حرب الأردن المفتوحة على المخدرات

د. أشرف الراعي
د. أشرف الراعي
منذ اندلاع الأزمة السورية، وحتى اليوم، كان الأردن قد واجه الكثير من التحديات في محاربة انتشار المخدرات وتجارتها «غير المشروعة» من خلال مواجهة العصابات الإجرامية الخطيرة بالتعاون والتشارك مع مختلف الجهات المعنية في هذا المجال، كواحدة من الأولويات الرسمية لحماية مجتمعنا، وشبابنا، من آفة الإدمان، وكذلك الجريمة المنظمة المرتبطة بتجارة المخدرات.اضافة اعلان
لذلك اتخذت الجهات الرسمية خطوات فعالة لمواجهة هذه الآفة؛ حيث شددت من العقوبات ضد المتاجرين والمتعاطين، كما عززت من قدرات قوات الأمن والجمارك في اكتشاف وضبط شحنات المخدرات المهربة عبر الحدود البرية والبحرية والجوية، بالتعاون الوثيق مع العديد من الدول المجاورة، والمنظمات الدولية المعنية، لا سيما في تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني لتفكيك شبكات التهريب الإقليمية والدولية.
وليس هذا فحسب، بل كثفت من الجهود على تشديد الرقابة على المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة المخدرات وتتبع مصادر تمويل عمليات التهريب، إلى جانب التوعية والوقاية من خلال حملات توعوية موجهة للشباب والأسر حول أخطار تعاطي المخدرات، فضلا عن تعزيز برامج العلاج والإرشاد النفسي والاجتماعي للمدمنين لمساعدتهم على التعافي والاندماج في المجتمع بشكل إيجابي.
لكن ومع ذلك كله تبقى المخاطر والتحديات قائمة في ظل تنوع مصادر وطرائق التهريب وانتشار المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ملاذا في بعض الأحيان للوصول إلى هذا النوع من التجارة المحرمة، مع حاجة الأردن إلى مزيد من الدعم الدولي والموارد لتعزيز قدراتها في هذا المجال الحيوي للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع.
يأتي ذلك خصوصا وأن منطقة البادية الأردنية الحدودية مع سورية تعد من أكثر المناطق تضرراً من العصابات الإجرامية الخطيرة بسبب طبيعتها الصحراوية، كما مثلت حركة اللاجئين السوريين المكثفة تحدياً زائداً كان يمكن أن تستغله عصابات الاتجار بالمخدرات، في مقابل الجهد الاستخباراتي الكبير الذي تبذله قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية لرصد وتعقب شبكات التهريب.
ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى الدور الذي تلعبه المملكة في دعم جهود إعادة الاستقرار في سورية بما يساعد بشكل كبير في الحد من مصادر المخدرات غير المشروعة القادمة من الجانب السوري وتسهيل السيطرة على الحدود البرية المشتركة، فضلاً عن دور الأردن المحوري في حماية دول الخليج العربي من محاولات تهريب المخدرات إليها، ضمن جهد أمني إيجابي مشترك؛ فالموقع الجغرافي للأردن يجعله نقطة عبور رئيسية للشحنات المهربة من مناطق إنتاج المخدرات لكن جيشنا الباسل وقواتنا الأمنية بالمرصاد.
إن كل الجهود الإيجابية لا بد وأن تؤتي أكلها، لكن هناك مجموعة من الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في وضع حد فوري لهذه الآفة أهمها التوعية؛ حيث يلعب القانونيون ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني دورا محوريا في التوعية بمخاطر المخدرات والحد من انتشارها في المجتمع الأردني، فضلا عن الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والمراكز الشبابية من خلال تنظيم ورش عمل وندوات وأنشطة توعوية في المدارس والجامعات والأحياء السكنية، مع تقديم برامج الإرشاد والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من المخدرات وأسرهم.
وليس هذا فحسب بل لا بد من تكثيف الحملات التوعوية الموجهة للشباب والأسر في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية، بمشاركة منظمات المجتمع المدني والخبراء والمتعافين من الإدمان لزيادة التأثير، وتطوير برامج متخصصة للكشف المبكر عن حالات تعاطي المخدرات في المدارس والجامعات، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للطلاب المتعاطين لمساعدتهم على التعافي مع إشراك القطاع الخاص، خاصة شركات الشحن والنقل والمصارف، في جهود مكافحة غسيل أموال تجارة المخدرات وتمويلها.
كما لا بد من توفير فرص عمل وبرامج تمكين اقتصادي للشباب والفئات المهمشة لمنع انجرارهم إلى تعاطي المخدرات أو الانخراط في تجارتها وتعزيز الإطار القانوني لمكافحة المخدرات بتشديد العقوبات على المتاجرين والمهربين، وتجريم غسيل أموال تجارة المخدرات بشكل صريح وتخصيص موارد مالية وبشرية كافية لتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة المخدرات، تجمع جهود جميع الجهات المعنية بمختلف مجالاتها.
ومن الضرورة بمكان التوعية بالعقوبات القانونية الصارمة في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية وقانون العقوبات وغيرها من القوانين ذات العلاقة بما فيها قانون الجرائم الإلكترونية الجديد؛ والتي تنص على عقوبات كبيرة قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على مائة ألف دينار لكل من قام بالاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، والأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار لكل من زرع أو أنتج أو صنع مادة مخدرة أو مؤثرة عقلية، وغيرها الكثير.
نحن أمام تحد وطني كبير، لكن أجهزتنا الأمنية وجيشنا الباسل في مواجهته، ولدينا القدرة على التصدي له، وهي ثقة مطلقة بما تقوم به قواتنا المسلحة بقيادة ملكية وتوجيهات صارمة بضرورة حماية مجتمعنا من كل ما يمس أمنه أو يؤثر على منجزاته.. حمى الله الأردن.