فلسطين التي لا يعرفها رومني

زاهي خوري*
 (الواشنطن بوست) 10/8/2012

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 

أنا أميركي فخور. وأنا رجل أعمال أكدح بجد وأقوم بخلق الوظائف. وأنا مسيحي مؤمن.و، أنا فلسطيني.اضافة اعلان
وبقدر ما يمكن أن تدفع هوياتي ميت رومني إلى الحيرة وحك رأسه، فإنه هو الذي يحتاج إلى درس في "الثقافة وبعض الأشياء الأخرى"، باستعارة كلماتها التي قالها مؤخراً هو نفسه.
ولو أنه قضى يوماً معي في الأرض المقدسة، لكنتُ صحبته إلى حي في القدس، حيث ما يزال منزل عائلتي قائماً منذ خمسة قرون. وكنت سأريه أشجار البرتقال في يافا، التي ساعدت عائلتي في إنتاجها وتقديمها للعالم في الثلاثينيات.
وهذا صحيح: إن برتقال يافا هو علامة تجارية فلسطينية، وليست إسرائيلية. ولكن، ومثل الكثير من العلامات "الثقافية" التي تزعمها لنفسها الدولة اليهودية التي نصّبت ذاتها بذاتها، فقد صودرت حتى أشجار الفاكهة التي تعهدتها الأجيال المتعاقبة من أبناء شعبي على مدى قرون.
ربما يُخدع رومني ويغوى إلى التفكير بأن البرتقال، والفلافل والحمص –هذه الأصناف الغذائية التي تنتمي إلى المطبخ الفلسطيني منذ أجيال- هي من المنتجات الإسرائيلية. ولكن، كيف له أن يجرؤ على الادعاء بأن دولة بنيت على حساب تاريخ شعب آخر ومنجزاته، إنما تقودها "يد العناية "إلهية"؟
إن إسرائيل لم تجعل الصحراء تزهر. وإنما قامت بدلاً من ذلك، وبفضل اتفاق أبرم مع الصفوة البريطانية في فلسطين الانتداب، بسرقة أرض، ومجموعة من المؤسسات، وفي الحقيقة، قامت بسلب ثقافة لا تخصها على الإطلاق.
وقد فعلت ذلك على حساب شعبي. ومثل أكثر من ثلاثة أرباع سكان فلسطين، اضطرت عائلتي إلى ترك هذه الأرض بعد إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948. وحتى لو أننا أُجبرنا على التخلي عن أعمالنا الناجحة ومنازلنا التي توارثناها منذ قرون، فإننا لم نصبح، مع ذلك، أولئك الضحايا "غير المثقفين" الذين يقترحهم تصوير رومني الكاريكاتوري.
وقد ذهب معظمنا إلى دول عربية أخرى، حيث أصبحنا نحن الفلسطينيين معروفين بالفطنة والدراية الإدارية، وساعدنا في بناء القطاعات العامة والخاصة الوليدة. اسأل إخوتنا العرب في دول الجوار أو أي مكان آخر في منطقة الخليج العربي، وسوف يقولون لك: إن الثقافة الفلسطينية، وارتكازها على التعليم والعمل الدؤوب، كانت قوة للأمل، والتنمية والرخاء.
وعلى الرغم من ظروفهم، يتقاسم الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي الوحشي نفس هذه الثقافة، ويحققون بفخر نفس الإنجازات الرائعة التي لا تصدق. وقد عدت أنا، على سبيل المثال، إلى فلسطين في العام 1993 لإطلاق أول منشأة لتعبئة الكوكاكولا في الضفة الغربية. وقد تم منحها جائزة أفضل بلد في عملية التعبئة في شهر أيار (مايو) من شركة كوكاكولا، وهي شهادة على براعة زملائي وتصميمهم. لكنه لا يمكن لهذه الصفات وحدها أن تتغلب على الآثار الخانقة للاحتلال الإسرائيلي.
إذا كان رومني قد فهم أي شيء بشكل صحيح، فهو أن الإسرائيليين يتفوقون كثيراً على الفلسطينيين في صافي الثروة. وفي واقع الأمر، كانت تقديراته للتفاوت محافظة جداً: في إسرائيل، يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 32.000 دولار، في مقابل نصيب الفرد الفلسطيني البالغ 1.500.
واللافت، أن هذا الرقم 1.500 دولار، يعادل تقريبا نصف ما كان الفلسطينيون يحققونه في العام 1993، عندما تم توقيع اتفاقات أوسلو. وبعبارة أخرى، جعلتنا عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة أكثر فقراً.
فكيف يكون ذلك ممكنا؟
ليس للفلسطينيين سيطرة من أي نوع على تنميتنا الاقتصادية. فكل الموارد -المياه والأراضي والتربة والمعادن، والمجال الجوي، والبشر تتحكم فيها وتستولي عليها إسرائيل، والتي تقوم بعد ذلك بترتيب بيع جزء صغير منها إلينا.
وفي الضفة الغربية، على سبيل المثال، يستهلك المستوطنون الإسرائيليون 4.3 أضعاف متوسط كمية المياه التي يستهلكها الفلسطينيون. وفي وادي الأردن وحده، يستهلك حوالي 9.000 مستوطن في مستوطنات إسرائيل الزراعية ما يعادل ربع كمية المياه التي يستهلكها الشعب الفلسطيني بأكمله في الضفة الغربية، والذين يبلغ عددهم 2.5 مليون نسمة تقريباً.
كما لا يتمتع الفلسطينيون بالسيطرة على حدودنا. ويعني ذلك أننا لا نستطيع الاستيراد أو التصدير من دون أن نخضع لإجراءات تمييزية يمارسها المحتل ضدنا. ويعني ذلك أيضاً أنه لا يمكننا، من دون الحصول على إذن إسرائيلي، استقدام أو استخدام الخبراء لتعزيز مهارات موظفينا أو إرسال مستخدمينا للتدريب في الخارج.
أما الأسوأ من ذلك، فهو أننا محصورون في داخل المناطق التي تبدو ظاهرياً تحت "سيطرتنا". لكن هناك، في أي وقت من الأوقات، أكثر من 500 من نقاط التفتيش الإسرائيلية وحواجز الطرق وغيرها من العوائق التي تعترض الحركة داخل الضفة الغربية المحتلة -وهي منطقة أصغر من ولاية ديلاوير- والتي تعيق الفلسطينيين وبضائعهم عن التنقل بين مدنهم وبلداتهم الخاصة وتحول دون تواصلهم مع العالم الخارجي.
إن ما يعرقل التنمية الفلسطينية بجميع أنواعها وبشدة هو الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لم يستسلم الفلسطينيون. وتتمتع فلسطين بواحد من أعلى معدلات التعليم في العالم العربي. ويواصل شبابنا الدراسة حتى يتخرجوا من الجامعات، وينشؤون الأعمال ويكتسبون المهارات. وقطاعنا الخاص ينمو ويبتكر.
كل هذا يحدث في 22 ٪ من فلسطين التاريخية التي هي الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا كان لدى رومني أي منظور تاريخي، فإنه سوف يتخلص من أحكامه العنصرية عن الثقافة الفلسطينية، ويتصور بدلاً من ذلك إمكاناتنا من دون العراقيل التي تفرضها إسرائيل.


*رجل أعمال فلسطيني يعيش في الولايات المتحدة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Palestine Romney doesn’t know

[email protected]