قراءة في نتائج فريق متابعة توصيات لجنة الاحتياجات التمويلية

قد يثير العنوان "المختصر" أعلاه استغراب بعض القراء، وقد يذهب البعض الى أبعد من ذلك معتقدين أن ذلك لا يعدو كونه مجرد خطأ في الطباعة! ولكنه في واقع الأمر يعكس حقيقة لا بد من توضيحها، وهي أن لجنة دراسة الاحتياجات التمويلية للقطاعات الاقتصادية، والتي كنت عضواً فيها، قد تشكلت من قبل دولة رئيس الوزراء السابق إثر زيارته للبنك المركزي بتاريخ 5/11/2009، وقامت بعقد اجتماعات عديدة مع ممثلي غرف الصناعة والتجارة، وبعض مطوري العقار، وجمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، وغيرها من الفعاليات الاقتصادية،  وانتهى دورها بعد أن رفعت تقريرها وتوصياتها لدولته بتاريخ 24/11/2009. وبعدها قام دولة الرئيس الحالي سمير الرفاعي بتشكيل لجنة جديدة بتاريخ 26/12/2009 مهمتها متابعة تنفيذ توصيات اللجنة السابقة، كما جاء في حيثيات قرار تشكيل اللجنة التي قامت، بعد اجتماعها مع الجهات المعنية، برفع توصياتها إلى دولته بتاريخ 20/1/2010، وبعد مناقشتها أقرت لجنة التنمية الوزارية، وبعدها مجلس الوزراء، التوصيات المذكورة. كما تم تشكيل لجنة ثالثة، تحمل الصفة التنفيذية، وتضم ثلاثة أعضاء من لجنة المتابعة، ولا يتضح من التوصيات التي نشرتها الصحف ما إذا بقيت لجنة المتابعة قائمة أم أن دورها قد انتهى!

اضافة اعلان

وبصفتي عضواً في اللجنة الأولى فقد تابعت باهتمام  كل ما قيل أو كتب عن توصياتها. وآثرت عدم الرد أو الخوض في النقاش الذي أعقب نشر توصيات اللجنة في الصحف من باب الاحترام للرأي الآخر الذي يشكل إضافة نوعية عندما يتحلى  بالحكمة والموضوعية.

أمّا وقد جاءت توصيات اللجنة الثانية مغايرة، في بعض جوانبها، لما جاء في توصيات اللجنة الأولى وهو أمر متوقع، بل ومطلوب، والاّ لما كان هناك من داع لتشكيلها، وبدأت اللجنة الاعلان عن استعدادها لاستقبال طلبات التمويل من الشركات التي لم تفلح بإقناع البنوك بتقديم المزيد من التمويل لها، في ظل عجزها عن الوفاء بالتزاماتها القائمة وضعف الطلب على منتجاتها، فقد وجدنا أن من الأهمية بمكان إبداء الرأي حول أبرز تلك التوصيات، خاصة وأن بعضها قد جاء جدلياً وغير متوقع، وعلى النحو التالي:

أولاً: أعطت لجنة المتابعة لنفسها الحق في التنسيب إلى الحكومة لتقديم كفالة لا تتجاوز ما نسبته 35% من إجمالي التسهيلات التي ستقدمها البنوك إلى الشركات المقترضة، في حال وجدت اللجنة أن هناك مخاطر على هذه التسهيلات ترغب البنوك في تغطيتها. وعلى الرغم من أن هناك معايير صارمة قد حددتها اللجنة لتأهيل الشركات التي يمكن أن تستفيد من مثل هذه الكفالة، فإننا نعتقد، من حيث المبدأ، أن التوصية بتقديم مثل هذه الكفالة تعتبر خطأ، حتى لا نقول خطيئة، لعدة أسباب، أولها مخالفتها لقانون الدين العام الذي ينص في المادة (18) على انه "لا يجوز للحكومة ان تكفل مالياً اي جهة كانت الا في حالات استثنائية مبررة تقتضيها المصلحة الوطنية ولجهة رسمية وبقرار من مجلس الوزراء بناءً على تنسيب الوزير"، وعلى الرغم من ان التوصيات قد اشارت الى انه يمكن ان يتم ذلك من خلال مؤسسة رسمية ذات أغراض خاصة (SPV) تُنشأ لغاية تقديم الكفالات تمشياً مع القانون المذكور فإننا نرى في ذلك محاولة للالتفاف على أحكام هذا القانون، رغم قناعتنا بأن هذه الآلية ليست عملية وستعترضها العديد من المعوقات التشريعية.

أما السبب الثاني الذي يدفعنا الى الاعتقاد بخطأ هذه التوصية فيتمثل في أنها قد جاءت في وقت تجاوز فيه حجم المديونية ما نسبته 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة التي أكّد قانون الدين العام عدم تجاوزها وترك لمجلس الوزراء الحق بتحديد الوقت الذي تسري فيه أحكامه، حيث حددت الحكومة السابقة مطلع العام الحالي للالتزام بالسقف المذكور، ثم جاءت الحكومة الحالية لتلغي هذا القرار وتؤجل الموعد الى أجل غير مسمى! ويبدو أنها قد اضطرت الى ذلك في ظل الضغوط التي تواجه الموازنة العامة والتي تتطلب إصدار المزيد من أذونات وسندات الخزينة، وبالتالي ارتفاع حجم الدين العام الداخلي الذي تضخم بصورة كبيرة جداً خلال العام الماضي ليبلغ حوالي 40% من حجم الناتج المحلي الإجمالي المقدر في قانون الموازنة لعام 2009 ، علما بأن هذه النسبة ستزداد خلال العام الحالي في ضوء بقاء العجز المالي عند مستويات مرتفعة.

أما من حيث الجوهر، فإن الكفالة المقترحة من قبل اللجنة ليست كفالةً على الإطلاق! ولا أعتقد أن معظم، إن لم يكن كل، البنوك ستقبل بها. حيث نصت التوصيات "على أن تعطى الأولوية للحكومة على أي دائنين آخرين لاسترداد حقوقها المترتبة على الشركة" المدينة. وهذا يعني أنه في حال فشلت شركة ما في تسديد القرض المكفول من قبل الحكومة، فإنه عند تحصيل جزء من هذا القرض، سواء على شكل نقد أو بعد بيع الأصول المرهونة، فإنه سيتم أولاً تسديد قيمة كفالة الحكومة ثم يحصل البنك، أو البنوك المقرضة، على ما يتبقى مما سيتم تحصيله من قيمة الدين، وهذا ما لا ينطبق على تعريف الكفالة والكفيل حسب الأعراف المصرفية.

 ونرجو أن لا تستخدم هذه التوصية لوضع المزيد من الضغوط على البنوك لتقديم تمويل عالي المخاطر تحت حجة أن هذه البنوك ما تزال تحجم عن تمويل الشركات الكبرى حتى مع وجود كفالة حكومية! اذ إن من شأن هذا الأمر زيادة حجم الديون المصنفة ويؤثر على ربحية البنوك وبالتالي على تصنيفها الائتماني، وقد تكون النتيجة النهائية تعريض استقرار الجهاز المصرفي  للمخاطر.

ثانياً: اقترحت لجنة المتابعة في توصياتها أن يتم عرض طلبات التمويل التي تقدمها الشركات التي تواجه مشاكل تمويلية على الفريق الفني الذي شكلته اللجنة الأولى، والمكون من مدراء الائتمان في أكبر سبعة بنوك، لدراستها وتقديم التوصيات المناسبة بشأنها إلى اللجنة ليتم بعدها عرض الطلب على البنوك. ومن الجدير ذكره أن الهدف من وراء تشكيل هذا الفريق في حينه كان يتمثل في تحديد القطاعات التي تحتاج الى تمويل أو مساعدة.  

وبرأينا فإن هذه آلية تحمل مقتلها في نفسها، حيث كان الفريق المذكور قد درس أوضاع عدد من الشركات خلال عمل اللجنة الأولى وأبدى رأيه في مدى ملاءتها وأهليتها للحصول على المزيد من التمويل. ولا نعتقد أن رأي الفريق سيتغير، خاصة وأن أوضاع بعض هذه الشركات قد يكون أصبح أكثر صعوبة تحت وطأة الضغوط التي تعانيها. إلى جانب ذلك فقد أثبتت التجربة أن هذه آلية غير "عملية" لأن لكل بنك سياساته ومعاييره التي يعتمدها في اتخاذ القرار الائتماني، ناهيك عن أنه بعد تقديم الفريق الفني لرأيه فإن رأي البنوك يكون قد اتضح. ولا نعرف ما الذي ستجنيه اللجنة من عرض طلب التمويل عليها بعد هذه الخطوة؟ّ! فهل تعتقد لجنة المتابعة أن إدارة بنك ما ستغير رأيها وتتخذ قراراً مغايراً لرأي مدير أو دائرة الائتمان فيه؟ّ!

ثالثاً: في الوقت الذي تتجه  فيه الحكومة إلى العدول عن قرار سابقتها بإعفاء عدد من السلع الأساسية من ضريبة المبيعات لزيادة إيراداتها، خاصة وأن الحكومة قد وجدت أن المستهلك لم يكن المستفيد الأكبر من ذلك الإعفاء، فإن توصيات لجنة المتابعة تقترح إعفاء العقارات التي تقدمها الشركات كضمانة للحصول على التمويل من رسوم رهن العقار، ونرى في ذلك تناقضاً واضحاً بين قرار الحكومة وتوصيات اللجنة، مع الإشارة إلى أن الحكومة السابقة قد امتنعت عن تقديم أي إجراءات تحفيزية في ذروة الأزمة في ضوء العجز المالي المتنامي. مع العلم أن من أبرز المرتكزات التي اعتمدتها اللجنة الأولى عدم الخروج بتوصيات تؤثر على العجز المالي.

رابعاً: في الوقت الذي تضمنت فيه توصيات اللجنة الأولى بعض التوصيات المتعلقة بتحفيز جانب الطلب، وخصوصاً في القطاع العقاري، نجد أن توصيات لجنة المتابعة قد اقتصرت على جانب العرض فقط، ونعتقد أنه كان من الأفضل لو أنها قد عملت على الموازنة بين الجانبين.

خامساً: أحسنت لجنة المتابعة صنعاً بالتوصيات المتعلقة بإصدار قانون معلومات الائتمان، وإصدار قانون سجل الآلات والمعدات الصناعية، ودعوة البنوك لإنشاء دوائر متخصصة بمنح تسهيلات للصناعات الصغيرة والمتوسطة.