حنين تعاند "متلازمة داون" وتخرج من دائرة الخوف نحو سوق العمل

حنين مع إحدى المدربات في جمعية سنا- (من المصدر)
حنين مع إحدى المدربات في جمعية سنا- (من المصدر)

ربى الرياحي

عمان- كل ما تحلم به هو الوصول إلى حياة مستقرة تحقق لها الطمأنينة والراحة وأسس الأمان.. هذا ما تأمل به حنين عبيدات ابنة الـ23 عاما، إذ لم تقبل أن تعيش على الهامش، بل أبت وبتصميم، أن تجد لحياتها معنى يحرضها على الجد والإنجاز والعطاء.اضافة اعلان
هي رفضت أن تقف متفرجة على الحياة من بعيد هناك، حيث السكون واليأس والكسل، فقررت أن تسكن الحياة بالضبط كما تسكنها متحدية واقعا صعبا ليس فيه مكان سوى للأقوياء ولأولئك الذين يعرفون جيدا كيف يضيئون العتمة بالفرح والعزيمة والإصرار، متغلبين على كل بقعة يأس من الممكن أن تتسلل إلى أرواحهم المتفائلة.
حنين، ولكونها فتاة من متلازمة داون، تحتاج لأن تكون مستقلة نفسيا وماديا وأن تصنع مستقبلها بالشكل الذي يضمن لها حياة كريمة فيها الكثير من الأمان.
تقول والدة حنين "بالحب والحنان والتقبل عرفت كيف تحتوي ابنتها وتغرس فيها الثقة والقوة، هي كأم استطاعت أن تكون عونا حقيقيا لها منذ البداية، قررت أن تحتضنها بأمومتها وتكون مأوى لأحلامها وأحزانها وأفراحها اليد الحانية التي تربت على قلبها لتقويه ضد كل الظروف الصعبة".
اهتمام عائلتها بها وقرارهم بأن تكون حنين شخصية مميزة بإمكاناتها وقادرة على أن تأخذ مكانها في المجتمع دفعهم للانتقال إلى عمان بحثا عن أماكن من شأنها أن تدعم ابنتهم نفسيا واجتماعيا وتعطيها الفرصة لتستطيع أن تثبت نفسها على أرض الواقع بالتساوي مع أقرانها، وتزويدها بأهم المهارات الحياتية التي ساعدتها كثيرا على أن تكون معتمدة على نفسها.
هي داخل أسرتها لم تشعر يوما بأنها مختلفة عنهم، حسب قول والدتها، بل حظيت بمعاملة سوية لم ينظر إليها على أنها وضع خاص يستدعي الشفقة. لذا فإن وعي كل أفراد الأسرة بطبيعة حنين وتمكنهم من فهمها وحرصهم على أن تعيش حياة آمنة، كل ذلك جعلهم أكثر قربا منها يؤمنون بأن لها حقا في كل شيء مثلهم تماما.
المرحلة الأهم في حياة حنين، كما تقول والدتها، هي عندما التحقت بمبادرة تعنى بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون تحت عنوان "حياتنا لها معنى"، من هنا تحديدا كانت الانطلاقة لكون المبادرة هذه أتاحت لحنين فرصة الاندماج بالمجتمع وتقديم نفسها بالطريقة التي تريدها. كان الرهان الأول دخولها رياضة الكراتيه وتسجيلها إنجازات مميزة تستحق التوثيق، ورغم نجاحها في هذا المجال، إلا أنها لم تستمر طويلا ويرجع السبب في ذلك إلى انتشار وباء كورونا.
الأمر لم يكن سهلا، وخاصة أن والدتها قررت أن تتحدى بها المجتمع وتبرهن للجميع أن الإصرار يقتل اليأس وأن الحلم مهما كان الطريق إليه متعبا وشاقا، إلا أنه في النهاية سيؤتي ثماره ولو بعد حين.
فكرة الانزواء لم تكن مطروحة لدى حنين بل على العكس هي أحبت الحياة جدا، وقررت أن تخرج من دائرة الاتكالية والخوف عازمة على أن تكون شخصية منتجة لديها الكثير من الأحلام والأمنيات التي تنوي تحقيقها.
واليوم حنين ترفض أن تكون عالة على أسرتها ومجتمعها، وخاصة بعد توفير وظيفة تناسبها في مطعم "برجر ميكرز"، وذلك عن طريق جمعية "سنا" التي تواصل دعمها لهذه الفئة وتصر بجهودها الكبيرة اللافتة على تمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية ومتلازمة داون ومنحهم الفرص المناسبة ليستطيعوا أن يأخذوا أماكنهم في سوق العمل باعتباره حقا من حقوقهم ليس أكثر.
أمور كثيرة تغيرت في حنين بمجرد حصولها على الوظيفة، أهمها أنها أصبحت تستشعر المسؤولية جيدا وتعكسها في تصرفاتها وزادت ثقتها بنفسها أكثر لكونها بدأت تدرك أن لديها هدفا تعيش من أجله هو سبب سعادتها وحماسها وسبيلها لتكوين علاقات جديدة تقويها على مواجهة الحياة، كما تعطيها دفعة للأمام لكي تحلم وتتميز وتكون حاضرة في واقع يحتاج لأن يتغير حقيقة ويتغلب على كل الأفكار الضيقة والنظرات المؤذية والمحبطة.

حنين تنافس برياضة الكراتيه وتسجل إنجازات مميزة- (من المصدر)