"مكاور" بمادبا.. أهمية دينية وسياحية غائبة عن خريطة الاستثمار

جانب من موقع مكاور بمحافظة مادبا - (الغد)
جانب من موقع مكاور بمحافظة مادبا - (الغد)

أحمد الشوابكة

مادبا - يطالب مهتمون بالشأن السياحي في محافظة مادبا، بضرورة استغلال عملية زيارة الأفواج السياحية من مختلف الجنسيات لموقع مكاور وقلعته الأثرية، والذي يعتبر أحد مواقع الحج المسيحي الخمسة في الأردن التي اعتمدها الفاتيكان، بعد الزيارة التاريخية لقداسة البابا الراحل يوحنا بولص، في العام 2000، من خلال تطوير الموقع وإقامة مشاريع استثمارية تساعد على توفير فرص عمل لأبناء المنطقة.اضافة اعلان
وتبعد قلعة مكاور التي تتربع على جبل مخروطي، وسماه الساميون بهذا الإسم، لأنه دائري الشكل، عن مدينة مادبا 35 كم، يحيط بها الوديان والكهوف، وتتمركز بين واديين، هما (زرقاء ماعين والهيدان)، وتطل على البحر الميت، وترتفع عن سطح البحر 730 مترا وتشرف على البحر الميت، ويمكن مشاهدة وسط فلسطين وتلالها وجبالها، حيث تم العثور في القلعة على أقدم لوحة فسيفساء في الأردن، يعود تاريخها إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد، وهي الآن موجودة في الحديقة الأثرية في مدينة مادبا.
ويرى مهتمون بالشان السياحي وزائرين لموقع القلعة، أن اعتماد الفاتيكان قلعة مكاور القبلة الأولى لانطلاق الحج المسيحي، ضمن المواقع الخمسة للحج المسيحي في الأردن، يدل على أهمية الموقع الذي لا تتوفر فيه أدنى الخدمات التي من شأنها استقطاب الاستثمار الخاص، وبالتالي سيحدث ذلك حركة سياحية نشطة، وسيكون أيضا نافذة جذب استثماري قد تسهم في تخفيف البطالة الملازمة في صفوف شباب لواء ذيبان.
ويعيد الزميل الصحفي غازي العوايدة التذكير بالحفل الموسيقي الذي أقامته هيئة تنشيط السياحة في الترويج لهذا الموقع التاريخي والديني والسياحي الهام، قائلا "إن الحفل حدث ثقافي غير مسبوق يسلط الضوء على موقع ديني متميز في الأردن وهو مكاور"، مشيراً إلى "أن هذا العرض الموسيقي الذي يحكي قصة قطع رأس يوحنا المعمدان سيجلب اعداد كبيرة للمنطقة، وهي دلالات على أهمية المنطقة تاريخياً وحضارياً ودينياً ويجب استغلال هذا الموروث لإقامة مشاريع واستثمارات من شأنها خلق فرص لأبناء المنطقة".
ويرى النائب مجدي اليعقوب أن مادبا تحتضن أكبر مجموعات العالم من اللوحات الفسيفسائية ومنها الأقدم والأكثر ندرةً، ومعظمها ما يزال موجوداً ومحفوظاً، وهو السبب الرئيس الذي أسهم بأن تحظى المدينة وباستحقاق لقب مدينة الفسيفساء وتم وضعها على الخريطة السياحية العالمية، مضيفاً أن المواقع الأثرية التاريخية والدينية في مادبا متعددة وكثيرة، لافتاً إلى أن المتعارف عليه عالمياً هو جبل نيبو، ومنطقة أم الرصاص وكنيسة القديس جاورجيوس المعروفة بكنيسة الخارطة التي تصور بشكل واضح الأراضي المقدسة في القرن السادس، وهي مدينة أثرية وكنز غير محدود، مبيناً أن أصل كلمة مادبا هو آرامي "سرياني" وتعني مياه الفاكهة، الأمر الذي يدل على ثرائها الطبيعي والبيئي وخصوبة تربتها.
ووعد اليعقوب بمتابعة كافة المواضيع المتعلقة بهذا الموقع الديني المهم وتوفير السبل كافة ليكون نقطة مهمة على الخريطة السياحية وجذب الأفواج السياحية وإقامة الاستثمارات التي من شأنها إيجاد فرص عمل لأبناء المنطقة، قائلا "هذا ما نطمح له في القريب العاجل وفق الرؤى الشمولية التي وضعناها وبدأ بتنفيذها من قبل وزارة السياحة والآثار".
ولفت رئيس بلدية جبل بني حميدة الى الاهتمام البالغ من قبل الحكومة ممثلة بوزارة السياحة والآثار لجعل منطقة مكاور نقطة جذب للأفواج السياحية لأهمية وجود قلعة مكاور التاريخية والدينية، مشيراً إلى الدور الذي تعمله البلدية في تطوير الموقع الذي يعد من أحد المواقع المهمة من الناحية الثقافية والتاريخية والسياحية أيضاً.
وأكد أن البلدية تولي اهتماما واسعا لتطوير البنية التحتية لهذا الموقع المهم الذي يحكي عن تاريخ المنطقة، كما تولي جهداً مضاعفاً لاستقطاب القطاع الخاص لإقامة استثمارات بهذه المنطقة، خاصة بعد أن وفرت مناخاً لاستقطاب المستثمرين.
من جانبها، قالت المختصة في حوار الثقافات والسلم المجتمعي الزميلة الصحافية والكاتبة الأردنية رلى السماعين، إن الموقع يجتذب إليه الزوار بقوة لأنه يحكي عن قصة تاريخ المنطقة، وبالذات قلعة مكاور، إضافة الى ذلك فأنه يركز على الحادثة التاريخية التي اشتهر بها الموقع، وهي قطع رأس يوحنا المعمدان، النبي يحيى عليه السلام، الذي يعد أحد مواقع الحج المسيحي الخمسة في الأردن، التي اعتمدها الفاتيكان، بعد الزيارة التاريخية لقداسة البابا الراحل يوحنا بولص كقبلة للحج المسيحي، في العام 2000.
وجاء هذا الاستقطاب للأفواج السياحية لموقع قلعة مكاور نتيجة عملية الترويج والتسويق التي أطلقتها وزارة السياحة والآثار للمواقع السياحية والأثرية ومنها هذا الموقع الذي له خصوصية دينية، وفق مدير سياحة مادبا وائل جميل الجعنيني، الذي بين سعي الوزارة نحو إحداث التنمية المستدامة في اللواء، وتهتم بالتركيز على أنماط سياحة المغامرات والسياحة البيئية والطبيعية، وهي أنماط تشهد طلباً متزايداً ويمكن ممارستها في مسار ذيبان السياحي بما يوفر تجربة فريدة مع إشراك المجتمع المحلي في تقديم الخدمات السياحية على طول المسار، مثل خدمات الإيواء وخدمات الطعام والشراب، وبما يسهم في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتحسين مستوى المعيشة في اللواء، فيما تسعى الوزارة للوصول إلى تكامل في الخدمات السياحية في المنطقة، وذلك بتوفير خدمات الإيواء والمطاعم والاستراحات ومواقف الحافلات.
وأشار الجعنيني إلى أهمية إنشاء مركز زوار تل ذيبان، وذلك لزيادة عدد السياح القادمين إلى محافظة مادبا، حيث سيضم غرف استقبال وغرفا لعرض المنتجات المحلية، إضافة إلى عرض الحرف اليدوية وغيرها من المنتجات السياحية التي تشتهر بها مادبا.
ويضيف أنه خصص لخدمة الزوار وإبراز النسق الطبيعي الذي تتميز به منطقة ذيبان، إضافة لاستخدامه كنوافذ تسويقية للمنتج الحرفي للجمعيات وأبناء المجتمع المحلي، بهدف تعزيز المكانة السياحية لذيبان وربطها بالمواقع السياحية والأثرية في محافظة مادبا.
وقال إن المركز سيكون المشروع الأول الذي تقيمه الوزارة في اللواء، وهو محطة سياحية مهمة للانطلاق في مسار ذيبان السياحي الذي يبدأ من تل ذيبان، ويمتد نحو عشرة كيلومترات مروراً بإطلالات بانورامية على محمية الموجب و حمامات قصيب، لينتهي عند مقام الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري في منطقة الشقيق.
من جانبه، قال مدير آثار مادبا خالد الهواري، إن تشييد قلعة مكاور يعود إلى سنة 90 ق.م. من قبل قائد الحشمونيين الإسكندر جانيوس، بغية مواجهة الرومان الذين استولوا عليها سنة 57 ق.م. بقيادة بومبي، وقاموا بتدميرها، غير أن هيرودوس الكبير أعاد تشييدها سنة 13 ق.م. بعد أن سيطر عليها، وبنى حولها سوراً كبيراً، وقام الرومان باحتلالها سنة 71م، وهذا الهجوم أدى إلى وقوع أضرار بالغة في القلعة، مشيراً إلى انكستر هاردنج، في كتابه "آثار الأردن" تطرق بالتفصيل إلى موضع قلعة مكاور، التي وصف الطريق الوعر المؤدي إليها، وذلك في الفترة التي ألف الكتاب المذكور في سنة 1965.
وقال إن مديرية الآثار العامة وضعت خطة شمولية لتطوير موقع قلعة مكاور الأثري الذي يعد من المواقع الأثرية الدينية المهمة بدعم من وزارة السياحة والآثار، مشيراً الى أن المشروع يهدف الى تأهيل قرية مكاور الأثرية سياحيا من خلال أعمال التنقيب والترميم والصيانة للمعالم والكنائس الأثرية الموجودة في الموقع، إضافة الى ترميم المعالم الأثرية في قلعة مكاور، وكذلك تزويد الموقع باللوحات الإرشادية والتوضيحية من خلال خطة تفسير متكاملة ووضع خطة إدارة الموقع لضبط وتنظيم إدارة العمل الأثري والسياحي في حدود الموقع.
وأوضح أن موقع مكاور يرتبط بقصص دينية وشعبية لها دلالات في الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، مضيفا أن هذا المكان مرتبط بالذاكرة الزمنية منذ أتباع الديانة المسيحية، وذلك للحادثة الشهيرة التي جرت بين ثنايا هذا المكان، ألا وهي قطع رأس النبي يحيى عليه السلام، ما أعطى المكان هالة دينية وقدسية ميزته عن باقي المواقع والأماكن.
وأكد الهواري إشراك المجتمع المحلي في هذا المشروع من خلال تشغيل الأيدي العاملة المحلية وتدريبها على أعمال التنقيب والترميم بهدف إشراكها وإعطائها دورا في تأهيل الموقع، الذي لا يمكن النجاح إلا من خلال دعم السكان المحليين وجعلهم يحملون هم تطوير الموقع سياحيا الذي يعود بالفائدة عليهم.