السودان على طريق الفوضى الخلاقة

د. محمود عبابنة
د. محمود عبابنة
د. محمود عبابنة الأحداث المؤسفة المتسارعة على أرض السودان متمثلة بالاشتباكات المسلحة، والتي ستأتي على الأخضر واليابس تعيد إلينا مشهد ما تجسد في ليبيا واليمن وسورية والعراق لسنوات، وتخلق مشاعر جديدة لدى الجماهير العربية تجاه قادة هذه الدول الذين رغم ديكتاتوريتهم، إلا أنهم وفروا لشعوبهم حدا أدنى من الأمن والاستقرار، وأصبح ما يقال عن صدام حسين بالصوت العالي يهمس به عن القذافي وصالح والبشير، وسيتضاعف حنين الناس لأيام حكمهم ويصبح شعاراً عالي الصوت، مرادفاً للدعاء بالرحمة عليهم وندماً على خذلانهم. هذه الدراما التاريخية لهذه الدول، تثير لدى الجماهيرالعربية سلسلة من التساؤلات التي لا تنفك ولا تنتهي، وتكمن في عمق الوجدان العربي وضميره وهي تتطور من يوم إلى آخر، وتطرح السؤال الأزلي متى يتوقف شلال الدم والبارود والفرقة؟ اقترابنا من مقاربة العيش مع الاستبداد والقمع وقليل من الأمن والسلام خير مما تحمله بيانات الثوار عن قضية الديمقراطية والحرية والوئام. الشعوب العربية في دول هؤلاء القادة لم تكن في بحبوحة من العيش الرغيد، لكن أطفالهم كانوا يذهبون إلى المدارس ومرضاهم إلى المستشفيات، وكان الناس يسيرون على طرق معبدة ويأمنون على أسرهم داخل بيوتهم، ويبدو أن هذه الشعوب إذا خيرت بين الواقع الحالي وبين أن تعود إلى الوراء ليتم حكمها بالقمع والمنع مع توفير مستلزمات الحياة الأساسية فسيهرولون إلى هؤلاء الرؤساء ويحملونهم على الأكتاف منادين: ليعش الحاكم الديكتاتور العادل ولتسقط ثوراتكم المدمرة للحجر والبشر. اليوم نشهد الفوضى الخلاقة التي نادت بها سيئة الصيت والسمعة كونداليزا رايس تجري على مسرح الوطن العربي دون رتوش أو إضافات. حتى إن الخلفية الدافعة لما آلت إليه هذه الدول وقادتها متشابهة إلى حد ما ، باستثناء الرئيس العراقي صدام حسين الذي أطيح به من قبل قوات التدخل الأميركي بجناية وأكذوبة امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ولذلك كسب ود ومشاعر الجماهير العربية المؤيدة له، باعتبار أنه ناكف إيران أولاً وأميركا وإسرائيل لاحقاً، وساهم في بناء مجد العراق العروبي والعلمي والثقافي، أما الباقون الذين تمت الاطاحة بهم بالصراعات الداخلية التي تطورت إلى حروب أهلية لم تبق ولم تذر في السباق المحموم للفوز بكرسي السلطة، وما رافق ذلك من تدميرلمقدرات بلادهم وقتل لشعوبهم. هؤلاء لم ينالوا من التعاطف والتضامن الذي ناله صدام، والسبب أن خصومهم من أبناء جلدتهم، ولذلك انقسم الناس في البداية بين علي صالح وعبد ربه منصور، وبين حفتر والدبيبة، وبين البرهان وحميدتي، ولكنهم في طريقهم لقبول معادلة الأمن والاستقرار في ظل الديكتاتورين، بدلاً من معادلة الحرب الأهلية والتدمير في ظل ديمقراطية المتحاربين المرتبطين بالخارج، على قاعدة أعطني كرسي الحكم وأعطيك البلد. يجب أن نعترف في ضوء تجربة ما سمي بالربيع العربي أن ماراثون الديمقراطية والحرية يحتاج إلى وقت طويل، ويجري السير للوصول إليه في دهليز مظلم وليل طويل لن ينجلي عن صبح الديمقراطية والحرية التي لم تجر التهيئة لها، وأن بعض الشعوب ما تزال غير مستعدة لها، كما أن مفاهيم الديمقراطية والحرية ما تزال مبهمة ومتداخلة مع الفوضى والأنانية في منطقتنا العربية التي لا تحتاج إلا لمن يحرك خيوطها ويجند من يشعل نارها من بعيد عن طريق الريموت كنترول ليجعلها خلاقة.اضافة اعلان