الفوترة .. قادمة

سلامة الدرعاوي قبل سريان مفعول قانون الضريبة الأخير والذي بدأ تنفيذه اعتبارا من بداية العام 2019 كان التهرب الضريبي في أوسع حالاته وأشكاله، وقدر البنك الدولي حجمه بأنه يتراوح بين (600-800) مليون دولار سنوياً، وجزء أساسي منه ليس فقط تهربا، إنما هو أيضا تجنب ضريبي بموجب القانون. بعد سريان القانون الجديد للضريبة تراجعت عمليات التهرب والتجنب الضريبي بشكل كبير، وتوسعت قاعدة المكلفين التي شملت دخول قطاعات بشكل أكبر في مساهماتها الضريبية مما كانت عليه في السابق. لكن عملية الإصلاح الضريبي لم تكتمل في شكلها النهائي، فالمشوار الإصلاحي لذراع الدولة المالية الرئيسي ما يزال في بداياته وهو يخطو خطوات كبيرة في الاستقرار الهيكلي له رغم الهجوم عليه من مختلف قوى المجتمع خاصة من تلك التي تعتبر قوى نافذة. نظام الفوترة الذي تأخر تنفيذه لأسباب تقنية سيطرح عطاؤه خلال الاسابيع القليلة المقبلة، ومن المرجح ان يبدأ العمل به فعليا في الاقتصاد قبيل انتهاء العام الحالي. نظام الفوترة المقبل سيشمل تطبيقه كُل فعاليات الاقتصاد الوطني من تجارة وصناعة وخدمات وغيرها من القطاعات الاقتصادية، ويستثني منه فقط البقالات التي لا تتجاوز مبيعاتها الـ75 ألف دينار والأعمال الحرفية التي لا تتجاوز مبيعاتها الـ30 ألف دينار، وعدا ذلك الكُل مُلزم بإصدار فواتير لأي عملية اقتصادية ناتجة عن أعماله وأنشطته وهذا الأمر حق لكُل من المُستهلك والصانع والتاجر وكُل من يُقدم خدمة يتقاضى بدلاً عنها أجرا أو ثمن بيع. الفوترة احدى الوسائل الفاعلة للحد من التهرب الضريبي الذي يُمارس من قطاعات تعتقد نفسها أنها خارج إطار دولة القانون، لا بل إن البعض لا يعترف بحقوق الطرف الآخر في الحصول على فاتورة لقاء الخدمة التي تلقاها، مُستغلا بذلك ضعف الإطار التشريعي الذي يحمي المُستهلك بهذا الخصوص، ومستغلا كذلك قُدرته المعرفية في الالتفاف على القانون في التجنب الضريبي. من حق كُل مواطن أن يحصل على فاتورة علاجه أو فاتورة توكيله لمُحام أو لمُهندس أو حتى حصوله على أي خدمة من تاجر وصانع وغيرهم من الفاعلين في الاقتصاد ولديهم أنشطة يتم بموجبها بيع سلع أو خدمة. واجب مؤسسات القطاع الخاص ليس الشعبوية ومناهضة جهود الإصلاح الحكومي لمكاسب قطاعية انتخابية، فهذه مسألة مرفوضة كُلياً، واجب هذه المؤسسات دعم التوجه الحكومي في إصلاح عمل القطاعات وإعادة تنظيم شؤون أعمالها وأنشطتها، والمُساهمة والمُشاركة في إصلاحهم من خلال حملات ودورات توعوية وإرشادية وتنظيمية لعمل القطاعات المُختلفة التي تعنى في المحصلة حماية لكُل من يعمل وفق أحكام القانون، ومسجل لأحكام الضريبة ولا يفكر أبداً في تجاوزه. المساواة في تطبيق القانون لكافة المتعاملين والمكلفين ضريبياً هو العدالة بذاتها، فلا يحق لأي كان أن يبيع لمواطن سلعا أو خدمات ولا يقدم فاتورة قانونية، فهذا حق أصيل، ولطالما كانت الشكوى بأن الوعاء الضريبي في الأردن يتحمله فقط موظفو الدولة والقطاع الخاص وكبار الشركات، في حين إن غالبية الشرائح لا تقوم بالتزاماتها تجاه الخزينة تحت حجج مُختلفة. إن نظام الفوترة الجديد يهدف إلى توسيع قاعدة المُكلفين ضريبياً ويساهم في تحصيل حقوق الخزينة المُترتبة على كثير من القطاعات، التي لم تكن مُلزمة سابقا بدفع ضريبة الدخل وتوريدها للحكومة، فالجميع بلا استثناء مشمولون بنظام الفوترة بمن في ذلك المحامون والمهندسون والأطباء والمهنيون والتجار وغيرهم والمستشارون. في النهاية فإن الفوترة وثيقة صادرة عن البائع (سواء بائع السلعة أو مُقدم الخدمة إلى المشتري أو متلقي الخدمة) تُبين وصفاً للسلعة أو الخدمة المُقدمة والسعر والكمية المُباعة، وتبين أيضاً مقدار الضريبة العامة على المبيعات المُحتسبة على الفاتورة، ولا أعتقد أن هذا التعريف والوصف فيه أي غُبن على مُكلف ضريبياً. جميع دول العالم المُتحضر الذي يرتبط الأردن معه باتفاقيات تعاون اقتصادي تخضع تعاملاتها الاقتصادية بلا استثناء إلى نظام فوترة واضح وقانوني، ولا يُمكن أن تحدث أي عملية في أي نشاط هُناك دون حصول المُستهلك أو المشتري على فاتورة مُحاسبية حقيقية وقانونية تضمن معرفة كاملة بعمليات الشراء، ويستطيع أن يُقدمها إلى أي جهة كانت، وتكون مُعتمدة رسمياً لدى الجهات الرسمية المُختلفة في تلك الدول.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان