قطاع العقار ومرونة الأسعار!

 

عندما يستجيب المنتجون، بغض النظر عن قطاعاتهم، لقوى العرض والطلب فإن عملية تحديد أسعار منتجاتهم وخدماتهم تتسم بالمرونة، فتنخفض عند وجود فائض في العرض أو تراجع في الطلب أو تكاليف الإنتاج. وفي المقابل تصبح الأسعار عرضة للارتفاع عند ازدياد الطلب، مقارنة بالمعروض من السلع والخدمات أو عند ارتفاع تكاليف الإنتاج، مع الإشارة الى أن ارتفاع التكاليف قد لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار في حالة وجود منافسة شفافة، إذ قد يضطر المنتجون الى إبقاء أسعارهم على حالها والقبول بأرباح أقل للبقاء في السوق.

ولكن المراقب للسوق الأردني بشكل عام، والذي يُفترض نظريا أن قوى العرض والطلب قد باتت تلعب دورا رئيسا فيه، يخرج بمفارقة عجيبة، إذ ترتفع الأسعار بمتوالية هندسية وبسرعة تتجاوز سرعة الصاروخ عند ارتفاع التكاليف أو عند ارتفاع الطلب بمستوى يفوق العرض، ولكن الأسعار تبقى تراوح مكانها أو تتراجع بسرعة السلحفاة عندما يحدث العكس، وكأن سوقنا يسير وفق قاعدة مفادها أنّ "ما ارتفع قد ارتفع وما وقع قد وقع"! وعلى المستهلك أن يقبل بذلك شاء أم أبى!

ونكاد نجزم أن سلوك سوق العقار لا يشكّل استثناءً لهذه القاعدة، حيث ارتفعت أسعار الأراضي والمساكن بصورة قياسية خلال الطفرة التي سبقت اندلاع الأزمة المالية العالمية، وجنت الشركات العاملة في هذا القطاع أرباحاً طائلة.

وعندما بدأت تداعيات الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها على الاقتصاد، وتراجعت أسعار الحديد والإسمنت وغيرها من المدخلات، وصاحب ذلك تراجع حاد في الطلب على الأراضي والمساكن بأنواعها، لم يكن هناك تجاوب من جانب المستثمرين في هذا القطاع، وفضّل بعضهم، وربما أكثرهم، إبقاء الأسعار عند مستوياتها القياسية التي لم تعد مبررة.

والغريب أن مستثمري هذا القطاع لا يدّخرون وسعاً في إلقاء اللوم على غيرهم لتبرير التباطؤ الحاد الذي بدأ يعانيه السوق، فتارة يقال إن الحكومة وإجراءاتها هي المسؤولة، وتارة أخرى يتم توجيه اللوم إلى البنوك، على الرغم من أن البيانات ما تزال تؤكد على أن هذا القطاع ما يزال يستحوذ على نصيب وافر من التسهيلات الائتمانية، ناهيك عن استجابة البنوك لمبادرة سكن كريم لعيش كريم وتخصيصها مبالغ طائلة لتمويل المستفيدين من هذه المبادرة بشروط ميسرة بما في ذلك تخفيض كلفة التمويل والقبول بفترة سداد تصل إلى ثلاثين عاما!

اضافة اعلان

ونعتقد أن الوقت قد حان ليعيد اللاعبون في هذا السوق حساباتهم، ويتحملوا مسؤولياتهم، ويبدأوا بخفض أسعارهم، والقبول بأرباح أقل بدلا من استمرارهم في طلب الدعم من الحكومة التي تواجه عجزا ماليا كبيرا ومديونية متزايدة. فليس من العدل، أو حتى المنطق الاقتصادي، دعم مستثمر يأبى خفض أسعاره ويصر على تعظيم أرباحه على حساب المواطن الذي يدفع الثمن مرتين، الأولى من خلال تبعات العجز المالي والمديونية العالية، والثانية من خلال أسعار العقار التي ما تزال تجاوز عنان السماء وتفوق قدرة الكثيرين على الشراء رغم تجاوب القطاع المصرفي، كما ذكرنا، والدعم الحكومي من خلال زيادة مساحة الوحدات السكنية المعفاة من رسوم التسجيل وتوابعها إلى مائة وخمسين مترا وإلغاء شرط الشراء من شركة إسكان، وتخفيض رسوم نقل الملكية بنسبة خمسين بالمائة! 

[email protected]