن تقليل التوتر عن طريق تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي، الذي يتحكم في قدرة الجسم على الاسترخاء، والأهم من ذلك أنه يسمح للأشخاص بالتماس الدعم العاطفي والترابط.


ومن الجانب النفسي، يبين الاختصاصي النفسي موسى مطارنة، أن البكاء ليس ضعفا، إنما هو دليل على عمق الإحساس والمشاعر عند الإنسان، موضحا أن الفرد الطبيعي هو الذي يعبر عن مشاعره ويبكي لأنه ينفعل مع الناس ويتفاعل مع المواقف المختلفة والمشكلات، وأن داخله حياة وإحساس ولهذا ينطلق ويبكي، مؤكدا بذلك أن البكاء ليس ضعفا.. بل على العكس هو قوة ودليل على الصحة النفسية والإيجابية.


ويشير مطارنة إلى أن البكاء يصفي النفس ويفرغ الطاقة السلبية التي بداخل الإنسان، مبينا أن البكاء شعور إنساني عظيم يشارك فيه الإنسان أحاسيسه مع الآخرين، وبالتالي هو سلوك طبيعي ولا يعبر عن ضعف في الشخصية.


"البكاء الطبيعي هو جزء من إنسانيتنا"، وفق مطارنة، موضحا بذلك أن الشخصية القوية هي التي تتحكم بمشاعرها، ولربما أخذنا من هذا التوصيف أن البكاء ضعف فيها، ولكن الشخصية القوية هي من توازن بين مشاعرها والبكاء، فهو جزء من المشاعر ويظهر في مواقف عدة؛ في الحزن والفرح وفي الإحباط أو حتى الغضب والقلق.


ويؤكد مطارنة، أن البكاء حاجة مهمة للتعبير عن مشاعرنا ولتفريغ انفعالاتنا الداخلية، مبينا أننا عندما يتوقف الفرد عن الانفعال يصاب بما يسمى التجمد العاطفي، وهو مرض نفسي يؤثر على علاقاته مع الآخرين، ولكن الإنسان الطبيعي هو الذي يمنح نفسه حرية البكاء والتفاعل، فالتفاعل يكون عفويا، وبذلك عند موقف حزن يبكي وعند موقف فرح يبكي وهكذا.


ويختتم مطارنة حديثه، أن البكاء حالة إنسانية جميلة نعبر بها في مواقف مختلفة عن تفاعلنا مع الناس والآخرين، كما أنها تمنح الآخرين إحساسا بمشاركتهم في فرحهم أو أحزانهم، فهو تعبير عاطفي يظهر الحب والاهتمام والمساندة النفسية، والبكاء حالة إنسانية راقية وليس ضعفا، فمن يبكي يملك قلباً وإحساساً مرهفاً ومشاعر جميلة وصحة نفسية جيدة ومتوازنة.

 

اقرأ أيضاً: 

تشعر بالراحة بعد ذرف الدموع؟ إليك فوائد البكاء