تأمّلات صغيرة على هامش الحرب

 

مع بداية الأسبوع الثالث لهذه الحرب المجنونة التي تشنّها دولة المجرمين الصّهاينة على أهلنا الصّامدين في قطاع غزّة تقفز إلى الذّهن مجموعة من التّأمّلات الصغيرة التي يمكن لها أن تساهم في سبر أغوار هذه الحرب، ومن ثمّ محاولة تفكيكها وتشخيص آثارها الإيجابية أو السّلبية على روح الإنسان الفلسطيني والعربي بشكلٍ عام:

اضافة اعلان

أوّلاً: هذه الحرب لم تكن متكافئة بين الجانبين اللذين يخوضانها (الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية). إنّها حرب من جانب واحد إذا صحّ التّعبير، حرب يستخدم فيها العدوّ كلّ ما في ترسانته من أسلحة مدمّرة ضدّ شعب أعزل أو شبه أعزل. بينما المقاومة لا تملك من الأسلحة سوى سلاح الإرادة الذي هو سلاح مهم جدّاً على أيّ حال. ونتيجةً لمثل هذا الخلل فقد تمّ تحطيم البنية المدنيّة المحطّمة أصلاً لسكّان قطاع غزّة. لقد تمّ تدمير الورش الصغيرة والحقول والمؤسّسات، ومن ثمّ المساجد والبيوت.

أمّا بالنسبة للنّاس فقد كانت هذه الحرب بمثابة مجزرة متدحرجة فتكت بالأطفال والنساء على وجه التّحديد، ونتيجةً لصلف العدو فقد تمّت إبادة أسر بأكملها!

كان من الممكن ألاّ تقع الحرب على هذه الصّورة، كان من الممكن ألاّ تسلم المقاومة نفسها لمثل هذه الفخاخ المسمومة التي يهيّئها العدوّ منذ أمد بعيد. هنا لا بدّ لنا من الرجوع إلى (أوسلو) وما فرّخته من نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني. كان من نتائج تلك المعاهدة المشؤومة ولادة ما يسمّى بالسّلطة الوطنية الفلسطينية، وما لحق بها من انتخابات ومجلس تشريعي هو بمثابة برلمان. ولنلاحظ لقد كانت هذه السلطة منذ البداية رهينة المطرقة الصهيونية التي لا تتورّع عن دكّها وتصفية واعتقال من تريده من رموزها.

في قطاع غزّة ظلّت مخلّفات أوسلو قائمة من خلال حكومة معروفة وجزء من المجلس التشريعي. الأكثر من ذلك تمّ تطوير فكرة الحكم في القطاع في العام الأخير إلى ما يشبه الدولة! كان من العبث ومنذ البداية الدخول في لعبة الانتخابات أصلاً. كان من العبث العمل على إقامة أيّة سلطات أو ما يشبه هذه السّلطات في ظلّ الاحتلال، أو تحت رحمة مطرقته. لم يكن انسحاب جيش العدو من قطاع غزة ليلغي فكرة بقاء القطاع محتلاً.

ثانياً: زحفت الآلة العسكرية الصهيونية على قطاع غزة من أجل تصفية المقاومة التي أصبحت ذات قوّة ظاهرة ومكشوفة، وتتحرّك في مساحة واضحة ومحدّدة من الأرض. والآن أجدني أطرح السّؤال المباغت ما الذي يجبرنا كثورة على مجابهة الجيش الصهيوني بكتل مقاتلة معروفة بهذا الشّكل؟ فالثورة تعتمد أكثر ما تعتمد على أسلوب حرب العصابات الذي يقوم على الكرّ والفرّ، أو اضرب واهرب. وعن طريق هذا الأسلوب فقط يتمّ تحييد عناصر الطيران والأسلحة الثقيلة، وبواسطة هذا الأسلوب أيضاً يتمّ الحفاظ على حياة المدنيين.

ثالثاً: خلال هذه الحرب لم نسمع من داخل الكيان الصهيوني من يحتجّ على عنف المجزرة التي يرتكبها جيش هذا الكيان بحق النّاس في قطاع غزّة. هناك بعض الأصوات الخجولة التي انتقدت الحرب ولكنها لم تكن لتخرج عن دائرة الإجماع الصهيونية التي تؤيّد التّطرّف كأسلوب ناجع في مجابهة الخطر العربي. لم يعد هناك من يسار أو يمين في هذا المجتمع الاستيطاني العنصري البغيض. بالمقابل فقد كانت المظاهرات العارمة التي اجتاحت الكوكب من أقصاه إلى أقصاه استفتاءً كونيّاً شاملاً على المكانة الخاصّة التي تحظى بها فلسطين عند شعوب العالم. إنّ مثل هذه الحالة كفيلة بأن تدفع بالنّضال الفلسطيني أشواطاً بعيدة على طريق التّحرّر والخلاص.

[email protected]