مطالبات باستراتيجية حكومية للحد من العنف الجسدي ضد الأطفال

صورة تعبيرية للعنف الممارس بحق بعض الأطفال- (أرشيفية)
صورة تعبيرية للعنف الممارس بحق بعض الأطفال- (أرشيفية)

نادين النمري

عمان - أثارت قضية مقتل طفلة على يد والدها بعد تعرضها للضرب المبرح، دعوات لوضع استراتيجية حكومية قابلة للتنفيذ للحد من العنف الجسدي ضد الاطفال، بحيث تشمل برامج مهنية متعددة وتعديل التشريعات بما يضمن تغليظ العقوبات.اضافة اعلان
وكانت فتاة في العاشرة من عمرها قضت بعد تعرضها لضرب مبرح من قبل والدها بعد ان اتهمتها معلمة في مدرستها بسرقة زميلتها، في حين وجه مدعي عام الجنايات الكبرى جريمة الضرب المفضي الى الموت بحق الأب.
وعكست القضية، بحسب متخصصين، جوانب القصور في التشريعات والإجراءات المتعلقة بحماية الطفل من العنف، لافتين الى “مواضع الخلل في قانون العقوبات، تحديدا المادة 62 من القانون التي تبيح الضرب التأديبي من قبل الوالدين بحق الطفل، فضلا عن العقوبة المخفضة للوفيات الناجمة عن الضرب المبرح”.
وتمتد جوانب الخلل كذلك الى “انعدام وجود البرامج المجتمعية على المستوى المحلي للتوعية بالسلبيات المتعلقة بالضرب كأسلوب للتأديب وانعدام الخدمات الاجتماعية وضرب برامج الإرشاد التربوي”.
ويبين مستشار الطب الشرعي والخبير لدى مؤسسات الامم المتحدة في حماية الاطفال من العنف الدكتور هاني جهشان إن “85 % من حالات العنف الشديدة والقاتلة ضد الطفل مرتبطة بسلوك سابق لفرط التأديب من قبل راعي الطفل”.
ويرى ان “مواجهة العنف من قبل مقدمي الرعاية للطفل يتطلب وضع الأطر والاستراتيجيات موضع التنفيذ بتوفير برامج مهنية متعددة القطاعات، بما فيها القطاع التربوي، يمكن تطبيقها ورصدها وقياس نتائجها، بحيث تكون الحكومة المسؤولة عن توفير الدعم المالي المستدام من ميزانية الدولة بالإضافة للدعم الإداري والمهني”.
ويوضح “للأسف ان غالبية برامج حماية الطفل من العنف تعتمد على برامج اجنبي، في حين أثبتت الخبرة العملية بالميدان أن الاعتماد على الدول المانحة للقيام ببرامج حماية الطفل تفتقد للاستدامة، وبالتالي توقفها يشكل انتهاكا لحقوق الطفل.
ويلفت جهشان الى “ضعف التشريعات المتعلقة بحماية الطفل من العنف الجسدي، مطالبا في هذا الصدد بتعديل قانون العقوبات لسنة 2011 وتم به تشديد العقوبات في مادة 330 المتعلقة بجريمة الإيذاء المفضي للموت بحيث أصبح الحد الأدنى للعقوبة اثنتي عشرة سنة إذا وقع الفعل على من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره، والمادة 345 مكررة ألغت استخدام العذر المخفف في مثل هذه الجرائم”.
ولفت الى ضرورة ان “يشدد المشرع العقوبة على جريمة الإيذاء المفضي للموت إذا حصل على طفل داخل الأسرة تحديدا، بسبب الظروف والمخاطر الكبيرة لدى حصولها داخل الأسرة، وقد تكرر ذلك عدة مرات كان آخرها وفاة الطفلة في الزرقاء”.
ويشير جهشان الى “المادة 62 من قانون العقوبات التي تبيح الضرب التأديبي للأطفال، والتي رغم كل محاولات تجميلها بتعديلات تبقى شوكة في التشريع الأردني، فوجودها مؤشر على عدم احترام الحكومة والنواب لحقوق الطفل في الأردن، رغم المطالبات المتعددة من لجنة حقوق الطفل الأممية في جنيف لإلغائها كلياً”.
وتنص المادة 62 على انه “يجيز القانون أنواع التأديب التي يوقعها الوالدان بأولادهم على نحو لا يسبب إيذاءً أو ضرراً لهم ووفق ما يبيحه العرف العام”.
ويرى جهشان أن “هذه المادة بمثابة الضوء الأخضر التي يسمح بضرب الأطفال تأديبيا، وليس هناك على أرض الواقع مجال لضبط تحول الضرب التأديبي خلف جدران المنازل المغلقة إلى عنف ومن ثم لإيذاء مفضي للموت أو إلى عنف قاتل”.
وكانت دراسة الأمين العام للأمم المتحدة دعت ليس فقط لإلغاء مواد القانون التي تسمح بالضرب التأديبي من مثل المادة 62 من قانون العقوبات الأردني، بل لإيجاد مواد متخصصة في قانون العقوبات أو قانون حقوق الطفل (إن وجد) لتشديد العقوبات الواقعة على أي إيذاء يقع على الطفل داخل أسرته.
من ناحيته، يلفت الخبير في مجال حماية الطفل محمد شبانة الى “أوجه القصور في توفير برامج مجتمعية على ارض الواقع تتعلق بوضع برامج لحماية الطفل من العنف والتنبيه من خطورة الضرب الجسدي كوسيلة للتربية”.
ويحذر شبانة من التبعات السلبية للتأديب باسلوب الضرب واثرها النفسي السلبي على الطفل، وتطوره مستقبلا، مبينا انه “ثبت عدم نجاعة هذا الاسلوب في تعديل السلوك الخطأ لدى الطفل، انما ينجم عنه مشاكل أخرى لدى الطفل وعلاقته مع أسرته”.
ويشير شبانة الى انه في حالات معينة قد يؤدي تفريغ ثورة الغضب على مقدم الرعاية او احد الوالدين بأثار سلبية مدمرة، كما حصل في حالة طفلة الزرقاء، والتي قتلت نتيجة للجهل بأسلوب التربية.
ويبين الأصل أن يكون هناك مبادرات فعلية على ارض الواقع يقوم بها المجتمع المحلي فضلا عن المسؤولية الملقاة على عاتق المدارس في توعية الاهل بأساليب التربية للابناء، عن طريق عقد حلقات نقاشية ولجان الأهالي فضلا عن المتابعة والمراقبة من قبل الأساتذه والمرشدين التربويين.
من ناحيته، يلفت جهشان الى أسباب غياب دور المدرسة في الاستجابة والوقاية من العنف ضد الطفل وخاصة العنف داخل أسرته التي تعود الى ضبابية مفاهيم حقوق الإنسان وحقوق الطفل لدى الأعم الأغلب من المعلمين ولدى العاملين في المدارس بالمجالات النفسية والاجتماعية والصحية. فهذه المفاهيم لا يتم التدريب عليها في ورشات عمل متخصصة وغائبة من المناهج الجامعية لإعداد المعلمين والمهنيين.
ويشير جهشان الى “الثقافة السائدة بالمجتمع والتي تتصف بالتسلطية من قبل البالغين على الأطفال، فهناك اعتقاد شائع بأن البالغين لهم حقوق مطلقة في تربية الأطفال، وأن الشدة والقسوة هي السلوك الصحيح، وهذه الثقافة ليست حكرا على الأبوين بل تمتد للمعلمين وبرضى الأسرة”.
ويتطرق الى “انتشار رهاب التعامل مع حالات العنف ضد الأطفال لدى اكتشافها في المدرسة، وبالتالي التغاضي عن تبليغ الجهات الرسمية عنها أو المساهمة في علاجها وبمرور الوقت تصبح مشاهدة طفل معنف بالمدرسة أمرأ طبيعياً”.
ويبقى غياب إجراءات موثقة معروفة ومعلن عنها في جميع مدارس المملكة لها مرجعية قانونية ومهنية تلزم المعلمين والمهنيين في القطاع التربوي التعامل والتبليغ مع حالات العنف ضد الأطفال، اعائق رئيسيا امام التعامل مع مشكلة العنف ضد الأطفال، في حين تلقى على وزارة التربية والتعليم المسؤولية المباشرة على وجود وتطبيق ورصد تنفيذ هذه الإجراءات.