محامون وتكنولوجيا

من الواضح أن وزارة العدل قطعت أشواطا مهمة نحو التحديث. فنظرة قريبة على البوابة الإلكترونية "www.moj.gov.jo"، تُظهر كمّاً من الخدمات الجاهزة. وقد نجحت الوزارة في تنفيذ عدد من التحديثات على الأرض، إدراكا منها لضرورة منع الازدحامات في الجهاز القضائي، ولوجود دعم داخلي ودولي لمؤسسة العدل والقضاء في الأردن، التي تفيض بالخبراء وبالعقول القانونية النيّرة، وتحمل توقعّات المستخدم المُرتفعة في كلّ شيء!اضافة اعلان
لكن كما يقولون، فإن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ما يخلق الاختناقات ذاتها قبل الأتمتة وبعدها، وليظهر ذلك عبر سلاسة الاستخدام اليومي للنظام، وفي إدارة المورد والإدارة العامة، والتدريب، وفي مقاومة التغيير للتكنولوجيا لدى المُستخدمين. كما ويحدثُ تباطؤ عند تضخيم الإنجاز حول تفاصيل من مثل: "لقد نجحنا في إصدار شهادة عدم المحكوميّة إلكترونيّا"، ثم لا يتم التواصل بغير ذلك. وسيظلّ الاستماع إلى صاحب الإجراء، وهو المُحامي، أهم شيء. فالمحامي هو القائم على الأسئلة والإجابة وعلى التطبيقات في آن واحد! الأمر الذي يعلمه المحامون جيّدا. ولهذا، توجد اليوم مطالب واقعيّة من المحامين للبناء على الخطوات السابقة، من مثل التحضير لعمليّة التقاضي على الشبكة الإلكترونيّة بالذات بعد اكتمال التشريعات (التوقيع والدفع الإلكترونيان، وقانون الجرائم الإلكترونية).
فالادّعاء والمُطالبة بالحق يمكن أن يتما إلكترونياً، تماما كما في قضايا الجمهور العامّة من استعلامات؛ إذ لا حاجة للحضور الشخصي لإنشاء القضايا الحقوقيّة. وهي ممارسة لدى محاكم دبي وأميركا، بحيث تُسّجل القضايا، ويتم تقديم الطلبات الحقوقية وغيرها من الإدخالات إلكترونيا، ويتم ربطها بالمحكمة المُختارة وتحديد المُتقاضين والمحامي وشخص القاضي ونوع الدعوى ورقمها وكل التفاصيل "على الشبكة". هذا وقد سجّل تطبيق نظام "ميزان" أعلى درجات الاستخدام والقبول بين المحامين في الأردن، بحيث يُعتبر النظام الأساسي في عمل المحاكم ومتابعة إجراءات التقاضي، وإن كان في المحكمة ذاتها وليس "عبر المحاكم".
وعلى صعيد الجهد الذي تضمّن إنشاء مركز حاسوب رئيس بقاعدة بيانات وشبكة اتصال لتبادل البيانات وتخزينها، فإن المحامي اليوم لا يستطيع الاستعلام عن قضيّة مُسجّلة في محكمة أخرى، ما يعني أنّ "الربط الإلكتروني" بين المحاكم الخمس في عمان غير مُكتمل؛ كأن تبحث من محكمة في شمال عمان عن قضية من اختصاص غرب عمان.
وفيما يتعلّق بـ"نظام الأرشفة" الإلكتروني، فلم يتم الوصول إلى الملف الإلكتروني الكامل بعد؛ فالإدخالات الإلكترونية تحتاج قوى بشرية تتمثل في عدد كبير من مُدخلي البيانات، ولملفّات كبيرة في قطاعات مثل البنوك وشركات التأمين بآلاف من القضايا المُدوّرة والمنظورة يوميا، ما أدى إلى عودة للملفات على الرفوف، ثمّ الرجوع لليدويّة السابقة.
وهناك أشياء أخرى يحتاجها قصر العدل للمضي بالتحديث، من مثل تحضير قاعة التقاضي الإلكتروني بإمكانية الاستماع عبر "سكايب"، أو تجهيز القاعات الداخلية بأجهزة حاسوب، أو وجود طابعات لإتمام الأرشفة لدى دوائر التنفيذ، أو تأمين الإنترنت فائق السرعة، والإلحاق الكامل بالشبكة الحكومية الآمنة لحساسية المحتوى. كما وتوفير مكتبة علميّة إلكترونية لتحوي المراجع القانونية العالمية ولتصفح "ويكيبيديا" والتحرير القانوني عليها، وتوفير استخدام لبرنامج مجموعة القوانين والقرارات التمييزيّة على الشبكة. ولا بأس أيضا من خفض الصوت في باحة قصر العدل، ومنع التدخين تماما، وتنظيم خدمات الضيافة، وهندسة اصطفاف السيارات، والتأكّد من دورات مياه السيّدات والجمهور بعد فحص صلاحيّة الأجهزة الإلكترونية بما فيها الكاميرات.
كما وستُتيح الخدمة الإلكترونية المُقترحة ميزة السرعة لأصحاب الادّعاء، بمن فيهم الادّعاء العام والمحكمة. ومن الجليّ اليوم أنّ نصف زيارات المُحامين وحركتهم إلى المحاكم تنتهي أمام القاضي إمّا بطلب التأجيل أو بطلب إعطاء المُهلة! والقُضاة يعملون على مدار الساعة، والمحامون يشعرون بأنّهم معلّقون بأزمات سير وانتظارات طويلة على أدراج قصر العدل الذي ينوء بالأحمال الكثيرة.

*خبيرة في تكنولوجيا المعلومات