اقتصاد تلبيس الطواقي

كشفت الأزمة المالية العالمية عملية احتيال ضخمة بطلها أمريكي يدعى " برنارد مادوف" ، يبلغ من العمر سبعون عاما ، وعمل سابقا رئيسا لبورصة ناسداك نيويورك ومبلغ الاحتيال حتى الآن قرابة خمسين بليون دولار ، حيث نجح " مادوف" عندما أسس شركته في ستسينات القرن الماضي التي نجحت حتى أصبحت إحدى أكبر ثلاث شركات  صانعة للسوق في بورصة ناسداك نيويورك ، وليحقق نجاحا شخصيا عندما غدى نجما لامعا في عالم المال والاستثمار ووصل النجاح به ليترأس البورصة نفسهافي فترة من الفترات، وليتمكن من الاحتيال وفق طريقة " تلبيس الطواقي"  كما نعرفها في مجتمعنا الاردني وكما يسميها المجتمع المالي الامريكي "Ponzi Scheme ".

اضافة اعلان

وجوهر عملية النصب والاحتيال هذه بغض النظر عن تسميتها يقوم على أن يأخذ أموال المستثمرين ويعطيهم الارباح من أموال مستثمرين جدد ، وعلى استبعاد مطالبة اصحاب الاموال بأموالهم في وقت واحد وتستمر العملية على هذا المنوال ، حيث استمر " مادوف" سنوات طويلة تمكن خلالها من الاحتيال على أشخاص  وبنوك ومؤسسات مالية وخيرية وتقاعدية تمثل أسماء لامعة كل في مجالها ،  أمريكية وبريطانية وإسبانية ويابانية ، دون أن يرمش له جفن ،  لكن الأزمة المالية العالمية جاءت وكشفت لعبته ، مما يعتبر إحدى التداعيات الايجابية لها ، وذلك عندما هبطت أسعار الأسهم وأدوات الاستثمار في الاسوااق المالية العالمية مما دعا اصحاب الأموال للمطالبة بإموالهم ، وعندها انكشفت اللعبة ، واضطر للإعتراف بإحتياله .

ومما يثير التساؤل كيف وقع في حبائل " مادوف" بنوكا بريطانية عريقة مثل البنك البريطاني الكبير  HSBC   وبنك اوف سكتلندا الذي تملكت فيه الحكومة البريطانية  أكثر من 50% مقابل الدعم الذي قدمته له مؤخرا ،وغيرهم  والذي يفترض أنها مؤسسات استثمارية تودع فيها الحكومات والشركات والافراد أموالهم لديها، لإنها تملك الخبرة والقدرة على الاستثمار اللتان طورتهما على مدى السنوات الطويلة وبنت شهرتها واسمها في السوق العالمي بناء على ذلك.

ولا نستطيع في الأردن أن نتكلم عن " مادوف" وعملية احتياله دون أن نتذكر عملية احتيال شركات البورصات التي تمكنت من الاحتيال  على شرائح مختلفة من المواطنين في المجتمع الأردني في معظم المحافظات ، وتمكنت من خداعهم بنفس الطريقة والأسلوب لتستمر العملية سنوات ثلاث ضاعت بعدها أموالهم ولم يجدوا سوى الأسى والندم والفقر ليحصدوه.

لقد شهدنا مرحلة من العولمة ، في اسواق المال والاستثمار وفي النصب والاحتيال أيضا ، حيث للرواج الاقتصادي تبعاته كما للكساد تبعاته أيضا، فكلاهما يحمل في موجته مشاكل وهموم   تحاول الحكومات  والسلطات المسؤولة الابتعاد عنها ووضع الحلول العلاجية لها حتى قبل أن تصلها ،وقبل أن تستفحل ، ليصبح جوهر النمو الاقتصادي المستدام حالة الاستقرار والثقة ، التي تعمل ضمن  حزم من التشريعات والتعليمات الفاعلة ،بما فيها التشريعات الرقابية التي فشلت في كشف  "مادوف " في أمريكا على الرغم من التحذيرات ، كما فشلت في كشفها في الأردن أيضا ،مع اختلاف الاسباب بالطبع،  ليتحمل تبعاتها من سقطوا ضحية عملية الاحتيال ومن فشل في الرقابة .

 وتبقى العبرة والدرس سواء للحكومات أو للمؤسسات أو الأفراد بضرورة تحمل كل مسؤوليته ، خاصة أن عمليات النصب والاحتيال تظهر في صور متعددة سواء على شكل تسنيد أوراق أوعقود أوعمليات لاتساوي في الواقع ثمن الورقة المطبوعة عليها ، أو على شكل تزوير هويات وأوراق ومستندات تسمح ببيع أراض وممتلكات يفاجئ بها فيما بعد المالك الحقيقي لتدخل الاطراف المعنية في دوامة القضاء والاثبات تستمر لسنوات أو على شكل دولار يولد دولارا،  وكلها شهدناها في الأردن مما يستوجب حذر الجميع مؤسسات وافراد.