المدارس الحكومية تعرقل طموح ذوي الإعاقة في التعليم الدامج

رسم تعبيري يمثل طالبا من ذوي الإعاقة في إحدى المدارس-(أرشيفية)
رسم تعبيري يمثل طالبا من ذوي الإعاقة في إحدى المدارس-(أرشيفية)
فايز العظامات عمان- على الرغم من أن الأردن ما زال في بداية مشواره في مجال التعليم الدامج الذي يهدف إلى دمج الطلبة ذوي الإعاقات في المدارس الحكومية، غير أن هذا التعليم شهد بروز تفرعات وتحديات بسبب اختلاف نوع الإعاقات، ما يؤدي إلى تباين احتياجاتها ومتطلباتها للاستفادة من العملية التعليمية على أكمل وجه. فيما يتمثل التحديان الأبرز في نقص التأهيل المفترض توفيره في المدارس للتعامل مع هذه الفئات، فضلا عن النظرة المجتمعية السلبية حيالها، والتي لا تتجاوز حدود "العطف" فقط، على الرغم من أن هذا العطف المجرد يعد من أهم العراقيل على طريق الدمج المنشود. وللاستزادة حول هذا الموضوع، ارتأت "الغد" أن تتبع هذه العراقيل التي تقف سدا أمام طموحات هذه الفئات التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من المجتمع، ومقابلة عدد من ذوي الاختصاص، فضلا عن تقديم نماذج حية من أصحاب الإعاقات للوقوف على حقيقة ما يعانونه على درب التعليم الشاق.

تجارب أهل ذوي اعاقة

تقول ام يوسف والدة أحد ذوي الإعاقة الذهنية، إنه بالنسبة لوزارة التربية والتعليم لا توجد استراتيجيات، بل يترك الأمر لكل مدرسة على حدة أن تعد استراتيجياتها بحسب قدرتها. وتضيف أن أغلب المدارس يدخل إليها الطالب ذو الإعاقة على غرار الطلاب الآخرين، فيضعونه في غرفة المصادر التي يكون معلموها في بعض الأحيان غير مؤهلين للتربية الخاصة، موضحة بالقول: "ليست كل المدارس مؤهلة لاستقبال ذوي الإعاقة، وأحيانا لا يستطيع الطالب من هذا النوع الدخول للمدرسة اذا لم تكن تحتوي على غرفة مصادر، وإن وجدت فغالبا ما تكون بسيطة جدا لا تحتوي على أي مقومات أو أساليب لإيصال المعلومة للطالب. وتتابع: "أنا أساعد ابني وأدرسه أولا بأول، ويجب ان يكون هناك دعم في البيت لمن هم على شاكلته، كما يحتاجون إلى توفير أخصائي نطق في المدارس، ومهارات إدراكية"، مشيرة إلى وجود برامج خاصة في بعض المدارس، لكن تكلفتها عالية جدا، ما يشكل عائقا وصعوبة أمام الأهل بسبب ارتفاع التكاليف. وتلفت إلى أن المدارس الحكومية خصصت غرفا للمصادر لكن من دون برامج مساندة، ولا تتم متابعتها من وزارة التربية والتعليم، وكثير من المدارس يكتفى فيها بتسجيل الطلبة اسميا بلا متابعة أو تأهيل. بدورها تشكو العشرينية تقوى ملكاوي ذات الإعاقة البصرية، والمتفوقة في الجامعة والتوجيهي، من صعوبة ما تعانيه جراء عدم وجود برامج متخصصة، مبينة أنها خلال دراستها في مدرستها الحكومية لم تتلق أي درس بطريقة خاصة تتلاءم وحالتها. وتضيف ملكاوي: "حتى في بعض المرات كنت أقوم شخصيا بتأمين الكتب المدونة على نظام بريل، علما أن ذلك من مسؤولية المدرسة، لكنني كنت أفعل ذلك اختصارا للمشاكل والوقت، بمساعدة أهلي". ورغم أنها لا تريد أن تضع كل اللوم على المدرسة، لكنها تقول إنها وبحسب الواقع الذي خبرته بنفسها، هناك كثير من الطلاب الذين يعانون مثلها، موضحة أنها وفي بداية مشوارها التعليمي في المدرسة الحكومية، واجهت الكثير من التحديات، حيث تقول: "انا دخلت إلى جو مختلف تماما عن الجو الذي كنت أعيشه". وتزيد بأن الأساتذة لم تكن تتوفر لديهم أي خلفية عن طريقة التعامل مع حالتها، كونها أول طالبة كفيفة تدخل المدرسة، ولم تخصص لها حصص مكثفة، بل كان يتم إعطاؤها البرنامج اليومي الاعتيادي فقط.

نظرة مختصة

وللتوسع في موضوع الطلبة ذوي الإعاقة، تؤكد المختصة هنوف العظامات أنه لو طبق القانون الخاص بهذه الفئة لعمل على إحداث نهضة حقيقية في السلك التعليمي. وتتابع العظامات: عند الحديث عن إقرار البرامج التربوية والتعليمية الخاصة لكل إعاقة بشكل خاص، لعل أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا المجال قضية عدم التجانس الموجود داخل فئات الإعاقات، إضافة إلى عدم التجانس الحاصل داخل الفئة ذاتها". وتضيف أن "التفرد والتنوع والاختلاف في الحاجات والمهارات والقدرات والمشكلات لدى كل فرد من أفراد الفئات الخاصة، يخلق تحديًا يعترض بناء مناهج وبرامج تربوية موحدة للجميع". وترى العظامات أن "لتوفر برامج تربوية مختصة إيجابيات عدة، منها ضمان تغطية جميع احتياجات الطلبة ذوي الإعاقة من الخدمات التعليمية والمساندة والمناهج الوظيفية وغيرها من المتطلبات باختلاف فئة الإعاقة ودرجتها. وسيصبح الطالب ذو الإعاقة محور الاهتمام والارتكاز، ما يكفل مراقبة ومتابعة حثيثة ومستمرة للتقدم الذي سيحصل على الطالب وتقييمه والتعديل عند الحاجة". وتتابع: "بالإضافة الى ان البرنامج التربوي يعمل بمثابة وثيقة ومراقبة لنوعية وجودة الخدمات المقدمة للطالب بما يكفل حق الطالب ذي الإعاقة أمام المؤسسة التعليمية والجهات ذات العلاقة في تنفيذ جميع الأهداف والخدمات المنصوص عليها فيه، وآلية تنفيذها ومدى تحققها". وتؤكد أن من شأن ذلك أن يضمن حق الأسرة والطالب في تقديم أفضل الخدمات، وضمان إشراك الأسرة كشريك أساس في بناء وتنفيذ البرامج المتخصصة وتقييمها. وترى أن البرنامج التربوي المتخصص يعمل كقاعدة لتقييم الطفل ومدى التقدم الحاصل في أدائه، كما يعمل كموجه للتفاعلات بين الفريق متعدد التخصصات، ومنسق للجهود المشتركة فيما بينهم. وتضيف أن البرنامج يعمل كذلك كقاعدة لتقييم جهود المؤسسة التعليمية ومدى التزامها بتقديم الخدمات بجودة عالية وتفرد يتناسب وطبيعة الطالب ذي الإعاقة. وتبين العظامات أيضا، أن غياب وجود برامج متخصصة تنشأ عنه سلبيات عدة، أهمها البقاء تحت وطأة العشوائية والتخبط في تقديم الخدمات التربوية للطلبة ذوي الإعاقة، وفقدان السلطة القانونية والإدارية والعملية التي من شأنها العمل كجهة رقابية لكيفية تقديم الخدمات وسير العمل. وتوضح أن ذلك يؤدي أيضا الى ضياع حقوق الطلبة ذوي الإعاقة، والإخلال بمنظومة التعليم المفترض وجودها لتدريسهم، وكذلك الإخلال بأهمية دور الأسرة في العملية التعليمية كشريك أساس إلى جانب معلمي الطلبة ذوي الإعاقة، إضافة إلى إبقاء الطلبة ذوي الإعاقة، وتحديدًا الإعاقات الذهنية والنمائية، خارج أسوار المدرسة العامة، ما يعرقل، بدوره، الدمج المفترض. وتزيد ان من ضمن السلبيات أيضا، تراجع قدرات الطلبة ذوي الإعاقة الحالية لعدم إمكانية تطويرها من خلال برنامج تربوي خاص بكل طالب، وأيضا فقدان قنوات التواصل والتشاركية المفترضة بين الجهات المعنية لتحقيق الدمج الفعلي الناجح للطلبة ذوي الإعاقة.

بين القانون والاتفاقية

تنص المادة رقم (18) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بأن "على وزارة التربية والتعليم، بالتنسيق مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، العمل على تضمين السياسات العامة والاستراتيجيات والخطط والبرامج التعليمية متطلبات التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة، بما يحقق تمتعهم الكامل بحقهم في التعليم والوصول لجميع البرامج والخدمات والمرافق والمؤسسات التعليمية". أما الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي كان الأردن من أوائل الدول الموقعة عليها بتاريخ 30/ 3/ 2007، وصادق عليها بتاريخ 31/ 3/ 2008 معلنا التزامه بتنفيذ بنودها، فتنص على مراعاة الاحتياجات الفردية بصورة معقولة. كما تنص الاتفاقية على تيسير تعلم طريقة برايل وأنواع الكتابة البديلة، وطرق ووسائل وأشكال الاتصال المعززة والبديلة، ومهارات التوجيه والتنقل، وتيسير الدعم والتوجيه عن طريق الأقران.

أنواع الإعاقات

يركز الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة على ضرورة التفريق بين أنواع الإعاقات التي تتمحور في غالبيتها حول "الحركية" و"البصرية"، مشيرا إلى أن أي إعاقة أخرى غيرهما تندرج ضمن "الإعاقات الذهنية"، وهؤلاء جميعا يدرسون المنهاج نفسه ويمكن لهم أن يندمجوا بكل سهولة، لكن الإشكالية تتأتى من اختلاف مستوى القدرات. ويوضح أن ذوي الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية والنطقية لا يعانون مشكلة عقلية، بل تكمن إشكاليتهم في نقص الدعم المساند وإمكانية الوصول، وهنا تجب مراعاة الجوانب الجسدية، كالممرات الخاصة وتلقي المساعدة في الدراسة. مضيفا ان التمايز في المنهاج يحدث في حال وجود خلل عقلي، لكنهم لا يحتاجون مناهج خاصة لكون إعاقاتهم ليست عقلية، أما استراتيجيات الدعم الخاصة فتكون لمن يعانون من صعوبات التعلم، سواء أكانوا من ذوي الإعاقة أم لا. ويشدد على أهمية مراعاتهم من الناحية النفسية، وهذا يعود للمرشد، كون ذوي الإعاقة في العادة يعانون مشكلات نفسية بسبب شعورهم بالنقص، وهنا يأتي دور المرشد. من جهتها، ترى الخبيرة الحقوقية كريستين فضول ضرورة توفير خطة مشتركة يتم وضعها بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وببرنامج متخصص للتعامل ووضع استراتيجيات مختلفة. كما تؤكد أهمية التعليم الدامج ما أمكن ذلك، وأن التعليم الدامج هو الأفضل ويعود بالنفع على جميع الطلبة. بدورها، تعتبر مساعد الأمين العام للشؤون الفنية في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة غدير الحارس قضية دمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس قضية "قديمة جديدة". وتبين الحارس أن نسبة التحاق الطلبة ذوي الإعاقة بالمدارس ما زالت في المستويات الدنيا، ولا تتجاوز 2 % من الطلبة الملتحقين بمدارس وزرة التربية والتعليم، مع أن النسبة العالمية تصل الى 10 %. وتوضح أن موضوع دمج الأطفال ذوي الإعاقة بالمدارس له عدة أنماط ونماذج للدمج، قائلة: "نعتقد في الأردن أن من حق كل شخص من ذوي الإعاقة الالتحاق بالمدرسة الأقرب إلى بيته، وهي بدورها توفر له بيئة تعليمية مرحِبة، ويكون الكادر التعليمي مؤهلا ومدربا. وتضيف: "في المجلس والمملكة يعتقدون ان تعليم الطلبة ذوي الإعاقة يجب أن يكون في البيئة التعليمية داخل المدرسة مع نظرائه وأقرانه الطبيعيين". وترى أن الفرق بين تعليم طالب عن الآخر هو من حيث الاحتياج، فلكل طالب احتياجات تعليمية فردية لا بد أن يكون المعلم مدربا عليها ويستطيع استخدامها مع الطلبة ذوي الإعاقة. وتزيد: "الموجود على أرض الواقع هو أن المدارس الدامجة ذات عدد قليل جدا، وهناك بعض التجارب في موضوع الدمج لكنها تخضع للجهة التي تنفذ برنامج الدمج، وحاليا. ومن خلال استراتيجية التعليم الدامج والخطة التنفيذية لأول 3 سنوات، سيتم العمل على تأهيل 18 مدرسة لتكون نواة للمدارس الدامجة في 3 محافظات. وتستدرك الحارس: "للأسف ليس كل المعلمين مدربين على موضوع التعليم المتمايز واستراتيجيات التعليم وتطويرها حتى تلبي احتياجات الطلبة ذوي الإعاقة، وبسبب ذلك تم وضع محور خاص في الاستراتيجية والخطة التنفيذية يتعلق بالكوادر البشرية وتدريبها على موضوع التعليم الدامج". وتضيف أنهم و"كمرحلة أولى اقترحوا ان يكون في كل مديرية من المديريات الثلاث التي ستتم عملية التعليم الدامج فيها، وجود فريق مختص يتكون من أخصائي علاج طبيعي، ونطقي، ووظيفي، وأخصائي اجتماعي، ونفسي، حسب احتياج الطلبة ذوي الإعاقة، على أن ينفذ هؤلاء زيارات ميدانية، بحيث يتم عند الحاجة تقييم الطالب داخل البيئة المدرسية التي اعتاد عليها". وتؤكد أهمية دور الأسرة معتبرة إياه جزءا لا يتجزأ من دمج الطلبة ذوي الإعاقة، لأن الفريق الذي يعمل على عملية التقييم للطالب ذوي الإعاقة سيضع برامج عدة، جزء منها يتم تنفيذه داخل المدرسة، وآخر بحاجة الى المتابعة من قبل الأسرة. كما تشدد على دور الأسرة بحيث تكون على اطلاع على البرامج التي يتلقاها الطالب ذو الإعاقة، وتقوم أيضا بمتابعتها.

جهود أولية

يشير مدير إدارة التعليم العام في وزارة التربية والتعليم الدكتور سامي المحاسيس إلى أن مدارس الوزارة تضم حاليا ما نسبته 1.9 % من الطلبة ذوي الإعاقة في المملكة، بحسب الإحصاءات الصادرة عن دائرة الأحوال المدنية العام 2015". ويرى المحاسيس أن الجهود ما زالت في البداية، وأن فئات الإعاقة مختلفة وكثيرة جدا، وتحتاج الى تضافر الجهود ما بين المجلس والوزارة، كما أن بعض الطلبة يحتاج الى وسائل وكتب مدرسية مختلفة. ويضيف أن المدارس المتخصصة الموجودة في الأردن للطلبة من ذوي الإعاقة قليلة جدا مقارنة بالدارسين فيها، والأصل أن تكـون المدارس الحكومية وعددها 4 آلاف، قادرة على استيعاب مختلف الإعاقات، مؤكدا ضرورة وجود تفكير متكامل لتوفير مناهج وكتب مدرسية ومواد وأجهزة وبنية تحتية لهؤلاء الطلبة. ويشير إلى أن "أكبر تحد يواجه البرامج والطلبة ذوي الإعاقة هو الثقافة الموجودة لدى مجتمعنا"، داعيا "ألا يتم النظر إلى هذه الفئة نظرة العطف، بل انطلاقا من حقها التعليم. وهذا ما ضمنه لها الدستور الأردني"، مرجحا أن تشهد المرحلة المقبلة نقلة نوعية لهذه الفئة من حيث وجود برامج متخصصة لها. ويختم المحاسيس بالقول: "حان الوقت لنستثمر هذه الفرص، ولدينا جيل واع وطلبة ذوو إعاقة متعطشون للالتحاق ببرامج التعليم، ولنوفر لهم تلك الفرص".اضافة اعلان