الجماعة الوطنية والعقد الاجتماعي

في مناقشتها للرسالة التي بعثت بها مبادرة مواطنة متساوية إلى جلالة الملك، حول شعور "الأردنيين من أصول فلسطينية" بالإقصاء والتهميش في دوائر الدولة والمواقع العامة والحياة السياسية، تقترب الصديقة والزميلة لميس أندوني (في مقالتها في "العرب اليوم" أمس) من الوجهة الصائبة لمناقشة هذا الموضوع الحساس والمهم في الوقت نفسه.اضافة اعلان
تؤسّس لميس مقاربتها لقضية الأردنيين من أصول فلسطينية من منظور "الجماعة الوطنية" والمثقف الوطني، الذي لا يتحدّث باسم فئة تجاه فئة أخرى، بل باسم المجموع العام؛ فلا نقع في فخ تقسيم المجتمع إلى جماعات وتجمعات، تخضع لاستقطابات اجتماعية وإثنية!
جوهر خشيتنا من الرسالة يكمن في طبيعة اللحظة الراهنة، التي تشهد نموّاً للهويات الفرعية والخطابات اليمينية والإقصائية. فمثل هذه الرسالة، أو الرد عليها من أطراف أخرى، كفيل بأن يشحن المناخ السياسي بمشاعر قلقة ومضطربة، تزداد سوءاً مع الأزمتين السياسية والاقتصادية، وتمنح الأفضلية للخطابات المتطرفة!
البديل المطلوب لذلك هو خطابات وطنية جامعة، تتحدث باسم الجميع، لا باسم مثقفين وسياسيين من أصول فلسطينية أو شرق أردنية أو شركسية، وتطالب بإصلاح سياسي وطني يتأسس على مبدأ المواطنة، وعلى تجديد العقد الاجتماعي، والإصلاح السياسي، وليس على حقوق ومطالب شريحة اجتماعية دون الأخرى!
في الرسالة التي بعثت بها الشخصيات حديث عن "نسبة تمثيل الأردنيين من أصول فلسطينية" في مجلس النواب، وهي أقل بكثير من حجمهم السكّاني. وهذا صحيح، وطُرحت أكثر من مرّة قضية زيادة تمثيلهم، وضرورة ذلك وصولاً إلى قدر أكبر من العدالة مع مراعاة الجوانب الأخرى، مثل البعد التنموي والجغرافي، أي الوصول إلى "وصفة" وطنية توافقية حول نسب التمثيل المقترحة التقريبية.
المشكلة أنّ الرسالة تعاملت مع القانون وكأنّ هذه مشكلته الوحيدة! من دون أن تتنبّه إلى أنّ كثيراً من الأردنيين لا يقرون بالضرورة قصة "الحقوق المكتسبة" التي جاءت لخدمة أهداف لتيار محافظ ورسمي، وأنّ هنالك معارضة شديدة في المحافظات لمبدأ الصوت الواحد الذي يضر بأبناء المحافظات ونوعية التمثيل ومصالحهم، كما يضر نقص التمثيل السياسي للأردنيين من أصل فلسطيني!
ما نحتاج إليه اليوم هو حوار معمّق بين النخب السياسية والمثقفة يصل إلى تحديد وصفة توافقية تؤدي إلى عقد مجتمعي جديد يمهّد الطريق أمام تجديد العقد الاجتماعي، عبر ترسيم علاقة الدولة بالمواطنين على أساس المواطنة وسيادة القانون والمساواة أمامه، وإزالة مظاهر التهميش والإقصاء والاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ذلك هو الكفيل بإخراج الدولة نفسها من المنطقة الرمادية الحالية في علاقتها بالمواطنين جميعاً، وإعادة تعريف دقيقة للحقوق والواجبات والمسؤوليات، وإدماج الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية المختلفة في المشروع الوطني من جديد.
مشكلة الدولة، باختصار، لا تقع مع شريحة أو فئة دون الأخرى، بل هي مع أغلب الشرائح؛ فالمعادلة السياسية التي حكمت العلاقة بين الدولة وهذه الفئات وصلت إلى طريق مغلقة، ولم تعد تنتج إلاّ المشاكل والأزمات والكوارث، وما نحتاج إليه حالياً هو التأسيس لمفهوم جديد للدولة ولمعنى اللعبة السياسية، وذلك يتطلب نخباً وطنية تتحدث بلغة الجماعة الوطنية بأسرها.