"الطوفان الرقمي" يغزو البيوت ويتحكم بالعلاقات

مجد جابر

اضافة اعلان

عمان- أظهرت نتائج مسح استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل المنازل أن 32 % من الأسر الأردنية تعتبر أن استخدام الإنترنت قد أثر بشكل سلبي على العلاقات بين أفراد الأسرة.
جاء ذلك في المسح الذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة في الربع الرابع من العام 2017، وصدرت نتائجه قبل نحو 10 أيام، إذ بين أن استخدام الإنترنت قد أثر على العلاقات بين أفراد الأسرة.
وبينت النتائج كذلك بأن حوالي 24 % من الأسر تعتقد بأن استخدام الإنترنت قد أثر إيجابياً على العلاقات بين أفراد الأسرة، و43 % منهم اعتقدوا أنه لم يؤثر لا ايجابا ولا سلبا.
ومع اختراق التكنولوجيا لأغلب البيوت في الآونة الأخيرة، وانتشار الإنترنت بالمنازل بنسبة 89 %؛ أصبح هناك تبدل كبير في سلوكيات الناس سواء على مستوى المجتمع أو حتى في نطاق الأسرة الضيقة.
ذلك الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات داخل أفراد العائلة بسبب الاستخدام الخاطئ لتلك التكنولوجيا، ما خلق حالة من الفتور والبرود داخل الأسرة.
مستشار الطب الشرعي الخبير في حقوق الإنسان ومواجهة العنف الأسري الدكتور هاني جهشان لا ينفي حقيقة أن التواصل الرقمي والإنترنت أصبح جزءا أساسيا من الحياة الاجتماعية والعائلية ينبغي قبولها ولا مجال لرفضها، أو حجبها عن افراد الأسرة وخاصة جيل الشباب.
ويبين جهشان أن التكنولوجيا الرقمية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي مثل "واتس اب" أصبحت طريقة للتواصل ما بين الآباء واولادهم بمرحلة المراهقة، مشيرا إلى أن العلاقات الأسرية السليمة والتواصل بين أفراد الأسرة يتطلب اعطاء الوقت الكافي والحقيقي لها.
غير أن واقع الحال يشير إلى فوضى وهدرا للوقت في استخدام التواصل الرقمي عبر الإنترنت من قبل جميع أفراد الأسرة واهمهم الأب والام.
وعلى سبيل المثال من غير المستغرب في الوقت الحاضر أن يجيب الأب على الرسائل الإلكترونية الخاصة بالعمل اثناء جلوسه مع أبنائه أو اثناء تناول الطعام. وأيضا مشاهدة الام تتواصل مع صديقاتها أو زميلاتها على الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي اثناء وجودها برفقة الأطفال في المنزل أو السيارة أو المتنزه.
قيام الوالدين بهذه الأنشطة، وفق جهشان، يؤدي إلى نفور الأطفال منهما ويستقطع زمنا كان من المفروض ان يكون للتواصل الطبيعي مع الأطفال، وهو بالتالي يؤدي الى نفس أسلوب الاستخدام السلبي من الأطفال، كون الوالدين هما المثل الأعلى للأطفال في الأسرة.
ويلفت جهشان إلى أن الأطفال يتعلمون مهارات التواصل الاجتماعي مع زملائهم في المدرسة أو النادي أو مع الأصدقاء، وعبر خبرات يكتسبونها من البيئة الأسرية ويتعلمونها مباشرة من قبل الوالدين، غير أن غرق أفراد الأسرة في "الطوفان الرقمي" يشكل مخاطرة كبيرة ومجازفة تؤدي لفقد الأطفال قدرتهم على التواصل الاجتماعي خارج الأسرة.
ويعاني هؤلاء الأطفال من العزلة الاجتماعية ومن فقد المقدرة على استخدام "لغة الجسد" وقراءة تعابير الوجه ويفقدون "روح المرح" والتعاطف مع الآخرين.
وقد نتج عن فوضى التواصل الرقمي عبر الإنترنت، وفق جهشان، فقدان لخصوصية مفهوم الأسرة التقليدي؛ المكون من الوالدين والأطفال الذين يسكنون منزلا وتربطهم علاقات تربوية ونمائية جسدية ونفسية سليمة.
الإدمان على الإنترنت اعترف به عالميا انه مشكلة نفسية تستدعي العلاج، ويتمثل بظهور الأعراض الانسحابية كالتوتر والقلق والخوف لدى محاولة الابتعاد عن الأجهزة الموصولة بالإترنت، وفق جهشان.
إهمال الاكتشاف المبكر لتعرض الطفل للتنمر بكافة اشكاله عبر الإنترنت يؤدي لعواقب خطيرة، كما أن الفشل بالتعامل معه يؤدي إلى خلل في العلاقات الأسرية.
وتقع هنا مسؤولية على الأهل تتمثل في ضبط وقت استخدام الأجهزة الرقمية من قبل أطفالهم، وليس أكثر من ساعتين لمن هم أكبر من عمر عامين، وتخصيص وقت للقراءة والمحادثة ولتناول الطعام بشكل جماعي.
إلى ذلك، متابعة انجاز الأبناء الأكاديمي والتواصل مع المدرسة شخصيا وليس حصر التعامل مع المدرسة بالهاتف أو البريد الإلكتروني، وانشاء علاقات طبيعية ان كان في الحي أو المدرسة أو النادي أو مع الأقارب.
وعلى الأب والأم تنظيم وقت استخدام الأجهزة الرقمية أثناء الوجود بالمنزل إن كانت المتعلقة بالعمل أو المدرسة أو الأصدقاء أو الأقارب ليكون ذلك واقعا يمتثل به الأطفال، وفق جهشان.
ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة إلى أن الاستخدام الخاطئ للإنترنت وغير المنضبط يؤثر على جميع الأفراد، مبينا أن التفاعل الاجتماعي الحقيقي يحمي العلاقات.
ويضيف مطارنة أن التكنولوجيا جعلت "التواصل يفقد روحه"، كذلك الانطوائية والاكتئاب، وهو ما أحدث شرخا في البيئة الأساسية في الأسرة وعمقها، رغم أن الأساس بأن تكون مبنية على الحب والاهتمام.
وينوه مطارنة إلى أن المجتمع أصبح قائما على العلاقات التكنولوجية، لافتاً الى أهمية إعادة النظر في طبيعة حياتنا وإعادة الدفء لها.
ويوافقه الرأي الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي الذي يعتبر أن الفهم الخاطئ لاستخدام التكنولوجيا هو السبب وراء هذه النسب، خصوصاً وان الاستخدام لم يعد محصورا على فئة معينة بل يشمل الجميع بكافة الأعمار والطبقات.
ويشير الخزاعي إلى أهمية التوعية في طريقة استخدام التكنولوجيا ومعرفة مخاطرها والتمييز بين سلبياتها وايجابيتها، حتى لا يصل الشخص لمرحلة الادمان من خلالها، والتسبب بفجوة كبيرة داخل الأسرة الواحدة.