متحف السلط: ذاكرة تصون حقبا تاريخية تمتد لأكثر من 4500 سنة قبل الميلاد

متحف السلط: ذاكرة تصون حقبا تاريخية تمتد لأكثر من 4500 سنة قبل الميلاد
متحف السلط: ذاكرة تصون حقبا تاريخية تمتد لأكثر من 4500 سنة قبل الميلاد

جرى تجديده بتمويل من هولندا وتنفيذ دائرة الآثار العامة

هادي النسور

السلط- يمثل متحف آثار السلط ومعروضاته الأثرية ذاكرة تاريخية تتوزع على حقب تاريخية ضاربة في جذور التاريخ. وحظي المتحف الموجود في مبنى آل طوقان التراثي في قلب المدينة بتحديث داخلي من قبل سفارة مملكة هولندا في الأردن يحتفظ بتذكارات "سوفينيرز" حضارات لأناس سكنوا منطقة البلقاء عبر حقب تاريخية ممتدة الجذور في التاريخ.

اضافة اعلان

التجديد الذي قامت سمو الاميره ريم العلي يرافقها سفير مملكة هولندا هوغو سخلتيما بتدشينه ونفذته دائرة الآثار العامة بالتعاون مع السفارة الهولندية أضفى الحياة بأبعادها الحضارية على المتحف ليتجاوز التقسيم التقليدي للحقب التاريخية ويحفر تقسيمات حضارية تروي قصة الإنسان الذي قطن المنطقة أكثر من 4500 سنة قبل الميلاد.

سفير مملكة هولندا لدى الأردن هوغو سخلتيما والذي لم يخف محبته الخاصة للمدينة لما تمتاز به من مكنونات تراثية ، قال لـ "الغد" إن مشروع التحديث الداخلي للمتحف يهدف الى إظهار جماليات المكان في مدينة السلط، لافتا الى أن الهدف من الترميم هو تكوين صورة مميزة عن تاريخ الأردن وتفعيل دور المتحف لإعادة الحياة السياحية والأثرية للمدينة.

وخضع المبنى الى عمليتي ترميم آخرها مشروع تحديث التصميم الداخلي للمتحف الذي نفذته دائرة الآثار العامة بالتعاون مع السفارة الهولندية في الأردن، فيما جرت عملية الترميم الأولى من قبل مؤسسة إعمار السلط وبمشاركة من أبناء المدينة.

ولفت السفير سخلتيما الى أن هذا المشروع يأتي ضمن الرؤيا الملكية في تنشيط القطاع السياحي ومساهمة من مملكة هولندا في دعم مشاريع الشراكة الاردنية الهولندية.

وبلغت تكلفة المشروع نحو 50 ألف دينار بمشاركة من أبناء المدينة. وثمن السفير الهولندي دور عائلات مدينة السلط التي ساهمت بدعم المشروع ماديا ومعنويا ومشاركة طلبة الجامعات في تنفيذ المشروع.

وينفرد المتحف بعد التجديدات الأخيرة بميزات جديدة على مستوى المتاحف الأردنية حيث يشمل على مقهى واستراحة للزوار، فضلا عن غرفة نشاطات يتم فيها تقديم برامج تعريفية وتعليمية للطلبة من أبناء المجتمع المحلي للتعرف على تاريخ الحضارات المتعاقبة على الأردن.

وأوضح السفير سخلتيما بأن طبيعة الشراكة الأردنية الهولندية في التنقيب عن الآثار تعود الى العام 1960 عندما باشرت بعثة الآثار الهولندية بالتنقيب عن الآثار في منطقة تل ديرعلا بالتعاون مع جامعة لايدن الهولندية.

ونوه السفير سخلتيما بأن مدينة السلط تفتقر الى مواقع جذب سياحي رغم  كثرة البيوت التراثية الموجودة في جنبات المدينة، لافتا الى عدم وجود مطعم سياحي لائق أوخدمة سياحية مناسبة للمكان يمكن لها أن تكون عامل جذب للسياح.

وعن المشاريع المستقبلية التي تدور في خلد السفير سخلتيما المولع بالتراث قال إنه يفكر في تنظيم معرض للصور القديمة لمدينة السلط التي يعود تاريخها الى أكثر من 100 سنة والموجود معظمها في لندن.

ويقول مدير مكتب آثار السلط سعد الحديدي إن منزل السيد علاء طوقان وهو موقع المتحف يمثل وقفة مهمة في تاريخ المدينة لكونه أحد أهم البيوت التي شيدت نهاية العهد العثماني من قبل إحدى العائلات الكبيرة التي وفدت من نابلس، حيث تضم المدينة نحو 600 بيت تراثي.

وأوضحت مديرة مشروع التحديث الداخلي للمتحف اليسون مكويتي بأن التقسيم التقليدي للحقب التاريخية عادة ما تكون غير واضحة للزائر، إذ جرى استحداث تسميات للغرف" الحقب" بحيث تضم كل غرفة حقبة تاريخية معينة بناء على الأحداث البارزة والتغييرات على الطريقة التي كان يعيش فيها الناس في كل فترة.

وأضافت مكويتي بأن التقسيم التقليدي على سبيل المثال للحقبة "هلنستي – إسلامي مبكر" أصبح يطلق عليها حقبة "من الحصون الى القرى".

وأنشئ مبنى آل طوقان على عدة مراحل إلا أن التاريخ الدقيق لهذه المراحل غير معروف، بينما يحكي التاريخ المروي، كما يوضح الحديدي، أن الطابق الأرضي من هذا البناء أنشئ في بدايات القرن المنصرم في الفترة ما بين 1900 -1905 وأن الذي أنشأه هو السيد علاء الدين طوقان وتبلغ مساحة الطابق الأرضي 170 مترا يتم الدخول إليه من خلال شرفة أمامية ويحتوي على فراغ دخول وسطي (ليوان) تحيط به ثلاث غرف، بالإضافة الى موزع ودرج ووحدة صحية، بينما أنشئ الطابق الأول بعد ذلك بسنوات قليلة على إثر دخول الخط الحديدي الحجازي الى الأردن ما بين 1905-1910 حيث يمكن الوصول اليه من خلال درج جانبي مكشوف أو مباشرة من الطابق الأرضي وتبلغ مساحته ما يقارب من 200 وينتظم حول فناء وسطي مكشوف سبع غرف اثنتان منها على الطرف الشرقي من الفناء والخمس الأخرى تقع على الجانب الغربي وترتبط بالفناء من خلال رواق.

وأوضح علاء دياب عضو فريق مشروع التحديث الداخلي بأن المتحف قبل التحديث كان يحوي قطعا أثرية جامدة وكان التعامل معها مفصولا عن العوامل الحضارية التي وجدت فيها لعدم وجود رواية لقصة القطع الموجودة التي تربطها بواقع الإنسان في تلك الفترة.

وأضاف دياب بأن الآثار هي نتاج للتعامل بين الإنسان والأرض لافتا الى أن هذا هو الدافع الى تقسيم المتحف تقسيما حضاريا مغايرا عن المعهود بحيث يستطيع الزائر أن يربطها بنسقها التاريخي والحضاري والإنساني.

ويضم المتحف بين جنباته، بحسب الحديدي، جميع القطع الأثرية التي تأتي من الحفريات الأثرية في المحافظة رتبت ترتيبا زمنيا من العصر النحاسي المتمثل في موقع تليلات الغسول قرب البحر الميت الذي يعود تاريخه الى 4500 قبل الميلاد وحتى الفترات الإسلامية والتي تتمثل في عدد من القطع الفخارية والنقود والزجاج التي تعود لفترات مختلفة تظهر تعاقب الحضارات.

ويقع المبنى على شارع الميدان وهو أحد الشوارع الرئيسية ويطل على قلب المدينة ذي الطابع المعماري المتميز ويكتسب المبنى من خلال موقعه ونمطه المعماري أهمية خاصة أهلته لأن يكون أحد معالم مدينة السلط الرئيسية حيث يتكون المبنى من طابقين. ومادة البناء الأساسية للمبنى من الحجر الجيري الذي كان متوفرا بكثرة في جبال المحيطة بمدينة السلط ويتميز بلونه الأصفر وسهولة تشكيله.

ويلفت الحديدي الى أن المبنى استعمل كمنزل آل طوقان حتى أواسط الخمسينيات حيث انتقل سكانه الى مدينة عمان وصار يستعمل كمدرسة حتى أواسط الثمانينيات حيث هجر حتى ترميمه من قبل مؤسسة إعمار السلط ومنح لبلدية السلط وهو الآن يضم متحفا تم تأسيسه العام 1983 ومكاتب لدائرة الآثار العامة.

يذكر بأن مدينة السلط تعد أحد أهم المدن الأردنية في تاريخه المعاصر حيث شكلت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أحد أهم المراكز الحضرية في المنطقة وكانت البوابة الرئيسية الى شرق الأردن حيث أتاها الناس من نابلس والقدس غربا ومن سورية ولبنان شمالا وسكنوا واستوطنوا وأنشأوا فيما بينهم وبين سكان المنطقة مجتمعا حضاريا متطورا ومنسجما مع أهل هذه المدينة لكي تكون العاصمة الأولى للدولة الجديدة في العشرينيات من هذا القرن.