بيت الجد.. متنفس للأحفاد وعلاقة عميقة يحاول فهمها الآباء

مجد جابر

عمان- كعادتها مع نهاية كل أسبوع، تقوم الحاجة أم جمال بتحضير الأكلات الشهية التي يحبها ويطلبها أحفادها. بكل فرح تبدأ بإعداد كل الأصناف والحلويات التي ستكون جاهزة على مائدة الغداء عند تمام الساعة الثالثة، ذلك الوقت الذي سيجمع أحفادها الستة سويا بعد عودتهم من المدرسة.اضافة اعلان
"روحي معلقة فيهم".. هكذا تقول أم جمال عن أحفادها الذين ينتظرون نهاية الأسبوع للمجيء لبيت الجد وتناول ما لذ وطاب، والالتقاء مع أبناء أعمامهم وأخوالهم يلعبون ويفرحون، وأحيانا ينامون لليوم التالي.
تشعر أم جمال بسعادة كبيرة وهي تستمع لقصص أحفادها الصغار ببراءة، وماذا حصل معهم ومع أصدقائهم ودراستهم، وأحيانا تشرف على واجباتهم المدرسية، فهم كما تقول "ما أغلى من الولد إلا ولد الولد".
ويستغرب زين الدين بأحيان كثيرة من ابنته آية (6 أعوام) التي ترفض مغادرة بيت جدها، وتستمر بالبكاء في اللحظات التي تعود بها إلى منزلها، مبينا أنها لا تشعر بالفرح إلا وهي تلهو وتلعب في بيت والديه، وتمسك بيد جدتها في كل مرة وتطلب منها البقاء عندها.
زين الدين يفرح كثيرا بهذه العلاقة الجميلة التي تربط آية مع أجدادها، رغم أنه ووالدتها يوفران لها في البيت كل الألعاب وكل ما يسهم في تسليتها، لكن ترفض كل هذا وتطلب باستمرار الذهاب إلى البيت الكبير، والنوم في عطلة نهاية الأسبوع.
وبالرغم من أن الستينية آمنة مسعود لا تحبذ ترك منزلها لأي سبب كان، أو السفر وتغيير نظام حياتها، إلا أن السبب الوحيد الذي يجعلها تقدم على هذه الخطوة بكل رحابة صدر وبدون أي شكوى، هو ذهابها لرعاية أحفادها.
تبين الحاجة آمنة أن أبناءها يعيشون منذ مدة طويلة في إحدى دول الخليج، وترفض دعواتهم الدائمة لزيارتها بمكان إقامتهم وتنتظر قدومهم إليها كل عام. ولكن تعلقها بأحفادها جعلها في الفترات الأخيرة دائمة الذهاب إليهم، ولم تعد تحتمل مرور الكثير من الوقت بدون رؤيتهم.
وتضيف أنها أصبحت تنتظر فصل الصيف للقدوم وقضاء الإجازة في بيتها، وفي فصل الشتاء تسافر مدة شهر لتبقى بجانبهم، مبينة أن لهم تأثير "السحر" عليها ولا يمكنها أن تقاوم رؤيتهم أو قضاء الوقت معهم.
أما بيت الحاجة هند فيتحول الى "مدرسة" في عطلة نهاية الأسبوع، وفق قولها، والسبب هو تجمع أحفادها، إلا أن ذلك يضفي عليها وعلى زوجها الفرح ويملأ البيت بالبهجة والحركة والأجواء الجميلة، فالأطفال يجدون في منزل الجد متنفسا لهم، وفرصة للتصرف بحرية بعيدا عن القوانين الصارمة في بيوتهم.
وكانت دراسة ألمانية كشفت أن الأجداد والجدات الذين يساعدون من فترة لأخرى في رعاية الأحفاد، أو يقدمون المساعدة لآخرين في مجتمعهم، يعيشون لفترة أطول من كبار السن الذين لا يهتمون بالآخرين.
وكتب الباحثون في دورية التطور والسلوك البشري أن التنشئة من آن لآخر يمكن أن تكون مفيدة لهم.
وقالت كبيرة الباحثين، سونيا هيلبراند "عدم الاتصال بالأحفاد على الإطلاق يؤثر سلبيا على صحة الأجداد والجدات"، مضيفة "هذه الصلة يمكن أن تكون آلية متجذرة في ماضي تطورنا عندما كانت رعاية الأطفال أمرا حاسما لبقاء الجنس البشري".
وتوصل الباحثون في الدراسة إلى هذه النتائج اعتمادا على بيانات جرى جمعها من أكثر من 500 شخص فوق السبعين من عمرهم، وتبين أن "تقديم المساعدة يمنح من يقدمونها هدفا في الحياة لأنهم يشعرون أنهم مفيدون للآخرين وللمجتمع".
"بحب أروح كل يوم عند بيت جده.. يا ريت أقدر أعيش عندهم على طول".. هكذا يقول الطفل يزيد (10 أعوام) الذي تربطه علاقة وثيقة بجده وجدته؛ إذ يقول إنهما يسمحان له باللعب بأي وقت ولا ينزعجان حينما يعلو صوته أثناء لعبه مع ابن عمه، ويسمحان له بأكل ما لذ وطاب. يزيد يبين أن والديه لديهما قوانين كثيرة تحديدا بوقت النوم ووقت الدراسة، وحتى الجلوس لمشاهدة التلفاز، لكن ذلك كله يتخلص منه عندما يذهب لبيت جده.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاجتماعي، الدكتور حسين الخزاعي، إلى أن العلاقة بين الأجداد والأحفاد قائمة على العاطفة والحب الكبير والشوق اليهم والخوف عليهم. كذلك الحفيد يعتبر جده ملاذا آمنا له، ومصدرا للحنان والعطف.
ويضيف أن الأجداد أصحاب خبرة طويلة ويعطون النصيحة للأحفاد بكل حب وصدق وإخلاص، مبينا أن العلاقة مبنية على احترام الحفيد للجد وسماع نصيحته والأخذ بها، كذلك سعادة الأجداد بوجود الأحفاد حولهم يشعرهم بأن حياتهم تتجدد.
ويشير إلى أن الأجداد أشبه بجدار الحماية في حياة الأحفاد، لافتا إلى أن هنالك الكثير من الطقوس التي يمارسونها معهم مثل الخروج معهم في نزهات والاستمتاع بوقتهم وقراءة القصص، كلها أمور تنعكس على الصحة النفسية للطرفين.
ذلك كله، وفق الخزاعي، يسهم بنشر الألفة والمحبة بينهم، وتشكيل الذكريات الجميلة التي لا يمكن أن ينساها الحفيد مهما كبر؛ إذ يقدم الأجداد على أمور عديدة لم يفعلوها مع أبنائهم في السابق، ويعوضونها مع الأحفاد.