عجلون تتصحر فهل من مغيث؟!

 

تتربع محافظة عجلون على عرش المصايف في المملكة من دون منازع، فاعتدال مناخها وجمال غاباتها وشموخ جبالها، وعذوبة الماء الذي يجري، مما بقي من ينابيعها يشكل بيئة متكاملة تجعل منها جنة للناظرين. والى جانب ذلك فإن المحافظة تحتضن عدداً كبيراً من المواقع الأثرية التي تعود إلى ما قبل العصور البرونزية، ناهيك عن الآثار الإسلامية النادرة مثل قلعة عجلون التي يستطيع الزائر أن يرى من أبراجها مناظر خلابة في غور الأردن وفلسطين المحتلة، وهناك المسجد الكبير الذي بني قبل ما يزيد على ثمانية قرون ويمثل تحفة فنية شاهدة على فن العمارة في العهد الإسلامي، اضافة الى العديد من بقايا الكنائس والأديرة القديمة المنتشرة في مناطق مختلفة من المحافظة، مثل كنيسة مار إلياس. وتعتبر المحافظة من أكثر مناطق المملكة اخضراراً، حيث تشكل  الأراضي الحرجية حوالي 35 % من مساحتها وتضم مئات الآلاف من أشجارالسنديان والبلوط والخروب والبطم وغيرها، ويبلغ عمر الكثير منها مئات السنين، هذا الى جانب الأشجار المثمرة والمراعي الخصبة.

اضافة اعلان

وبالاضافة الى افتقار المحافظة للبنية التحتية المناسبة الكفيلة بجذب الاستثمار بمختلف أشكاله، ومن ضمنه الاستثمار السياحي، حيث الطرق في معظمها ضيقة أو مهملة، والعجز المائي يتزايد عاماً بعد آخر! فإن عجلون باتت تواجه تحدياً من نوع جديد من قبل بعض أبنائها الذين يعانون الفاقة ويفتقرون إلى التوعية المناسبة! ففي موسم الشتاء والبرد القارس أصبح البعض يبحث عن مصادر بديلة للطاقة، ولكنها مصادر بالغة الضرر هذه المرة! إذ يلجأون إلى قطع الأشجارالحرجية وتحطيبها لاستخدامها لأغراض التدفئة في ضوء ارتفاع أسعار المشتقات البترولية.

وفي ضوء ذلك فقد باتت أشجارعجلون، قديمها وحديثها، تئن من الوجع الذي تحدثه مناشير التحطيب الحديثة، التي يقدر بعض المسؤولين في المحافظة عددها بحوالي 1000 منشار تشكل، بكل ما للكلمة من معنى، أسلحة دمار شامل للبيئة، حيث يعمل معظمها بتقنيات حديثة من حيث قدرتها على قطع الأشجارالكبيرة بسرعة ومن دون إحداث ضجيج، أي بكاتم للصوت!، حتى لا تثير انتباه "الطوافين" الذين يواصلون الليل بالنهار لحماية الثروة الحرجية، ولكنهم يعانون من نقص العدد والعدة، ومن تدني رواتبهم التي لا تتناسب مع طبيعة المهنة الشاقة التي يعملون بها والمخاطر التي يتعرضون لها. حيث لا يتجاوز عدد هؤلاء 28 طوافاً يحصلون على رواتب متواضعة لا تتجاوز 170 ديناراً شهرياً، ومع ذلك يطلب من كل واحد منهم حماية 6000 دونم! وهي مهمة مستحيلة، حيث يشير الخبراء إلى أن المساحة التي يستطيع "الطواف" أن يغطيها لا يجوز أن تتعدى 2000 دونم في أفضل الأحوال، بافتراض توفر وسائل النقل والرصد المناسبة. أي أن العدد الذي توفره وزارة الزراعة حالياً لحماية المناطق الحرجية لا يتجاوز ما نسبته 40 % من العدد المطلوب.

ولا مناص من الإشارة، في هذا المقام، إلى أن ظاهرة الاعتداء على الأشجار الحرجية، على الرغم من خطورتها وعدم حضاريتها، ليست إلا عرضا من مشكلة أكبر، ألا وهي مشكلة الفقر والبطالة. حيث أشارت بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن معدل الفقر في عجلون قد ارتفع مما نسبته 9.7 % في عام 2002 إلى 17.7 % في عام 2006، أي أن حوالي 24000 من سكان المحافظة كانوا يعيشون تحت خط الفقر في عام 2006، ولا ندري ما هو العدد الآن في ظل غياب بيانات محدثة!.

وعليه فان معالجة هذه الظاهرة الخطيرة ينبغي أن تتم من خلال معالجة المشكلة الحقيقية، من خلال توجيه الاستثمارات إلى عجلون التي أعلنت منطقة تنموية عندما شرفها جلالة الملك بزيارة كريمة في شهر حزيران من العام الماضي. كما ينبغي توسيع دور صندوق المعونة الوطنية لمساعدة غير القادرين على العمل إما بسبب المرض أو كبر السن أو فقدان رب العائلة، وغيرها من الأسباب القاهرة. أما في الاجل القصير، فقد يكون من المناسب دراسة إمكانية البدء بترخيص المناشير الكهربائية وزيادة عدد الطوافين، وتحسين رواتبهم، وتزويدهم بالعدة المناسبة.

فهل من مجيب أو مغيث؟!