مكرم الطراونة يكتب: "الضحك على الناس في زمن الإفلاس"

مكرم أحمد الطراونة
مكرم أحمد الطراونة

عشت أمس كوميديا جميلة، وأنا أطالع ما أوردته صحيفة "جورسالم بوست" الصهيونية، حول دور الاحتلال في عمليات الإنزال الأخيرة للمساعدات جوا فوق غزة، عبر الأردن، بمشاركة عربية.

اضافة اعلان

 

الصحيفة زعمت "أن هذه المساعدات تأتي" كجزء من جهد التنسيق المشترك بين إسرائيل والأردن ومصر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة بإسقاط إمدادات مختلفة من الجو على سكان غزة".

 


دولة القتل والإجرام ومرتبكة الإبادة الجماعية بحق الأشقاء في قطاع غزة، تحاول أن تسوق نفسها اليوم على أنها إنسانية من خلال مد يد المساعدة عبر الفضاء، وهو الفضاء ذاته الذي تلقي عبره مئات الأطنان من الصواريخ والمتفجرات التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد فلسطيني، خلال نحو 150 يوما.

 


تصريح يدلل بالتأكيد على أزمة عميقة يعيشها الكيان المجرم، والذي يريد أن يتعلق بأي أكذوبة لكي يخفف من صورته أمام العالم، والتي باتت مثار سخرية، خصوصا حين يتصدى موقع أكسيوس لنقل معلومات عن 4 مسؤولين أميركيين، تقول إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدرس إسقاط مساعدات جوا على غزة مع تزايد صعوبة توصيل المساعدات برا، مرجعين ذلك إلى تباطؤ دخول المساعدات إلى غزة بسبب القيود الإسرائيلية، واستهداف موظفي الإغاثة وأفراد الشرطة المرافقين لقوافل المساعدات.

 


الموقع، نقل تأكيد المسؤولين الأميركيين، بإن واشنطن غير قادرة على إيصال المساعدات الكافية عبر الشاحنات، لذلك هنالك حاجة إلى وسائل أخرى مثل الإنزالات الجوية، وهي الفكرة التي قال المسؤولون الأميركيون، بحسب الموقع، أنها تأتي بعد قيام الأردن بعدة جولات من الإنزالات.

 


المتابع لما يجري، لا يحتاج ردا أردنيا؛ رسميا أو شعبيا، على ادعاءات الصحيفة الإسرائيلية، حين يرى أكبر دولة داعمة للاحتلال تنفي أي دور للصهاينة في هذه الإنزالات. لكن المهرجين يصرون دائما على إضحاك العالم عليهم حين يؤدون دورهم باحتراف، أما الصهاينة فهم يقوم بالدور بطريقة هزيلة وسخيفة، ما يجلب عليهم السخرية المريرة.


كمتابع من قرب لعمليات الإنزال الجوي الأردنية لإيصال المساعدات للأشقاء في غزة، فإن التنسيق على تلك العمليات مع الطرف الإسرائيلي تتطلب الدخول في مفاوضات حول تفاصيل كثيرة ومتشعبة. لقد كان الصهاينة يحاولون على الدوام إعاقة الإنزالات الجوية بذرائع مختلفة، ما قاد الأردن لتكثيف اتصالاته في هذا السياق، للوصول لتأمين تلك الإنزالات.

 


لا يستطيع أحد الادعاء إن الأردن زعم ولو لمرة واحدة أنه أدخل المساعدات عنوة، فمغادرة الطائرات من الأجواء الأردنية وعبورها فوق أي أجواء في العالم تحتاج إلى موافقات، فكيف إذا كانت في مناطق صراع. لكن الحصول على موافقات لا يعني التوسل في الطلب، فالأردن دولة لها مكانتها واحترامها دولياً وتستخدم كل الوسائل لإيصال الدعم للأشقاء الفلسطينيين، فلا يمكن لأي عاقل أن يستخف ويستسهل عملية تحليق الطائرات فوق منطقة صراع، والتي تعتبر ذات خطورة عالية.


ما يضحك حقا، أن الإعلام العبري وبعض الساسة يعتقدون أن إفساد الإنجاز بالإنزال الجوي يكون بحشر أنفهم في تلك العمليات، والادعاء بوجود تعاون من قبلهم، لكي ترفض الشعوب العربية هذه الإنزالات، وهذا "حلم إبليس في الجنة"، فالشعوب العربية تعلم جيدا حقيقة الشيطان الإسرائيلي، وتقرأ التاريخ السياسي والديني لهذا الشيطان منذ عهود الأنبياء وحتى يومنا هذا.


بالعقل أقول، طالما أن الإسرائيليين يدعون بوجود تعاون، فالأولى بهم أن يوسعوا إطار هذا التعاون ليشمل فتح المعابر البرية أو السماح بعبور المساعدات من خلال معابر المنطار، إيريز، العودة، الشجاعية، كرم أبو سالم، القرارة، رفح، ولا ضير حينها من إعلان إسرائيل أنها تتعاون لإيصال المساعدات.


لكن، وبقدر ما أعرف، فإن ما نجاح الأردن بالإنزالات جاء نتيجة حراك وضغط سياسي ودبلوماسي وأمني أردني، فالأردن يستفيد من ثقة المجتمع الدولي به وعلاقاته مع العواصم المؤثرة والاتفاقيات الدولية لمد المستشفيات الأردنية بالمواد اللازمة، ولإدخال المساعدات، ومنها وسيلة الإنزالات الجوية.


باختصار، لن تنج دولة الاحتلال في تشويه صورة الأردن، الذي ليس بوارده أبدا الدخول في مناكفة مع أي طرف، لأن هدفه الأول والأخير ليس استعراض القوة والدعاية، بل الوصول إلى الغاية المنشودة وهي وصول المساعدات لأهالي غزة من دون ضجيج إعلامي أو البحث عن استفزاز أحد. هل تستوعب دولة الاحتلال ذل؟ بكل تأكيد لن تفعل، فالمرض استوطن جسدها، والتخبط الواضح على إدارتها لملف العدوان على غزة كفيل لأن يجعلها تعيش وهم جميعنا يعلم حقيقته جيدا.


وإلى حين تطور تفكيرها السطحي، فلا بأس أن تخرج علينا دولة الاحتلال بين الحين والآخر ببعض التسلية التي لا شك ستضحكنا كثيرا على سخافتها وقلة حيلتها في زمن الإفلاس.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا