الروح المعنوية للأمة

د. أحمد ياسين القرالة

للروح المعنوية أهمية كبيرة وأثر بالغ في انتصار الأمم وصمودها وتحقيق أهدافها وبلوغ مقاصدها؛ لذلك تسعى الجيوش في الدول كلها إلى بناء الروح المعنوية لمقاتليها، وإشاعة روح الأمل في نفوسهم وتدعيم ثقتهم بطاقاتهم وقدراتهم، وتتصدى للحرب النفسية التي يشنها العدو وتكافح إشاعاته المضللة، وتخوض معه في الوقت ذاته حربا نفسية بهدف تحطيم قدراته المعنوية وتدمير روحه القتالية وشل عزيمته النفسية، فالأمم والجيوش تهزم نفسيا وروحيا قبل أن تهزم ماديا وعسكريا.
لأجل ذلك اهتم الإسلام بالروح المعنوية للأمة واعتبرها عنصر تفوقها ومصدر ثباتها وعامل انتصارها، فقال تعالى:" كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ " فالقوة المادية التي لا تستند إلى قوة نفسية وروح معنوية عالية وثقة مطلقة مآلها الهزيمة والانكسار.
ولبناء الروح المعنوية أمر القرآن الكريم بإعداد القوة وفي مقدمتها القوة المعنوية والنفسية، فقال تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" وقد جعلت الآية الكريمة الغاية من إعداد القوة هزيمة العدو نفسياً ومعنوياً، وهذه وسيلة مهمة للوقاية من شرور الحرب وطغيان القوة، فهي الحرب الباردة التي تمنع العدو من المبادرة للحرب والاعتماد عليها في فض النزاعات وحسم الخلافات.
وقد حذر القرآن الكريم من اليأس والإحباط واعتبره عدوا للإيمان ونقيضا له، فقال تعالى:" وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، ونهى عن تداول كل ما يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية للأمة وتوهين عزيمتها، فطالب بالتصدي للإشاعة والوقاية منها؛ بالامتناع عن قبول وإذاعة كل معلومة غير موثوقة المصدر، ومن الطبيعي أن لا يكون العدو موثوقاً، فقال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " وعمل على تحصين المجتمع المسلم من أن يكون ساحة للحرب النفسية.
كان المنافقون في تاريخنا الإسلامي أو من يسمون بالطابور الخامس هم من يتولون ترويج الإشاعات بهدف إضعاف الأمة وتحطيم روحها المعنوية، ولكن الوعي العام الذي كان يتحلى به المجتمع الإسلامي كان يقف سدا منيعا وجدارا صلبا أمام مقاصدهم وغاياتهم، فتصدى لإشاعاتهم وأبطل مفعولها، وعاملها بنقيض مقصودها، قال تعالى:"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".
ونحن في هذه الأيام نتعرض لحرب معنوية هائلة تسعى لتحطيم روحنا المعنوية وإفقادنا ثقتنا بأنفسنا تستغل كل حدث أو واقعة لبث المزيد من اليأس والقنوط؛ لتحقيق مكاسب وتمرير تسويات عجزت الحروب التقليدية والقوة العسكرية عن تحقيقها؛ لذلك علينا التصدي لخطاب الإحباط ولغة الهزيمة وأساليب التشكيك التي لا هدف لها إلا أن تحملنا على المزيد من الخضوع والاستسلام.

اضافة اعلان