"الشخصية السامة" تتفنن بتوجيه سهام التجريح وإيذاء الآخرين

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان – لم يكن يعلم راشد عبدالرحمن (33 عاما) السبب وراء تعمد "مضايقة" زوجته باستمرار حينما يعود للمنزل، كان يشعر بينه وبين نفسه أنه "يبالغ" كثيرا بردة فعله عليها، خصوصا أنها لا تتسب بإزعاجه أبدا، بل تحاول دائما فعل كل ما يسعده.اضافة اعلان
كان يشعر أن "نارا" تشتعل بداخله ويريد أن يصبها على زوجته بسبب وبلا سبب. هو يدرك من داخله أنه كلما ذهب لبيت عائلته يتعرض لسيل من انتقادات دائمة من شقيقاته وقريباته لزوجته، "ما بتعرف تلبس ولا تحكي.. على شو ماخدها.. انت احسن منها.. علمها كيف تتعامل وتجامل الناس".. تلك بعض من عبارات يطلقونها عليها دائما بوجوده رغم مدافعته عنها وتبرير مواقفها.
لكنه تلقائيا كان يتأثر من أقرباء سلبيين، ليذهب إلى البيت ويبدأ بمضايقة زوجته وانتقادها، وهي لا تعلم سبب تغيره المفاجئ هذا!
نداء خالد لم تتوقف لحظة عن البكاء وهي تسند ظهرها إلى الحائط، تغطي وجهها بيديها، ترفع رأسها وتنظر إلى ابنتها التي ضربتها للتو بأسى" لتشعر بندم لا يحتمل.
يرجع بها الوقت إلى ما قبل نصف ساعة تحديدا، وبمجرد ذهاب الضيوف، أغلقت باب البيت، والتفتت إلى ابنتها ذات الأعوام السبعة وضربتها على وجهها، والصراخ المستمر بسبب سوء سلوكها.
عندما تتذكر الموقف، تعض أصابعها ندما، وتعذر طفلتها، فهي لم تسيء التصرف، لكنها كانت كبش فداء الضغط النفسي الذي سببته لها قريبتها من انتقادات عدة حول طرق تربيتها، وتصرفاتها، إدارة بيتها.
تقول إن والدتها كانت تحذرها دوما من اشخاص همهم الوحيد توجيه الانتقاد اللاذع للغير، ونصائحهم السامة. لذلك كانت نداء واحدة من المتضررين من وجود أشخاص سلبيين أو سامين، كما أسماهم اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، وهؤلاء قادرون على زرع المرض الحقيقي في جسد الإنسان وليس إلحاق الضرر العاطفي والنفسي فقط.
ويؤكد مطارنة صعوبة التواصل مع الناس السامين والذين لا يعجبهم أي شيء، يبثون أفكارهم وحتى نصائحهم المضرة طوال الوقت وفي كل المناسبات، كأن لا تذهب إلى النادي الرياضي لأنك قريبا ستبتعد عنه ويعود جسدك كالسابق، وهو ما تكون نتيجته التوتر العصبي، والإفراط في تناول الطعام، مشددا على أن الأشخاص السامين لا يؤذون الآخرين عاطفيا وحسب، إنهم أيضا خطر على الصحة.
نداء خالد، تشير إلى أن معظم غضبها على طفليها يأتي من وراء انتقادات الناس لها ولتصرفاتها وحياتها، وتذكر على سبيل المثال أنها في بداية حياتها الزوجية كانت قريبتها تأتيها من باب النصح والإرشاد، لكن بمجرد خروجها من المنزل تشعر بتعكير بالمزاج، وأنها لا تنفع بشيء.
وتكمل، "تنتقد كل كبيرة وصغيرة، وأنه يتوجب علي أن أكون أكثر قدرة وسرعة في السيطرة على بيتي، حتى في فترة الحمل الأول، وفي فترة الرضاعة ولمشاكل نفسية لم أستطع إرضاع طفلي، فكانت الحرب علي أنني أم غير جيدة، وهو ما جعلني أخفف من العلاقة معها"، إذ أدركت بأن وجود هذه القريبة في حياتها وتدخلها بها أمر مسموم وينغص حياتها.
ويشير اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، بأن الحياة فيها الكثير من المشاكل والعقبات والمسؤوليات وأن الشخص بحاجة ماسة لمن يهون هذه الدنيا عليه، وليس من يصعبها، ويحبط كل عمل فيها ليجعلها فعلا سما عليه.
ويؤكد بأن الأشخاص السامين لا يعترفون بسمية سلوكهم مع الآخرين، ولا بالحدود الشخصية، ويتجنبون الاعتراف بها عندما يرتكبون خطأ ما.
ما قاله جريبيع ينطبق على ما حدث مع فيصل سائد (25 عاما)، الذي يتذكر كيف كان متفوقا في مادة الرياضيات حتى الصف العاشر، ودخل الفرع العلمي، إلا أنه كره هذه المادة، بسبب سوء تعامل أستاذ الرياضيات في تلك المدرسة، إذ وصفه بأنه "شخص سيئ هادم للطموحات حتى أن اسلوبه كان يحبطني باستمرار".
فيصل بسبب هذا الأستاذ تأثرت نفسيته، وقرر عدة مرات إنهاء دراسته وعدم الخضوع لامتحانات المدرسة، وكان يفرغ غضبه بأصدقائه وأهل بيته.
بعد ذلك، قرر الابتعاد عن هذه المدرسة والانتقال لأخرى، أبعد على بيته، مبينا أن استاذه كان يستنفد طاقاته ويشعره بالضرر الحقيقي حتى أنه كان يشعر بتوعك صحي قبل حصته، لافتا إلى أن فكره محدود ويعمل على تكسير معنويات الطلاب جميعهم, ويؤكد التربوي محمد أبو السعود، أن الشخص السام ممكن أن يكون الفرد نفسه، فيرى أن الأقارب وحتى الوالدين ومن دون قصد من الممكن أن تكون نصائحهم سامة على الفرد وذلك من الخوف والمحبة، إلا أن الأثر يكون مغايرا للقصد الحقيقي.
ويؤكد مطارنة بأن السلوك السلبي خطورته كبيرة إذ يعمل كعامل الوراثة، فيصبح الموظف يعامل زملاءه كما تم التعامل معه بالغضب والسخط، وكذلك الأم على أبنائها التي تشعر بأنها عديمة المنفعة ولا تستطيع أن تسيطر عليهم بعد أن سمعت أهلها يوبخونها، لأنها لا تعرف كيف هي الأمور التي يتوجب عليها أن تقوم بها مع أطفالها ليكونوا جيدين.
ويرى السعود بأن على الشخص أن يعلم بذاته وما التأثيرات على حياته والتي تجعل منها صعبة، ومن هم الأشخاص القائمون بهذا الفعل والابتعاد عنهم تماما أو تحجيم العلاقة.
فيما ينصح جريبيع بتقليص التواصل، فإن كان الفرد يعمل بالقرب من شخص سام، عليه أن يطلب من مديره في العمل تعديل المكاتب، أو الانسحاب من مكان فيه هذه النوعية من الأشخاص، وإن كان أثر السمية عال في حياة هذا الفرد فلا ضير من البحث عن وظيفة أخرى فهذا ليس هروبا بالمعنى السلبي، وإنما شراء الذات والحياة الهادئة.