ريشة الدويك توثق جماليات العمارة المقدسية والبيوت والأسوار

1713878550256378100
الفنان التشكيلي ياسر الدويك-(من المصدر)

يشكل الفنان التشكيلي الأكاديمي ياسر ياسين الدويك، ظاهرة ذات قيمة إبداعية في عالم الفن التشكيلي بشتى أنواعه وأساليبه، ذلك من خلال عمله البصري للتعبير عن مهاراته الفنية التي لاقت الاحترام والتقدير من قبل المهتمين بالحركة التشكيلية على مستوى الوطن العربي، كونه يعتمد على الجمال التعبيري الذي يعتبر حافزا للإثارة والإبداع.

اضافة اعلان


ويمتلك الدويك شهادة إبداعية، تبرز خبرته في الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والجرافيك، من خلال مشاركته في العديد من المعارض الفنية داخل الأردن وخارجه، حيث أقام 13 معرضا فرديا، وحاز العديد من الجوائز التي أهلته للانطلاق عبر نافذته للحصول على إعجاب وثناء المهتمين بشؤون الحركة التشكيلية الأردنية، والذي يعد أحد روادها ومن مؤسسي رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين التي تأسست العام 1977، لتكون المؤسسة الأولى المتخصصة في الفنون التشكيلية والممثل الرئيسي للحركة التشكيلية في الأردن.


ويتتبع الدويك أسلوبه لإخضاع اللوحة حسب رؤيته وتصوره الداخلي المنبثق عن خياله الواسع ورغبته الحقيقية في الاختلاف والتنوع، مع تأكيد وصول المضمون للمتلقي بسلاسة ويسر من دون تعقيد، وذلك هو أساس الإلهام واستقرار الفهم عند المتفرج لوجهة نظره الفنية، وبخاصة أنه يرسم بأساليب مدارس الفن التشكيلي ومنها فن الطباعة الحديثة "الغرافيك"، مع اختلاف الخامات والتقنيات المتنوعة من أجل تجسيد الصورة الشخصية للعمل الذي تظهر فيه ملامحه والتعبير عن الشعور الذي تتميز به جل لوحاته وأعماله الفنية، بقدرة فائقة على تجسيد المواضيع المختلفة.


والدويك مستمر بتجديد العطاء الفني، وبخاصة عندما يكون خارج نطاق الوقت، يعيش حالة من التأمل الخيالي الممتع منغمس في ابتهاج العزف على الألوان في بوتقة الشغف التشكيلي، حيث يكون سخاؤه الفني رائعاً في سحره ومميزا بتقديم المواضيع والتكوين اللوني في إطار اللوحة وجمالياتها ومحتواها، حيث استطاع بعد تجربة تراكمية أن يصل إلى الإبداع في تقديم رؤية متناغمة في تجسيد مواضيعه بأسلوب متزن يوحي بحرية الحركة التي تنسجم مع أسلوب المدارس التشكيلية ودرجات الألوان من منظور المساحات، التي ترتمي في الروح الحالمة نحو وقع يراه جميلا.


وعندما يقترب المشاهد وينظر إلى لوحات الدويك الموزعة على جدران مرسومة بتأن وتركيز، يشعر بانتعاش يتدفق وهالة تحيطه بالفرح والسرور، وتعطي قيمة للحياة والروح بتآلف إنساني يتضمن الإيقاع التشكيلي الذي ينبعث من عمق الهوية البشرية والتناغم بين عناصر اللوحة، بشكل يجعل النظر بشغف وحيوية للتمعن بجماليات وأناقة العمل الفني الراقي، حيث يحتوي المرسم الذي تنقل معه عبر مسيرته الطويلة التي بلغت نحو أكثر من نصف قرن على أعمال كثيرة، منها العديد من اللوحات المكتملة وغير المكتملة التي تحاكي العديد من المواضيع المتعلقة بالطبيعة والبيئة، والمجتمع والقضية الفلسطينية وحنينه إلى القدس.


يجسد الدويك شخصية المرأة برموز عدة، في رسوماته، إضافة إلى الرجل والطفل والمكان وأهميته، لأنه اعتاد أن ينتقل من مرحلة إلى أخرى في الفن التشكيلي، حتى أنه استطاع أن يتنوع بأعماله الفنية، ما أدى إلى الإثراء في مواضيعه التي تبناها، وبهذه التجربة النادرة استطاع بكل جهد وإبداع تركيب التقنيات في اللوحة الواحدة ليعبر ويمضي عبر عشرات السنين من دون تردد وبكل ثقة بعشقه للرسم الذي بدأه وهو في الثالث عشر من عمره، وفي لحظات يشعر أن شيئاً يرغمه بإلحاح على إفراغ الفكرة التي راودته، ليشكل عبر الألوان لوحة فنية قل نظيرها. 


ويؤكد الدويك، أن العمل الفني الحقيقي يتطلب التجول داخله والتفكير فيه والتفاعل مع مقاصده، على هذا الأساس لا يمكن للفعل الإبداعي أن يمارس بذهنية منتج الصور التزويقية، وكذلك بذهنية الحرفي الناسخ الذي يعيد نفسه دوماً، فما قيمة التجربة الفنية، إن لم تسهم في بناء معجم تشكيلي جديد والتفكير في أدوات جديدة لتقديم مشاريع فنية أو منجزات جمالية، تواكب جميع التحولات وتستلهم منها، وتتأثر وتؤثر بها.


وتتميز أعمال الدويك التي تنوعت بين الرسم والحفر، بتوثيقها مشاهد بانورامية للمدينة، حيث يظهر جمال العمارة المقدسية والبيوت والأسوار وتجاورها مع الأشجار والخضرة والماء، وقد نفذها الفنان باستخدام ألوان هادئة تمنح كل تفصيلة من اللوحة خصوصيتها؛ حيث الأزرق بدرجاته للسماء، والبني للأبنية، والأخضر لمحيط المكان.


ويرى الدويك الحاصل على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من أكاديمية الفنون/ جامعة بغداد، ودبلوم من كلية برايتون بريطانيا في فن "الجرافيك"، أنه ثمة ارتباط واضح بين الوعي والغريزة اللذان يرجع إليهما العمل  الفني لدوافع مختلفة، وتكون محط نقاشات وتفسيرات بين المهتمين بالفن التشكيلي، فهناك اعتقاد فحواه، أن إنتاج الفنان الحقيقي يرتكز على ما يدور من أفكار في مخيلته، طالما ظل قابعاً في أتون الثقافة العميقة التي مهما تغيرت مواضيعها، شكلاً وليس مضموناً، ظل عطاءه الفني مرتكزًا على البعد الفكري الذي تأسس في وقت مبكر، ويدفعه نحو أهمية اختيار المواضيع الإنسانية وفق يقظة الضمير والشعور الواعي بالكرامة والحقوق العادلة، فهو صوت الناس الذي يدافع عن القضايا الأساسية للمجتمع عبر العمل الفني.


وأثناء مسيرته الأكاديمية، قدم الدويك خلاصة تجربته الفنية لطلاب كلية الفنون الجميلة في الجامعة الأردنية والمعاهد الأردنية في فن الجرافيك، موضحاً أن للفن الجرافيكي خصوصيته وموقعه في الفنون الجميلة، وأنه فن له دلالاته من خلال، الحفر والطباعة وله أيضاً تشعبات عديدة وتقنيات متنوعة، وهو من الفنون التي اتسع نطاقها في القرن التاسع عشر، والذي بات يعرف بفن الانتشار السريع.


واختتم الدويك الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية 1978 في الفن التشكيلي، حديثه عن كتابه (كلما جفت الألوان)، والذي يسرد فيه مسيرته الطويلة مع الفن التشكيلي، ويعبر عن طبيعة الاتجاه العملي في فن الرسم والتصوير والجرافيك، مشيراً إلى أن التصوير الزيتي يحتاج إلى وقت كاف للجفاف، وكذلك فن الجرافيك الذي يعتمد على استخدام طبقات لونية عدة.


ويضيف، أن كتابه يضيء على لحظات مسروقة، وفق ما أكده "كنت أختلسها من سياق حياتي المهنية والاجتماعية كي أنفرد بلوحاتي، كما أنه يجسد رحلة الفن بين العالمين العربي والغربي، وما تتضمنه هذه الرحلة من مفارقات حضارية وفنية وفكرية".