المدارس.. ربع الطلبة من ذوي الاعاقة يتعرضون للتنمر وانتهاك "صارخ" لحقوقهم

يتعرض الطلاب من ذوي الإعاقة للتنمر بمعدل 2 الى 3 أضعاف الطلاب الآخرين- (ارشيفية)
يتعرض الطلاب من ذوي الإعاقة للتنمر بمعدل 2 الى 3 أضعاف الطلاب الآخرين- (ارشيفية)

مجد جابر

عمان- يعتبر اختصاصيون أن الجهل في التعامل مع فئة ذوي الإعاقة بالمجتمع والتقصير اتجاهها، كلها أمور انعكست سلبا على جوانب عديدة من حياتهم، وتسبب بانسحابهم الاجتماعي وضعف الشخصية، وتحديدا على فئة الأطفال بالمدارس.
وبالرغم من أن جميع الأطفال معرضون لأشكال العنف المختلفة بما فيها التنمر، إلا أن الأطفال ذوي الإعاقات معرضون لعوامل خطورة مضاعفة بسبب الثقافة الاجتماعية السلبية المتعلقة بهم، و"الجهل" أحيانا بالتعامل معهم.
وكانت الأبحاث الأكاديمية العالمية أشارت إلى أن احتمال تعرض الطلاب ذوي الإعاقة للتنمر يتراوح بالمعدل من 2 الى 3 اضعاف الطلاب الآخرين، وفي بعض اشكال الإعاقة قد يصل إلى عشرة اضعاف، وأظهرت إحدى الدراسات ان 60 % من الطلاب ذوي الإعاقة تعرضوا للتنمر مقارنة مع 25 % من الطلاب الآخرين بنفس البيئة المدرسية.
الخبير في مواجهة العنف وحقوق الإنسان الدكتور هاني جهشان يبين أن الأطفال الذين يعانون من إعاقات حركية أو حسية أو نفسية أو عقلية، هم من أكثر الأطفال المهمشين في العالم، إذ تلتصق بهم وصمة اجتماعية تنعكس سلبا على كافة مناحي حياتهم.
ويقول جهشان لـ "الغد" إن نقص الدعم الاجتماعي للأطفال ذوي الإعاقة، ومحدودية فرص التعليم والمشاركة في المجتمع المحلي، تساهم في عزلهم وعزل عائلاتهم عن الانخراط بالحياة الاجتماعية، وبالتالي معاناتهم مزيدا من العنف والكرب والإجهاد والمشقة، لافتا إلى أن هؤلاء الصغار كثيرا ما يستهدفون بالعنف لكونهم غير قادرين على حماية أنفسهم أو التواصل والكلام مع الآخرين.
والتنمر علاقة سلبية يستخدم بها طفل أو أكثر سلوكا عدوانيا بشكل متكرر للسيطرة والتحكم أو ازعاج أو اضرار بطفل آخر ضعيف بسبب حالته الجسدية أو العقلية أو الاجتماعية.
على الرغم من أن هناك نسبة ضئيلة من الطلاب ذوي الإعاقة يندمجون في الدراسة بشكل كامل، إلا انه وللأسف نسبة كبيرة منهم لا يلتحقون بالدراسة مطلقا بسبب الإعاقة ذاتها، تن كان لطبيعتها أو لشدتها أو لغياب البرامج الوطنية لدمجهم بالدراسة وهذا بمثابة انتهاك صارخ لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ولحق الطفل بالتعليم.
بعض الأطفال الذين يعانون من اعاقات خفيفة قد لا يتم تشخيصها أو حتى ملاحظتها الا بعد الالتحاق بالدراسة وهذا يشكل انتهاكا لحق الطفل بالصحة وحقه بالتعليم وحقه بالحماية من العنف والتنمر.
وتؤكد أخصائية الاحتياجات الخاصة والعلاج السلوكي أمل الكردي لـ "الغد" أهمية مراعاة أصول وقواعد دمج ذوي الإعاقة مع الأطفال العاديين بالمدارس، وأن نكون هناك تهيئة للطلبة العاديين والكادر التدريسي والأهل قبل عملية الدمج حتى يكون الطالب العادي قادرا على استيعاب وادراك طبيعة المشكلة التي يعاني منها ذوي الإعاقة فيكون داعما له ومتفاعلا ايجاباً ومتقبلا وجود هذه الفئة، ما يقلل من نسبة التنمر.
ووفق الكردي، فإن ظاهرة التنمر تشكل خطورة على الأطفال العاديين بشكل عام وذوي الإعاقة بشكل خاص لانهم أشخاص حساسين بطبعهم ويعانون من صعوبات معينة يجاهدون للتخلص منها، فيأتي التنمر ويجعلهم أكثر تعاسة وربما يولد لديهم اضطرابات نفسية هم بغنى عنها، مثل الانسحاب الاجتماعي وضعف الشخصية وغيرها من المشاكل المزعجة.
وتلفت الكردي إلى أهمية أن يكون الطفل من ذوي الإعاقة متهيئا للدمج حتى لا يتضرر ولا يضر من حوله ولا يشعر بأنه أقل من غيره، كذلك معرفة ما إذا كان هذا الطالب قادرا على التعاطي مع الطلاب اجتماعيا وان تكون قدراته موازية لعملية الدمج.
ويعود جهشان ليؤكد أن الثقافة السلبية السائدة في المجتمع، انتقلت من الأهالي لأطفالهم، وتولدت النظرة الدونية من قبل هؤلاء الطلاب لزملائهم ذوي الإعاقة ويدفعهم لاقتراف التنمر، لافتا إلى غياب الوعي العام للأهالي حول أنواع الإعاقات والاضطرابات التي قد يعاني منها الطلاب وضعف المهارات المهنية لدى المعلمين ومقدمي الخدمات المساندة في القطاع التعليمي لاكتشاف حالات الإعاقة، وفر ظروفا تصاعدت بها ظاهرة التنمر.
ويبين جهشان أن هنالك غيابا وضعفا في برامج ادماج الطلاب ذوي الإعاقة بالمدارس العادية على المستوى الوطني، فمثل هذه البرامج يتوقع ان تصمم وتنفذ وترصد وتقيم من قبل خبراء بشكل مستدام، ومن خلال هكذا برامج يتوقع ان يكون المسار يتعلق بحماية الأطفال ذوي الإعاقة من العنف والتنمر، وهذه البرامج للأسف غير موجودة بشكل مهني لائق بالأردن.
ولا بد من توعية وتدريب الأهالي على الأعراض التي قد يعاني منها الطفل ذو الإعاقة المتعرض للتنمر بهدف الكشف المبكر، وتعريفهم بآليات التبليغ (إن وجدت ويفترض انها موجودة) لإدارة المدرسة ومديرية التربية أو وزارة التربية والتعليم للحد من تكرار التنمر وعقاب المعتدي والوقاية من الظاهرة في المدرسة.
ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن الدمج في المدارس يكون لمن اعاقتهم تندرج تحت المتوسطة وليست كبيرة، بالتالي فان هؤلاء يكونون أقرب للأشخاص الأسوياء.
والأصل، وفق مطارنة، ان تجد المدرسة بيئة محفزة واجواء ايجابية عند الطلاب العاديين للتعامل مع ذوي الاعاقة، مبيناً أن غياب ذلك وعدم توفر اجواء مريحة يخلق اجواء سلبية، وهو ما ينعكس على الشخص من ذوي الإعاقة وشعوره بالنقص والقهر على نفسه والعجز.
ويبين مطارنة ان الأصل هو تحفيزهم في المدارس وايجاد صيغة تعامل بينهم وبين أقرانهم، وتعديل السلوك من خلال المختصين في المدرسة، مبينا أنه لا بد من مراعاة حقوق الطالب من ذوي الإعاقة والتعامل معه بايجابية وخلق بيئة محفزة له، كذلك وضع برامج سلوكية وتوعوية كافية للتعامل مع دمجه بشكل كاف في المجتمع.
ومواجهة التنمر، وفق جهشان ليست محصورة بالمعلمين او الأهالي، فهناك دور مهم وأساسي للإرشاد النفسي والاجتماعي وأيضا دور للصحة المدرسية، وان تقوم الوزارة بتنفيذ برنامج وطني للوقاية من التنمر، وورشات تدريب للمعلمين والمهنيين في الإرشاد النفسي الاجتماعي والصحة المدرسية على المعارف الخاصة بالتنمر وعلى مهارات التعامل مع حالات والعلاج والوقاية بما فيه التعامل المتخصص بحالات التنمر ضد الطلاب ذوي الإعاقة.
الى ذلك، ينبغي على الحكومة الالتزام بالاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتنفيذ الإجراءات الإدارية التي تضمن حقهم بالصحة والتعليم والحماية من العنف والإهمال إن كان في المنزل أو المدارس أو في الأماكن العامة، وإجراءات ملائمة للقضاء على كافة أشكال العنف والإهمال والتمييز ضد ذوي الإعاقة.
ويؤكد جهشان على أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا مجرد حالة مرضية تستدعي العطف والرعاية الصحية والاجتماعية، وليسوا مجرد مواضيع للدراسة والأبحاث هم بشر يستحقون أن يتمتعوا بكامل حقوق الإنسان.

اضافة اعلان