مع بداية العام الدراسي: طلبة ذوو إعاقة يكافحون التمييز والرفض

1
1

نادين النمري

عمان- بعد أكثر من خمس سنوات من المعاناة في محاولة الالتحاق بمدرسة حكومية، تمكن يزن أخيرا من الانتظام في مدرسته في لواء الهاشمية كطالب في الصف الرابع، متغلبا على معوقات فرضتها بعض الإدارات المدرسية أمام حقه بالتعليم، بحجة أنه "طالب من ذوي طيف التوحد".

اضافة اعلان


وفي هذا الصدد، تقول والدة يزن: "دخل ابني المدرسة بعد صراع مرير، أردت تسجيله بالصف الاول في مدرسة حكومية في منطقتنا، لكن المديرة رفضته بحجة فرط حركته وعدم القدرة على السيطرة عليه، فضلا عن عدم جاهزية المدرسة لاستقبال طالب بحالته".


وتضيف: "تمسكت بحق ابني بالتعليم، وقمت بعرض شكواي على إحدى الإذاعات، وبعدها جاء قبوله في المدرسة لكن شريطة كتابة تعهد بمرافقته. لم أشعر يوما بالراحة، كنت أحس أن هناك رفضا لابني، ما دفع بنا الى تسجيله في مدرسة خاصة في عمان".


وتتابع: "كان يذهب يزن يوميا الى مدرسته برفقة عمه، بقي في المدرسة الخاصة حتى أزمة كورونا، ومع صعوبة الاوضاع والتوجه للتعليم عن بعد أعدت تسجيله بالمدرسة في المنطقة على نظام التعليم عن بعد".


ومع بداية العام الحالي توجهت ام يزن الى مدرسة الذكور الحكومية في منطقتها، وكان المدير غاية في التعاون حسب وصفها، حيث تقول: "بدا المدير متعاونا جدا، قال لنا إن من حق ابني الالتحاق بالتعليم المدرسي، وكنت قد حضرت ورقة تعد بالالتزام بوجود مرافق معه خلال ساعات الدوام، لكن المدير قال أن لا حاجة لهذه الورقة".


ورغم ايجابية التجربة في العودة للمدرسة، لكن والدة يزن لا تخفي خوفها على ابنها مما سيواجهه في المدرسة، ربما من المجتمع المحيط أو الطلبة، وتقول: "لغاية الآن الأمور جيدة جدا، وقام المدير بتوعية زملاء ابني بالصف، لكن ذلك لا يمنع من أن يبقى يتملكني شعور بالخوف والتوتر، خصوصا انني مررت بتجارب سابقة في احدى الروضات شعرت فيها بالرفض لوجود ابني بسبب حالته، أخاف عليه من تعرضه للتنمر أو الاستهزاء".


ووفق مدير إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور سامي المحاسيس، فقد التحق نحو 24 الف طالب من ذوي الإعاقة بالمدارس الحكومية، موزعين على 3981 مدرسة، منها 10 مدارس للصم ومدرسة للمكفوفين.


وأكد المحاسيس في تصريحه لـ"الغد" أن التعليم داخل مدارس وزارة التربية والتعليم هو حق للطلبة ذوي الإعاقة كفله القانون والدستور، ولا يحق لأحد سلبهم هذا الحق".


وفي مقابل قصة يزن، وردت لـ"الغد" شكاوى من أهالي طلبة لم يتمكنوا من تسجيل أبنائهم في المدرسة، بعدما وضع مديرو المدارس شروطا تعجيزية أمام الأهالي كحالة الطفل هاشم المهتدي ابن الثماني سنوات ونصف السنة، الذي من المفترض أن يكون في الصف الثالث حاليا.


ولدى هاشم شقيق توأم يذهب الى المدرسة، حيث تقول الأم: "ذهاب شقيقه الى المدرسة جعل اليوم الاول من المدرسة يوما صعبا وقاسيا علينا. رفض ابني من المدارس بسبب إعاقته الحركية (شلل دماغي)، تذرعت المديرة باستخدامه للكرسي المتحرك وعدم استقلاليته كسبب لرفضه في المدرسة".


وتروي أم هاشم كيف حل عليهم اليوم الاول من المدرسة: "مع خروج شقيقه من المنزل لركوب باص المدرسة أسقط هاشم نفسه عن الكرسي المتنقل وزحف حتى الباب وخبط عليه وبقي يردد كلمة (مدرسة.. مدرسة). يرغب هاشم بالالتحاق بالمدرسة وأن يكوّن صداقات، ودائما يطلب مني الكتب".


وتضيف: "بقي جالسا صباح ذلك اليوم على الشباك حتى عاد شقيقة من المدرسة، لم يتوقف عن البكاء، كان الأمر مرهقا لنا جميعا".


وتقول: "نعيش في محافظة الكرك، من المعروف ان مراكز التأهيل في محافظات الجنوب دون المستوى المطلوب. التحق ابني منذ بداية تشخيصه بمركز تربية خاصة للتأهيل، لكن المراكز التي سجل فيها غير مهيأة وتفتقر للكوادر، هذا فضلا عن التعنيف اللفظي والجسدي".


وتوضح: "ليس لدى ابني اي تحديات ذهنية، فهو بمستوى شقيقه نفسه، لكن المشكلة بالمهارات الحركية، للأسف لم يتلق التأهيل الوظيفي والحركي اللازم، وحاولت أكثر من مرة دمجه حتى من قبل سن المدرسة في رياض الاطفال، لكن محاولاتي جميعها باءت بالفشل".


وتزيد: "في الصف الاول حاولت وضعه في مدرسة حكومية، لكن المديرة قالت إن الطفل لديه اعاقة حركية ويستخدم كرسيا وليس لديه استقلالية، ورفضته بسبب ذلك، لكنني لم أسكت وبقيت مصرة على حق ابني في التعليم. وافقت المدرسة لكنها اشترطت وجود مرافقة لمساعدته في التنقل".


ولم تقتصر التحديات على اشتراط وجود مرافقة، بل كان التحدي الاكبر أن صف ابنها في الطابق الثاني ولا وجود لمصعد.


وتضيف أم هاشم: "هذا العام ذهبت مجددا لتسجيله في المدرسة، وكانت حجة الادارة انه لا يوجد لديهم عدد كاف من الطلبة من ذوي الاعاقة لفتح شعبة خاصة. ما يجري انك تحصل على الموافقة لكن يلي ذلك العديد من التعقيدات التي تدفع بالأهل لإبقاء اطفالهم في البيت".


وتختم: "حاليا أقوم بتدريسه من كتب شقيقه لكن ذلك لا يكفي، لن يكون ذلك كالذهاب إلى المدرسة".


كما يعاني سليم في دخول المدرسة من رفض الإدارة وتنمر الاهالي والطلبة عليه، حيث تقول أم عبدالله: "عانيت كثيرا لإدخال ابني للمدرسة، فهو دخل الصف الاول في عمر العشر سنوات في إحدى المدارس الحكومية، لكن بعد أيام تقدمت أم أحد الأطفال بشكوى بطلب اخراج ابني من المدرسة بسبب خوف ابنها منه ومن حجمه، كونه اكبر سنا من باقي الأطفال".


غير أن الأم تمسكت بحق ابنها بالتعليم، لكنها فوجئت بشطب اسمه من ملفات الوزارة وتحويله للدراسة المنزلية بعد تلك الحادثة.


ويبلغ سليم من العمر حاليا 14 عاما، ومع بداية العام، وبعد عناء طويل، تمكنت من تسجيل ابنها في مدرسة حكومية، لكن المدرسة أخبرتها ان دوام ابنها سيكون فقط عن بعد، ولن يتم اشراكه في حصص التعليم الوجاهي بسبب حالته "متلازمة داون".


ويعاني سليم من حالة نفسية سيئة بعد أن وجد نفسه محروما من التعليم الوجاهي لا لسبب بل بحجة "كبر حجمه".


ولدى سليم شقيق آخر أصغر سنا هو عبدالله، وتشخيصه "شلل دماغي مع اعاقات متعددة (سمعية وبصرية وحركية)". تقول الأم: "ليست المشكلة فقط في التعليم بل ايضا في الوصول إلى خدمات التأهيل، فخدمات العلاج الطبيعي والنطق والعلاج الوظيفي جميعها عالية التكلفة وغير مشمولة بالتأمين الصحي للأسف".


أما والدة الطفل يوسف التميمي فاختارت طوعا تأخير إلحاق ابنها ذي الاعاقة الحركية (شلل دماغي) بالمدرسة إلى حين تطوير قدراته الحركية، وتقول: "المشكلة أن أي مدرسة تشترط وجود مرافق للطفل او معلم ظل، أضف الى ذلك أن المدارس الخاصة بمجرد أن تعرف أن الطفل من ذوي الإعاقة تتم مضاعفة القسط المدرسي".


وتضيف: "حاولت ادماج طفلي في روضة خاصة، وبعد المقابلة اشترطت الروضة إضافة 1500 دينار للقسط ومعلمة ظل".


من جانبه، يؤكد الدكتور المحاسيس على سياسة وزارة التربية والتعليم بضمان حق التعليم في المدارس لجميع الطلبة ذوي الاعاقة، مشددا على ان الوزارة عممت على مديري التربية ومديري المدارس بقبول جميع الطلبة ذوي الإعاقة، وأنه في حال رفض اي طالب فهو غالبا "خطأ وممارسات فردية"، فيما دعا أي عائلة تواجه مشكلة مماثلة مع ابنها التوجه بشكوى لوزارة لمديرية التربية والتعليم التي تتبع لها.


ويضيف: "ما نزال في بداية العام الدراسي، وندعو الجميع لمراجعة مديريات التربية للتعامل مع أي تحد، قد يكون هناك بعض التحديات في المدارس المستأجرة مثلا التي غالبا تكون غير مهيأة أو في بعض الحالات يكون الطفل بحاجة الى مرافق، لكنها جميعها أمور يمكن حلها بما يضمن حق الطفل في التعليم".


من جانبه، يقول الامين العام للمجلس الأعلى لحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة الدكتور مهند العزة إن "مسألة رفض اي طالب او طالبة بسبب الاعاقة، سواء كان الرفض مباشرا او غير مباشر، عبر وضع العراقيل، فهذا امر مرفوض ومخالف للقانون، ويستوجب العقاب الاداري، واذا اقتضى الامر يمكن اللجوء الى القضاء".


وناشد العزة جميع اولياء الامور الذين يواجهون أي مشكلة من هذا النوع، للمبادرة والتواصل مع المجلس من خلال الموقع او التلفون او الزيارة المباشرة، او من خلال اي وسيلة حتى يكون دورنا بالتدخل لقبول الطالب او الطالبة والقيام بزيارات حثيثة من المجلس ووزارة التربية للمدرسة التي تم تسجيله بها، للتأكد من أنه تم تقديم كل التسهيلات، أما إذا كانت المدرسة غير مهيأة فيجب إيجاد البديل، لكن من غير المقبول إطلاقا أن لا يلتحق الطالب بالمدرسة لأن المدير لا يرغب بذلك".


ويزيد: "أعتقد ان قمة التمييز والإقصاء ان يرفض طفل من مدرسة، وان يقال للأهل ابنكم مخيف، وهو امر يستوجب المساءلة"، مشددا على المتابعة المستمرة للمجلس لكافة الحالات والشكاوى، وفي حال ثبوت رفض التسجيل سيتم بكل تأكيد اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وتابع: "نحن يهمنا أن تكون البيئة مريحة ومقبولة، ولهذا نستمر بالمتابعة والقيام بزيارات للتأكد من البيئة المدرسية التي يلتحق بها الطلبة".