العناد في الطفولة.. كيف يطوعه المربون لشخصية قيادية مستقبلا؟

أرشيفية
أرشيفية

تشتكي راما (27 عاما) من طفلتها الصغيرة ليان صاحبة الـ5 أعوام، التي تعاندها في كل ما تقوله، وتصف ذلك بقولها "رأسها كبير لا تسمع لأي أحد"، مشيرة الى أن التحدي وعدم الانصياع شعار طفلتها التي لم تكن تعلم كيف تتعامل معها أو تعدل من سلوكها الحدي في العناد.

اضافة اعلان


وتعترف راما أنها بالبداية كانت تعتقد أن عنادها هذا سيسبب لها مشاكل في المستقبل، إلى أن أصغت لوالدتها التي تعتقد أن وراء هذا العناد شخصية قوية وسيرافقها عندما تكبر.


وتذكر راما أن والدتها أرشدتها إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع طفلتها، بأن يصبح الحوار والإقناع بأسلوب مرن، وكيف تميز بين ما هو صحيح وخاطئ، وبالفعل بدأت بفعل ذلك لتلاحظ الفرق في تصرفات طفلتها وكيف بدأت شخصيتها تتبدل شيئا فشيئا نحو الأفضل.


وتعترف تسنيم (33 عاما) أنها لم تكن تعي كيف تتصرف مع عناد ابنها أحمد (6 أعوام)، مما زاد في تماديه وصعب الأمر عليها.


وتشير تسنيم إلى أنها كانت تعاقبه على عناده لتكسره، ولم تكن تدرك أنها بذلك فاقمت المشكلة، حسب قولها، إذ أصبح لا يقبل أن يتنازل عن رأيه وكثير الصراخ ليحقق ما يريد.


وتذكر أنها فعلا عاجزة أمام عناد طفلها، لدرجة أنها أصبحت ترضخ لجميع ما يريده فقط لإسكاته، مشيرة إلى أنها اتجهت إلى مختص سلوكي ليساعدها في تقويم سلوكه.


هناك حالات كثيرة لعناد الأطفال، في الوقت الذي تعتقد فيه الكثير من الأسر أن الطفل العنيد مشكلة كبيرة، تكمن الحقيقة في أن الشخصية القيادية تقف وراء هذا العناد، وهذه ميزة فريدة لدى الطفل تشعره بالاستقلالية والشجاعة والجرأة والقوة.


ووراء هذا العناد شخصية قوية يغفل عنها الكثيرون، وقد تقود لردود فعل عكسية، إذ لم تكن المرونة والحوار حاضرين في حياته، لتحدد الأسرة مسار هذا العناد بتوجيهه بالطريقة السليمة.


بدوره، يبين الاختصاصي التربوي الدكتور عايش نوايسة، أن العناد هو من سمات الشخصية القوية، وهذه الصفة هي من السمات التي تكاد تجتمع عليها جميع نظريات القيادة، ويقول "القائد لا يكون عنيدا، ولكن هذه الصفة مكتسبة من صفة مهمة جدا تتعلق بالثقة بالنفس".


ويوضح نوايسة أن الطفل أو الشخص العنيد ثقته بنفسه والقدرات التي يمتلكها تجعله دائما يميل إلى نوع من أنواع التمرد على الواقع الموجود فيه، والأصل في الأهل أن يوجهوا هذه الصفة بطريقة إيجابية.


ويؤكد ذلك، بقوله "العناد دلالة على شخصية قوية، لذلك الأصل أن نعلم الأبناء بطريقة الحوار تقبل الرأي والرأي الآخر"، ويعرف العنيد بأنه الإنسان الذي يتمركز خلف فكرة معينة، ويرى أنها تشكل وجهة النظر الصحيحة.


ويضيف، أنه في حال كانت هذه الصفة بطريقة سلبية يجب أن تحول إلى ناحية إيجابية عند الأطفال من خلال تعليمه الحوار بالحجة والبرهان والأدلة وتقبل الرأي والرأي الآخر، وتقبل الاختلاف واحترام وجهات نظر الآخرين والاستماع والإنصات والإصغاء، فهذه المهارات التي يجب أن يتسم بها، مشيرا إلى أنه في بعض الأحيان إذا استمر الطفل بالعناد ولم يعالج فقد يوصله إلى الغرور.


ويؤكد نوايسة، أن المرونة هي الأساس في التعامل مع الطفل، منوها إلى ضرورة ألا نشجع هذا السلوك بطريقة خاطئة بما يسمى "التهذيب السلبي"، ففي بعض الأحيان، عندما نصمت على هذا السلوك ولا نلفت نظر الطفل له ونوجهه فكأننا نعززه لديه.


ويشدد على ذلك، بقوله "يجب أن يكون الأهل مرنين مع الأطفال وقريبين منهم، وفي بعض الأحيان التدخلات يجب أن تكون حاسمة، وإذا اضطر الأمر أن يتعاونوا مع المعلم، لأن الطفل في المرحلة الأولى من حياته هو كالعجينة تشكله بالطريقة التي تريدها"، ولذلك دائما يجب أن يكون الأهل قريبين من الطفل لتهذيب السلوك.


وينوه إلى أنه يجب ألا يكون التهذيب سلبيا، ففي بعض الأحيان، إذا قام الطفل بسلوك معين، فإن بعض الأهالي  يستقبلونه بالضحك والمزاح، وهذا نوع من أنواع التعزيز، وعليهم تعديله وتوجيهه بطريقة إيجابية.


ومن جانب آخر، يلفت نوايسة، إلى أنه في المدرسة، المعلم قادر على أن يطوع هذا السلوك بطريقة تبادلية الأدوار واستراتجيات التعلم التعاوني بين الطلاب في كل مرة، أحدهم قائد، حتى تنمي السلوكيات عند الجميع، ويكون جميع الطلاب قادرين على التعبير عن ذاتهم، والتمييز بين الأمور الإيجابية والسلبية، للتنازل عن العناد إذا كان خاطئا، وعدم التمترس حول الفكرة التي يقفون خلفها.


ويشدد نوايسة على أن هذا السلوك يجب أن يعدل قبل الدخول في مرحلة المراهقة، لأنه يزيد خلالها وبشكل كبير، ولكن إذا تم معالجته مسبقا والتعامل معه بمرونة وتوجيه الطفل إلى السلوك الإيجابي وتعليمه الحوار والحوار المضاد وتقبل وجهات النظر والاختلاف فيها، ففي بعض الأحيان، من الممكن التراجع والاعتذار والتنازل عن الفكرة التى يراها صحيحة.


ومن الجانب النفسي، يبين الاختصاصي النفسي موسى مطارنة، أن العناد حيلة دفاعية يستخدمها الطفل للحصول على الأمور التي يريدها، موضحا أن الطفل في الأساس ليس لديه مفاهيم واضحة ولم يصل للنضج لإدراك ما يفعله، ولكن عندما يجد أن العناد يحقق له احتياجاته، يقوم باستخدامه لتحقيق ذاته تماما، مثل البكاء الزائد، فهذه جميعها حيل دفاعية.


ويشير مطارنة إلى أن الإهمال وتجاهلها هو الحل، بمعنى ألا تبقى خلف الطفل العنيد وتجاهله، ليفقدها كحيلة دفاعية ولا يستخدمها، لأنه وجد بأنه لا فائدة منها ولا تقدم له الحاجة التي يريدها، منوها إلى أن مواجهة الأمر بالنفور والغضب تعززها لدى الطفل، ومن الممكن أن تتحول إلى حالة من الشخصية الحدية في المستقبل.


ويؤكد، بذلك، أن العناد حيلة دفاعية يستخدمها الطفل وليست خاصية ولا صفة في شخصية الطفل، ولا يمكن قبل مرور 3 سنوات على السلوك تحديد ذلك.


ويشير مطارنة إلى أن الشخصية القوية هي التي تملك الأناقة النفسية والكاريزما، وهذه تحتاج لأن يمتلك الفرد جميع المهارات الحياتية، فالإنسان بحاجة إلى مهارات متعددة في الحياة لممارستها، حتى يكون مؤثرا وله دور اجتماعي، وتساعده على النجاح ومواجهة أي مشكلة يتعرض لها والسيطرة عليها وعلى النفس والحياة.


ووفق قوله، هذه المهارات تستخدم لإيجاد حل للمشكلات، منها المرونة والتكيف ومقاومة الغضب ومواجهته، وهذه تتم من خلال التنشئة الأسرية السليمة بأسرة هادئة ومطمئنة وإيجابية، وتعمل على حل مشكلاتها بالحوار.


ويؤكد مطارنة أن الطفل يجب ألا يرى ردات الفعل السلبية والعنف، بل أن يرى الابتسامة والمرونة والحوار والاحترام والحب بين الأب والأم والاحترام المتبادل للآخرين، وهذا يرسخ لدى الطفل مهارات وخصائص إنسانية سليمة حتى لا يكبت المشاعر السلبية، وبالتالي يصبح في المستقبل لديه سلوك سلبي وتشوهات وضعف في شخصيته.


ويشدد على أن شخصية الطفل يجب أن تنشأ في بيئة أسرية مطمئنة وهادئة تحقق الأمن النفسي والسلام الداخلي، لذلك يجب على الأهل أن يتصرفوا بحكمة ودقة أمامه حتى يلتقط صورا إيجابية تنمي لديه الروح الإيجابية وروح المحبة والتعاون والقوة، ومن خلال الحوار يتعلم مهارات التواصل، ويجب أن يملك جميع هذه المهارات ليصبح هذا الطفل قويا ولديه شخصية وكريزما عالية وقدرات نمائية.


ويؤكد مطارنة، أن الطفل في حال تصرف عائلته بشكل إيجابي سليم، فهذا يوفر له الأمن النفسي والطمأنينة والسلوك المسؤول ومتطلبات النماء الصحيحة، ويكون للطفل قدرات عالية على التصرف في جميع المواقف ويتعلم بسرعة، ويصبح ذكيا ونشيطا وحيويا وإيجابيا ويتحمل المسؤولية وقادرا على التعامل مع متطلبات الحياة بقوة ورشاقة.

 

اقرأ أيضاً: 

العناد.. كيف يسيطر الأهالي على "نزعة" الرفض والسلوك العدواني للطفل؟

طفلي عنيد.. ماذا أفعل؟