في اليوم العالمي للتسامح.. دعوة لتقبل الثقافات وطي صفحات الخصام

_
_

تغريد السعايدة

عمان- احتضن اليوم العالمي للتسامح، الذي صادف أمس، العديد من الدعوات الرسمية والأهلية العالمية لنشر ثقافة التسامح التي تدعو للمحبة والصفاء، وأن يكون الإنسان "مرنا" في العفو عند المقدرة؛ حيث يعد هذا اليوم رمزياً للتعبير عن مدى أهمية هذه الصفة الإنسانية، التي بات العالم أجمع بحاجة إليها، فهي ترفع من "منسوب المحبة والإنسانية والتكافل في ظل تبعات كورونا الصحية والاقتصادية".اضافة اعلان
ويعد السادس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام دعوة لطي صفحات الخصام والمشاحنات، وأقرته الأمم المتحدة كونه مناسبة تتعلق بالشعوب، منذ العام 1996، كما جاء في تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تلتزم فيه بالدعوة إلى التسامح وتعزيز التفاهم بين الثقافات والشعوب، ونبذ كل مظاهر التعصب والكراهية والتمييز، فهو يوم لاحترام ثقافات ومعتقدات وتقاليد الآخرين وفهم المخاطر التي يشكلها التعصب.
وفي تأكيدها حرصها على ترسيخ تلك القيمة، فقد خُصصت جائزة اليونسكو "مادانجيت سنغ" لتعزيز التسامح واللاعنف منذ العام 1995 بمناسبة الاحتفال بعام الأمم المتحدة للتسامح وبذكرى مرور مائة وخمسة وعشرين عاماً على ميلاد المهاتما غاندي، ويتم منح الجائزة كل عامين خلال احتفال رسمي بمناسبة اليوم الدولي للتسامح، لأشخاص أو مؤسسات أو منظمات لها دور في تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف.
وعلى صعيد متصل، فإن قيمة التسامح كانت وما تزال سمة ترتبط بالأفراد الذين يتمتعون بالقوة في تجاوز أخطاء الآخرين، ومبادلتهم التسامح، التي يتبعها الحب والإنسانية، التي ترى فيها الموظفة زهور نصير "أن هذه الصفة لها آثارها الإيجابية على النفس أكثر مما قد يجنبه الإنسان من البغضاء والقطيعة بين الناس، خاصة وإن كان التسامح موجها لأحد أفراد العائلة المقربين الذين هم جزء من حياتنا".
وتقول زهور، إنها للمرة الأولى تعلم عن وجود يوم احتفالي خاص بالتسامح، وترى أنه فرصة جميلة للتذكير بتلك القيمة الإنسانية الرائعة التي تحمل في طياتها رسالة محبة ومودة للجميع، فمن منا لا يخطئ، ويحتاج إلى مسامحة الآخرين، والأجمل أن نتمتع نحن بهذه الصفة الجميلة، ونسامح الآخرين بإرادتنا، وتضيف "نحن بشر خطاؤون ونحتاج إلى تمرير رسائل المحبة بيننا عند الخطأ بالتسامح والعفو".
"ما أحوجنا إلى التسامح ونحن نعيش في ظل هذه الظروف"، يقول الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الذي يرى أن الإنسان بحاجة إلى التسامح والسماحة، العالم ككل بحاجة إلى التسامح الدولي والبشري، كل فرد فينا تجمعه علاقات بين المحيطين، هو بحاجة إلى هذه القيمة الإنسانية العظيمة التي تدل على الشجاعة والقوة.
ويضيف مطارنة أن الإنسان المتسامح هو شخص يبث الإيجابية والطمأنينة والأمن المجتمعي في محيطه، وهو شخص متوازن نفسيا وصادق، فكل فرد فينا معرض للخطأ "نحن بشر ونخطئ، ولا بد أن نكون متسامحين مع بعضنا بعضا، ونقدم حُسن النوايا دائماً نبحث عن الخير والفضيلة، ونبتعد عن الشر والرذيلة، فمصطلح الإنسان جاء من الإنس، وهو أمر يتطلب منا أن نكون متقبلين لبعضنا بعضا ومتجاوزين عن الأخطاء".
ومن جهتها، تتفق الخبيرة التربوية انتصار أبوشريعة مع مطارنة، بأن التسامح وقبول الآخر من القيم الإنسانية النبيلة التي دعت إليها مختلف الديانات السماوية، ليكون دعامة رئيسية يستند إليها المجتمع لضمان استقراره خاصة إذا تنوعت الأطياف فيه، ومن هنا نجد أن جميع مؤسسات المجتمع بدءا بالأسرة تتحمل مسؤولية غرس هذا الخلق العظيم وتعزيزه لتنشئة جيل صالح ينبذ العنف ويقبل الاختلاف في الرأي. وتضيف أبوشريعة "أن أحد أسباب انتشار الإرهاب والعنف في بعض المجتمعات يعود إلى نشر ثقافة الكراهية، وانحسار ثقافة التسامح وقبول الآخر، فالاختلاف طبيعة البشر التي فطر الله الإنسان عليها، لذا على أولياء الأمور والمدرسة أن يعرفا جيدا كيف ينشأ طفل متسامح، وذلك من خلال التمثل بالقدوة أولا ثم بغرس التسامح والحب في الأطفال منذ الطفولة، وفي مراحل النمو المختلفة، يجب أن يرى الطفل قيمة المحبة والتصالح في المنزل بين أبويه وبعدهم عن الاختلاف أو التصادم أمام الأبناء وتقديم الدلائل والبراهين على اختلاف وجهات النظر دون أن يؤثر ذلك على العلاقة الشخصية".
منشورات متواضعة تبادل فيها نشطاء التواصل الاجتماعي الحديث عن اليوم العالمي للتسامح، كونه لا يوجد له الكثير من المروجين على الرغم من أهميته في ظل هذه الظروف؛ إذ عبرت شيماء نور عن سعادتها بمعرفتها بوجود مثل هذا اليوم، كونها تعيش كما باقي العالم في أجواء متوترة مع "كورونا"، كما تصفها، وتقول "نحن فعلياً بحاجة إلى التسامح الذي ينشر المحبة ويخفف آلام الناس في العالم".
ووفق مطارنة، فإن المحبة والتسامح حالة إنسانية عظيمة إذا وجدت في المجتمع؛ إذ سيكون هناك مجتمع مطمئن ومترابط بقوة وبتكاتف، والتسامح هو العلامة الرئيسية التي تندرج تحتها الكثير من الفضائل والخصال التي تسهم في رفعة المجتمع وبناء مجتمع سليم متكاتف، والشخص المتسامح سيكبر في نظر الآخرين وأمام نفسه ويُلزم المجتمع على احترامه، وهذا يدعونا إلى الترويج أكثر لهذا اليوم، وتعريف الناس بأهمية صفة التسامح.
وتؤكد أبوشريعة أنه من المهم جدا أن نعلم الأطفال التعبير عن الاختلاف في الرأي بالتحضر والرقي والود والاحترام، دون اللجوء إلى الشتائم أو الصدام أو الصراخ وعلو الصوت، وإذا ما قدر للأبوين الانفصال لا سمح الله، فلا بد أن يتم ذلك دون هدم قيم الاحترام بين الطرفين، وأن تستمر علاقة التفاهم والتعامل بينهما بود واحترام، من أجل رعاية الأبناء دون إحداث أضرار نفسية عميقة، قد تترك آثارا مستقبلية مدمرة على حياتهم.
ومن صور غرس التسامح في الأسرة أيضا، بحسب أبوشريعة؛ البعد عن التمييز بين الجنسين في التربية والحقوق، مؤكدة دور المؤسسات التعليمية في تمثل القدوة من قبل المعلم، وبث القيم الأخلاقية الرفيعة بين الطلبة، إلى جانب إكسابهم المعارف المختلفة المتعلقة بهذه القيم، عن طريق التعامل الصحيح معهم وربط هذه المعارف بالواقع، وتمثيلها من خلال العلاقات بين الزملاء وعدم التفريق فيما بينهم، خاصة إذا كان هناك تعدد أديان أو جنسيات أو ألوان أو تنوع طبقي يتعلق بالوضع الاجتماعي أو المادي للطلاب في المدرسة، واعتماد اجتهاد الطالب وتحليه بالأخلاق الحميدة معيار التفاضل فيما بينهم.
وتؤكد أبوشريعة ضرورة التركيز على الجانب القيمي سواء من خلال الحصص الصفية أو الأنشطة وإقامة المسابقات الداعمة التي تعزز التزام الطلبة بهذه القيم، ولا بد أيضا من استثمار مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات المدارس الرسمية لنشر هذه القيم، خاصة بعد أن تحول التعليم عن بعد نتيجة جائحة "كورونا"، فتعذرت إقامة الأنشطة أو المحاضرات الوجاهية، وذلك من خلال عقد لقاءات مع الطلبة عبر التقنيات التعليمية الحديثة وطرح المواضيع المتعلقة بهذه القيم وآثارها على المجتمع أفرادا وجماعات واستضافة رجال الدين أو خبراء متخصصين وفتح باب الحوار وتبادل الآراء، تبقى هذه المهمة مهمة تشاركية بين الجميع لضمان جيل متسامح واع ومنتم ويمتلك حس المسؤولية تجاه نفسه وأسرته مجتمعه ووطنه.