"داعش" عندما يقتحم خط "ماجينو" العراقي!

صدمة اقتحام واحتلال تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) للموصل ومحافظة نينوى خلال اليومين الماضيين، وسقوط، او بالأحرى تبخر دفاعات الجيش العراقي "الحديث" امام تنظيم "مليشيوي" تذكّر بسقوط خط دفاع "ماجينو" الفرنسي الشهير العام 1940، امام اندفاع القوات الالمانية، مشكلا بداية سقوط فرنسا تحت الاحتلال الالماني.اضافة اعلان
ورغم الاختلافات الجوهرية والنوعية بين الحدثين، وطبيعة الأطراف المتحاربة في الموقعتين، فإن وجه الشبه الذي يمكن تلمسه هو في عنصر المفاجأة والصدمة، والانهيار السريع لدفاع الجيش الفرنسي (العظيم) في الأولى، والجيش العراقي، بطبعته الجديدة بعد احتلال العراق العام 2003، في الثانية، ومن ثم قلب موازين استراتيجية في الصراع على الأرض في الاثنتين!
تنظيم "داعش" الذي لا يملك سلاح جو أو مدفعية، ولا سلاح دبابات، وسّع بضربته الأخيرة نطاق سيطرته في العراق لتشمل محافظة نينوى ومناطق أخرى من محافظتي صلاح الدين وكركوك، تاركا ارتدادات سياسية وأمنية واسعة، تتجاوز الدائرة العراقية إلى خارج حدودها بمختلف الاتجاهات.
بالحسابات الاستراتيجية، قد لا تطول سيطرة "داعش" على هذه المساحة الواسعة من العراق، وثمة تشابكات إقليمية ودولية يمكن قراءتها، لن تسمح، تحت أي ظرف، بإقامة دولة تابعة لتنظيم القاعدة في هذه المنطقة الحيوية، إلا أن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن لهذه الخطوة الصادمة تداعيات وتأثيرات واسعة، تتجاوز حدود العراق، وستعيد حسابات واصطفافات عديدة.
المغزى والدرس الاهم لهذا التطور الدراماتيكي هو المتعلق بالعراق، وبالائتلاف الحاكم فيه اليوم، والذي نالت سياسته واستراتيجيته مباركة أميركية، سواء بحكم الأمر الواقع، أو بحكم حسابات أميركية خاصة في تعاملها مع الإقليم وأزماته.
لم تكن قوات الجيش العراقي النظامي، الذي يصل عديده اليوم الى مليون جندي، لتتهاوى دفاعاتها، وتخلع ملابسها هاربة من طريق تقدم قوات "داعش"، لو كانت تملك حاضنة شعبية في المناطق التي سيطر عليها "داعش". بل وتفتح هذه القضية اليوم على جوهر أزمة النظام العراقي ما بعد مرحلة الاحتلال الأميركي لهذا البلد، وتحطيم بنيته وهياكل دولته وجيشه ومؤسساته، قبل أن يشهد العراق، في زمن الحكام الجدد، وبتواطؤ دولي وأميركي، اوسع عملية إقصاء وتهميش لمكوّن رئيس من الشعب العراقي.
قد تكون البيئة العراقية، تاريخيا، آخر بيئة اجتماعية وسياسية في الوطن العربي يمكن أن نتوقع أن تنتج فكرا سياسيا ودينيا متطرفا، خاصة في مناطق القبائل العربية كالأنبار والموصل وصلاح الدين، لكن ذلك ما حصل على أرض الواقع في السنوات القليلة الماضية، كنتيجة ورد فعل لعملية الإقصاء العميقة للمكون السني العراقي، وتشوه العملية السياسية العراقية في زمن الحكام الجدد.
لن يراهن أحد كثيرا على اتعاظ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، رجل بغداد القوي اليوم، من صدمة نينوى والموصل، لتغيير سياسة الإقصاء والتهميش، والحلول الأمنية مع محافظات الشمال والغرب العراقية.
لكن العودة إلى ذات السياسات والحلول الأمنية، من دون البحث عن مخارج، توصل إلى توافقات وطنية عراقية، وتعيد دمج كل المكونات السياسية والوطنية في العملية السياسية، هو ما سيغذي تنظيم "داعش" و"القاعدة" بمزيد من القوة وطول البقاء، حتى لو اجتمع عليه اليوم "الحلفاء" الدوليون والإقليميون، كما اجتمعوا، في أربعينيات القرن الماضي، مقابل ألمانيا بعد تدميرها لخط "ماجينو".