العالم لم يتغير كثيراً في 2019.. وهي أخبار سيئة لـ2020

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ يترأس اجتماعاً للدول الأعضاء في الحلف الشهر الماضي – (أرشيفية)
الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ يترأس اجتماعاً للدول الأعضاء في الحلف الشهر الماضي – (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ستيفن م. وولت* - (فورين بوليسي) 31/12/2019 العديد من الأحداث المهمة وقعت في 2019، لكن القليل منها فعل أي شيء لتغيير الاتجاهات العالمية بقدر يُعتدّ به. * * * ليس من الصعب التفكير في مرشحين جديرين لإدراجهم في فئة "أهم حدث في السياسة الخارجية للعام 2019." ولكَ أن تختارَ سُمَّك الخاص: احتجاجات هونغ كونغ؛ المعلومامت التي فضحها المبلغون عن المخالفات والتي أدت إلى تصويت مجلس النواب على عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ حرائق الأمازون وأستراليا؛ الانتصار الانتخابي برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؛ أو مسيرة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي نحو تصور جديد وأكثر ضيقاً للقومية الهندية. أو إذا كنت تفضل النظر إلى الجانب المشرق، فربما تستشهد بانتعاش سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة؛ أو العدد القياسي للنساء اللواتي أدين اليمين الدستورية في الكونغرس الـ116؛ أو بالتقدم الذي تم إحرازه في معالجة أمراض مثل التليف الكيسي والإيبولا. ولكن، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن السمة الأكثر بروزاً للعام 2019 كانت استمرار الوضع الراهن. فقد واصل سلوك ترامب الغريب إثارة القلق وأبقى الطبقات التي تهوى الثرثرة مشغولة، لكن العام كان نقطة تحول محتملة، والتي فشلت معظم جوانب السياسة العالمية في اجتيازها. ومع أنني أنتمي بطبيعتي إلى المحافظين البوركيين، فإن هذه الدرجة من الركود قد لا تشكل بالنسبة لي شيئاً جيداً. • الناتو: على الرغم من نهج ترامب القائم على التحطيم وارتكاب الأخطاء في التعامل مع "الدبلوماسية"، وتشخيص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحلف بأنه يعاني من "موت دماغي"، فقد نجح "الناتو" في البقاء بعد عيد ميلاده السبعين متماسكاً في المعظم. وعلى الرغم من كل تهديد ترامب ووعيده، فإن الوجود العسكري الأميركي في أوروبا أصبح أكبر الآن مما كان عليه عندما تولى منصبه. وربما ما تزال سنوات حلف شمال الأطلسي معدودة، لكن مركزه ظل صامداً مع اقتراب العام 2020، مما يعني أن معظم أوروبا ما تزال تعتمد -بطريقة غير صحية- على الحماية الأميركية. • إيران: على الرغم من حملة "الضغط الأقصى" سيئة المشورة التي يشنها ترامب وظهور الاحتجاجات الكبيرة في ذلك البلد، ما يزال النظام الديني في إيران في السلطة مع نهاية العام 2019 وقدوم 2020، ولم يوقف حملته من أجل النفوذ الإقليمي، وما يزال يقف في منطقة الجزاء في مواجهة الغرب وعرب الخليج والولايات المتحدة. وقد تعاملت إدارات كلينتون وجورج دبليو بوش وأوباما بطريقة قاسية مع إيران أيضاً، لكن أوباما كان على الأقل منفتحًا على إمكانية تحسين العلاقات تدريجياً مع مرور الوقت. أما مع ترامب، فقد عدنا إلى سياسة المواجهة غير المنتجة التي شكلت علاقات الولايات المتحدة مع إيران منذ العام 1980، على طريقة "كلما تغيرت الأمور أكثر، شاهدنا المزيد من الشيء نفسه". • العولمة: وضعت إدارة ترامب العولمة تحت الاختبار، لكن خوض الحروب التجارية مع الدول الأخرى أنتج في الغالب الكثير الأوضاع غير القمينة بالإعجاب. وقد صادق مجلس النواب الأميركي على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، لكنها لا تزيد كثيراً عن مجرد كونها "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية 2.0"، ولن يكون لها تأثير كبير على أي من المشاركين. وكانت نتيجة حرب التعريفة الجمركية مع الصين في أحسن الأحوال تعادلا، ولم تتحقق منها أهداف ترامب الأكثر أهمية -تخفيض العجز التجاري الثنائي وإجبار الصين على إجراء تغييرات هيكلية في اقتصادها. واصلت التجارة العالمية الصعود (ولو أن ذلك كان بمعدل أبطأ من السابق)، ولم يؤذِن العام 2019 بقدوم حمائية على غرار تلك في ثلاثينيات القرن العشرين. وكان أحد التجليات المنذرة استمرارُ ترامب وإدارته في تجاهُل منظمة التجارة العالمية لصالح اتباع نهج ثنائي تجاه قضايا التجارة، وهو قرار من المحتمل أن يبطئ مسيرة العولمة في المستقبل من دون أن يعكس وجهتها تماماً. • الشرق الأوسط: قام ترامب بتدوير القوات في المنطقة عشوائياً، لكن الولايات المتحدة ما تزال منخرطة عسكرياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وما تزال تعرض "خطط سلام" لا معنى لها وتولَد ميتة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وما تزال تقدم دعماً غير مبرر وغير مشروط للقائمة المعتادة من عملائها في الشرق الأوسط. وتواصل الولايات المتحدة دعمها غير المباشر لاحتلال إسرائيل الهازم للذات للأراضي الفلسطينية، وما تزال تدعم الحرب السعودية المكلفة وغير الناجحة في اليمن، وتغض الطرف عن الانتهاكات السلطوية المعتادة في مصر. كما ذُكر أعلاه، ما يزال ترامب وبومبيو يصران على أن إيران تشكل تهديدا إقليميا مقيما، وأنها مهمة جداً إلى درجة ينبغي معها إيقافها، لكنهما يصران مع ذلك على أنها ليست مهمة بما يكفي للتحدث معها. وإذا كانت هذه السياسات تبدو مألوفة، فذلك لأنه لم يتغير الكثير. • روسيا: على الرغم من أن ترامب قد يتحدث ويتصرف في بعض الأحيان وكأنه حيوان مدلل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن السياسة الأميركية تجاه روسيا ما تزال تصادمية وتؤدي إلى نتائج عكسية. وتحصل أوكرانيا على الدعم الذي وُعدت به (الآن وقد أتت جهود ترامب لابتزازها ودفعها إلى تلطيخ منافسيه السياسيين زيفاً، بنتائج عكسية)، وما تزال موسكو تواجه مجموعة من العقوبات الغربية. وليس من المستغرب أن تستمر روسيا والصين في التقارب معا، في ما يعود جزئيا إلى أن واشنطن منحتهما كل الحوافز للتعاون بشكل أكبر. وعلى ما يبدو، لم يسمع أحد في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية عن عبارة "فرق تسد". • أفغانستان: يتيح لي سني الكبير أن أتذكر تلك الأوقات عندما خاض الاتحاد السوفياتي حربًا في أفغانستان لمدة تسع سنوات، والتي كانت حملة فاشلة ساعدت في إفلاس البلاد وتعجيل انهيارها. ويمكنني أن أتذكر أيضا عندما قررت الولايات المتحدة إقحام نفسها هناك، واثقة من أننا يمكن أن ندخل، ونطيح ببعض الأشرار، ونغادر. لكن القوات الأميركية ظلت هناك ضعف مدة وجود السوفيات، وحققت نفس المستوى تقريباً من النجاح الاستراتيجي. كما يمكنني أن أتذكر أيضا عندما قال شخص ما أن دور الولايات المتحدة هناك كان "سخيفا" ووعد بالخروج من "قصة بناء الأمة". ثم أرسل ذلك الرجل نفسه المزيد من القوات إلى أفغانستان، مثل سلفه. والآن يقول إنه قد يسحب بعضهم، مما يعيد مستويات القوات الأميركية -أكثر أو أقل- إلى حيث كانت عندما بدأ. وفي الولايات المتحدة، نسمي هذه المقاربة للاستراتيجية على طريقة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف "تقدماً"، لكنه في الحقيقة مجرد مظهر آخر من مظاهر "الحرب اللانهاية". في الوطن، تواصل الولايات المتحدة التعامل مع بنية تحتية متدهورة، ووباء أفيون مزمنٍ مطوَّل، وخطر إرهاب يميني محلي أكبر من خطر الجهاديين الأجانب، وما تبدو حوادث إطلاق نار لا نهاية لها في المدارس، وأشكال أخرى من العنف المسلح، ونظام سياسي مستقطب ومتشابك. وقد تبين بحلول العام 2019 أن "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" لم يكن سوى "المزيد من الشيء نفسه" (بالإضافة إلى التخفيضات الضريبية للأكثر ثراء). ثمة شيء آخر لم يتغير في العام 2019 أيضاً: لقد استمرت حرارة كوكب الأرض في الارتفاع، وواصلت الولايات المتحدة نهجها غير المسؤول تجاه هذا الخطر الذي يلوح في الأفق. ليست سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب مجرد إنكار مطلق للواقع على طريقة وضع الرأس في الرمال أو مجرد رفض لاتخاذ تدابير فعالة لتخفيف المشكلة فحسب؛ إن قراراته الداعية إلى التراجع عن التدابير التي اتخذتها وكالة حماية البيئة والتي تهدف إلى الحد من تسرب الميثان واستخدام الوقود الأحفوري، ضارة بشدة وتجعل الوضع السيئ أكثر سوءاً. بينما ذهب العام 2019 إلى نهايته، ما تزال البشرية تسير متعثرة نحو مستقبل حيث سيجد مئات الملايين من البشر حيواتهم وقد تحولت في اتجاه سلبي (أو حتى أسوأ من ذلك) بسبب تغير المناخ. خلاصة القول: لم يتغير الكثير في العام 2019، وهو ما لا يبشر بالخير بالنسبة للعام 2020. سنة جديدة سعيدة. *أستاذ روبرت ورينيه بلفر للعلاقات الدولية بجامعة هارفارد. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The World Didn’t Change Much in 2019. That’s Bad News for 2020.اضافة اعلان