دور القطاع الخاص في الخروج من الأزمة الاقتصادية

للأزمة الاقتصادية التي يمر بها الأردن أسباب وأبعاد كثيرة، فلا يمكن إرجاعها إلى عامل واحد فقط. حتى الآن، تذهب أغلب التحليلات الاقتصادية والسياسية إلى تحميل السياسات الحكومية تلك الأزمة، ابتداء من الخصخصة وليس انتهاء بالسياسات المالية وسياسة الاستثمار. وبالرغم من وجاهة الرأي الذي يعزو الأزمة للسياسات الاقتصادية، وتحميل الحكومات المسؤولية الأكبر، إلا أن ذلك لا يعفي القطاع الخاص من المسؤولية، ولاسيما فيما يتعلق بالأزمة الحالية وأثرها في المشهد السياسي.اضافة اعلان
فالبطالة متفشية بين الشباب، وهي أعلى بما يقارب ثلاثة أضعاف المعدل الوطني للبطالة. والعبء الأكبر في توليد الوظائف في ظل اقتصاد السوق يقع على القطاع الخاص، وليس الحكومة. ومع إدراكي بأهمية دور هذا القطاع، إلا أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتقه للأسباب التالية:
أولاً: إن النسبة الأكبر من الاستثمارات تذهب للقطاعات التجارية والخدمية. وبالرغم من أهمية هذه القطاعات، إلا أنها لا تساهم بفاعلية في التنمية الاقتصادية وتشغيل العمالة الأردنية. ومن ثم، فهي لا تساهم في استيعاب جزء من العمالة المتعلمة. وبذلك نجد ضعفاً في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والصناعية التي تتجاوز أهميتها إيجاد فرص عمل، إلى المساهمة في النهضة العلمية والتكنولوجية.
ثانياً: يتركز الجزء الأكبر من استثمارات القطاع الخاص في المناطق الحيوية، مثل عمان، والزرقاء، وإربد، ويضعف أو يكاد يغيب في المناطق البعيدة عن عمان والمركز. وعليه، يساهم هذا النمط الاقتصادي في التشجيع على الهجرة الداخلية، وتفريغ المحافظات من العمالة المتعلمة والماهرة لعدم توافر فرص العمل هناك، وتعميق الفجوة بين المركز والمحافظات.
ثالثاً: إن المشكلة الأكبر في القطاع الخاص هي التوجه من جانب المؤسسات والشركات المتوسطة والكبيرة إلى تشغيل العمالة الوافدة للأسباب التي يعرفها الجميع، في ما أريد أن أسميه "أجنبة" العمالة (أي التحول للعمالة الأجنبية بدلاً من الوطنية)، واتباع سياسة إحلال العمالة الأجنبية محل الوطنية. وهذه الظاهرة من أخطر الظواهر في اقتصادنا الوطني. وتاريخياً، كانت العمالة الوافدة تعمل في القطاع غير الرسمي، وبخاصة الزراعة، أما الآن فإن هذه العمالة تعمل في شركات ومؤسسات كبرى، وتشكل عامل طرد للعمالة الوطنية في القطاع الرسمي أيضاً.
إن أحد الأسباب التي يمكن أن يسوقها البعض لاستخدام العمالة الأجنبية بدلاً من الأردنية يتمثل في عدم رغبة الأردنيين وعدم استعدادهم للعمل في هذه المهن. وهذه حجة واهية لا تصمد أمام الواقع العملي. كذلك، يتم ذلك من أجل "حفنة دولارات"، أو ما يسمى بلغة الاقتصاد "زيادة هامش الربح". وقد لا يعلم البعض أن نسبة العمالة الوافدة في بعض الشركات والمصانع الأردنية قد تصل إلى 90 %، وهذه هي مأساة سوق العمل الأردنية؛ وهي أنها تولّد فرص عمل، ولكن نسبة كبيرة منها تذهب لغير الأردنيين.
إن دور بطالة الشباب في الأزمة التي تشهدها البلاد أهم من الفقر. وبالرغم من أن المسؤولية الاستراتيجية في الحد من البطالة هي مسؤولية الحكومة، لكن الحكومة لا تستطيع معالجة المشكلة بمعزل عن القطاع الخاص. وقد آن الأوان للقطاع الخاص أن يأخذ موقعه الطبيعي في معالجة الأزمة الاقتصادية، والنهوض بالاقتصاد الوطني.

[email protected]