العراق وطيّ الصفحة

كان الأردن يتصرف طيلة السنوات الماضية على أساس عدم وجود جيش عراقي نظامي يتميز بالكفاءة يمكنه مواجهة قوات "داعش" خصوصاً في غرب العراق حيث الحدود مع الأردن. كما كان تصرفنا بالنسبة للجارة الشمالية على أساس أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يسيطر على منطقة درعا شمالي الأردن. اليوم بات واضحاً أن هذه الحسابات الأردنية تغيرت بفعل أربعة عوامل أولها انطلاق عمليتي الموصل والرقة، وثانيها التدخل الروسي في سورية منذ نحو عامين وثالثها مجيء إدارة أميركية جديدة فرضت ترتيبات جديدة على المشهدين العراقي والسوري، وأخيراً تبلور جهد دولي واسع يجعل من بوابة مكافحة الإرهاب مدخلاً لإعادة ترتيبات المنطقة والاستعداد لمرحلة ما بعد "داعش".اضافة اعلان
 وحتى لو اتفقنا على أن هذا الجهد تنقصه الرؤية الاستراتيجية المتماسكة للقضاء على "داعش" والتطرف سياسياً وفكرياً، وليس فقط الانتصار العسكري عليهما، فإنه لم يعد خافياً أن إيقاع العمليات العسكرية في العراق وسورية بدأ يترك مفاعيله ويفرض بصماته على إيقاع ونوع الترتيبات الأمنية وإعادة انتشار القوات في الأردن وخصوصاً على الحدود، وهو ما تجلى بوضوح في اتفاق جنوب غرب سورية "اتفاق عمان" قبل أسابيع بين واشنطن وموسكو وعمّان.
وعلى وقع هذه المعطيات الميدانية نشهد حراكاً سياسياً عراقياً تجاه دول المنطقة العربية، تجلى في نهج رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزير داخليته قاسم الأعرجي، وحراك الزعيمين مقتدى الصدر وعمار الحكيم نحو الرياض وعمّان والقاهرة. ولقد عاد قبل أيام مقتدى الصدر من السعودية، بعد زيارة وصفت بأنها "ديبلوماسية شعبية ناجحة لا ترضي إيران"، استقبله خلالها الأمير محمد بن سلمان، وسط معلومات بأن شخصيات سياسية أخرى، بينها عمار الحكيم، ستزور الرياض خلال الفترة المقبلة.
موجبات التقارب العراقي-العربي كثيرة وتفرضها تغيّر الظروف الإقليمية وتغيّر ظروف العراق ونجاح العراق في دحر "داعش" من الموصل ووجود رغبة أميركية قوية بتحسين علاقات العراق مع جيرانه العرب. وقد رحبت واشنطن بزيارات الزعماء السياسيين العراقيين الأخيرة لعمّان والقاهرة والرياض.
لقد اتضح أن حصاد اربعة عشر عاماً، منذ غزو العراق العام 2003، يؤكد أنه لا يمكن تخيّل منطقة عربية قوية في ظل عراق ضعيف ومفكك ومستنزف وتهيمن طهران على كثير من مفاصل قراراته السياسية. وكذلك اتضح أن تقوية الوطنية العراقية ووقوفها في وجه سياسة "الاستلحاق والاستتباع" التي تنتهجها إيران مع قوى نافذة على الساحة العراقية، لا يمكن أن يتمّ من دون حاضنة عربية تتخلص من "إرث ما بعد العام 2003"، وتكرّس مفاهيم أساسية في العلاقات الدولية في صدارتها احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إعادة الاستقرار إلى العراق ومحاربة الإرهاب فيه ومشاركة الجوار العربي في إعادة إعماره وتنميته والاستثمار فيه أدوات أساسية لترسيخ العمق العربي في سياسة العراق و"مدافعة" النفوذ الإيراني في هذا البلد، وهو نفوذ تصاعد في ظل غياب عربي وتردد سياسي وتواطؤ أميركي. واليوم ثمة فرصة سانحة لطي هذه الصفحة وإعادة الحسابات بتأكيد المصالح العربية ومغادرة سياسة التردد والارتباك وعدم الهروب من دفع "كلفة الجرأة الدبلوماسية"... وذلك عبر الإقرار بأن "سياسة المحاور" بأبعادها الطائفية أضعفت الوطنية العراقية وأضعفت المصالح العربية؛ حين احتزلت العراق في "الحشد الشعبي" ونوري المالكي وأساءت التقدير حين نظرتْ، للأسف، إلى شيعة العراق وكأنهم، وإيران، عملة واحدة !