احذروا العجز الرابع!

فتح الحديث الذي دار مؤخراً حول بعض التقديرات الاقتصادية الباب على مصراعيه لتناول قضية في غاية الأهمية، الا وهي قضية المبالغة في التصريحات الصحافية وضبابية البيانات الإحصائية التي تصدرها بعض الجهات الرسمية!

ففي الوقت الذي قد يتفهم فيه المراقب وجود بعض جوانب القصور في البيانات التقديرية حول مؤشر ما، فإنه من غير المقبول أن نسمع عن إنجازات وهمية أو نقرأ بيانات فعليّة تعوزها المصداقية بسبب بعدها عن الواقع وعدم اتساقها مع المؤشرات الأخرى ذات العلاقة! وهذه الظاهرة الخطيرة قد تكون ناجمة عن ضعف القدرات المؤسسية، أو محاولة المسؤولين “تجميل” البيانات للمبالغة في مستوى الإنجازات والتقليل من شأن المشاكل والتحديات.

ومن الجدير ذكره أن بعض الدول بدأت تجرّم المسؤولين عن المؤسسات التي تصدر معلومات “مفبركة”، وتعتبر ذلك ضرباً من ضروب الفساد. وهذا توجه يستحق الترحيب، ونتمنى أن يطبق في الأردن، لأن البيانات أشبه ما تكون بالعين التي يرى من خلالها صانعو القرار ما يجري في الاقتصاد من تطورات. وبالتالي فإن المؤشرات التي تخفي التحديات قد تدفعهم إلى الاطمئنان وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهتها في الوقت المناسب. وليس هذا فحسب، بل إنها قد تدفعهم لاتخاذ إجراءات في اتجاه معاكس، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات، وربما ظهورها على شكل صدمات مفاجئة، الأمر الذي قد يرتب على الاقتصاد تكاليف باهظة، ليس أقلها تاّكل المصداقية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين والمستهلكين والمؤسسات الدولية بما ينشر من بيانات، أو ما يتم الحديث عنه من إنجازات!

ولا شك أن قيام أكثر من جهة رسمية بنشر بيانات عن المؤشر نفسه قد يؤدي أيضاً إلى إرباك المحللين وصناع القرار والمستثمرين في حال تباينت هذه المؤشرات، خصوصاً إذا كان تعريفها غير واضح. فعلى سبيل المثال نجد أن مؤسسة تشجيع الاستثمار تنشر بيانات عن حجم الاستثمارات الأجنبية في الوقت الذي يظهر فيه ميزان المدفوعات بيانات مغايرة حول ذات المؤشر! والسبب في ذلك أن البيانات الأولى تمثل القيمة التقديرية للمشاريع المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار ولا تعكس حجم التدفقات الاستثمارية الفعلية التي دخلت الاقتصاد، في حين يعكس ميزان المدفوعات التدفقات الفعلية فقط. وقد بذلت جهود على مر السنوات الماضية لمعالجة هذا الإشكال، ولكنها لم تؤتِ أُكلها بعد!

وكذلك الحال؛ فإن هناك تفاوتاً في حجم المساعدات التي تعلنها وزارتا التخطيط والمالية، علماً بأن الأخيرة تنشر حجم المنح التي تم تحويلها لحساب الخزينة، في حين تنشر الأولى إجمالي حجم المساعدات التي تلقاها الاقتصاد، وبعضها مساعدات تذهب لتمويل مشاريع تنفذها الجهات المانحة مباشرة!

ناهيك عن أن بيانات وزارة التخطيط تعتبر القروض الميسرة جزءا من المساعدات. ونعتقد، في هذا الشأن، أن الوقت قد حان لتغيير هذا النهج، بحيث تسمى الأمور بمسمياتها، فالقروض قروض والمنح منح!

اضافة اعلان

خلاصة القول أن الاقتصاد يواجه اليوم عجزا ثلاثي الأبعاد؛ فهناك عجز في الموازنة، وعجز في الحساب الجاري، ومديونية ضخمة، ونحن بغنى عن إضافة عجز رابع هو “عجز المصداقية”!