موازنات بلا رقابة

في استطلاع، غير علمي، أجراه منتدى الاستراتيجيات الأردني؛ حول مدى اطلاع العامة على مشروع قانون الموازنة العامة للسنة الحالية، تبين أنّ أقل من ربع المشاركين اطلعوا على مشروع القانون، في مقابل 78 % ممن لم يقوموا بذلك، أو غير مهتمين بالأمر أساساً.اضافة اعلان
وهكذا نتائج لا تبدو إيجابية؛ إذ هي تعكس أساساً ضعف إدراك المواطنين لأهمية الموازنة العامة، التي تعتبر خريطة طريق الحكومة، أي حكومة، بتحديد مسار السياسات لسنة مالية كاملة. وهو ضعف يصيب بالتالي أيضاً، بشكل أو بآخر، إمكانية إحداث فَرق على صعيد هذا الشأن الجوهري.
للأسف، هذا هو واقع الحال الذي يعطي مساحة كبيرة للحكومات للتصرف بأموال الخزينة بعيدا عن رقابة رأي عام يحاسبها على كل فلس تنفقه، ضمن هدف التأكد من ذهاب هذه الأموال في الصالح العام، وبما يؤثر إيجابيا في حياة المواطنين.
وغياب الاهتمام الشعبي يعطل أداة رقابية مهمة تكترث لها الحكومة، هي الرقابة المجتمعية. وبسبب هذا الغياب خصوصاً، ربما ما تزال الموازنات تبنى بطرق بدائية بعيدا عن الأهداف الحقيقية، كما تبقى تعاني أيضا من ترحيل التشوهات ذاتها مع كل موازنة.
أهمية الاطلاع على الموازنة، تكمن في أنه يعطي المتابع تصورا عما هو ممكن أوغير ممكن القيام به من قبل الحكومة. كما يفرض طوقا من المتابعة، يضغط على الحكومات لتوجيه الإنفاق بشكل مجدٍ للناس والمجتمع.
فالمجتمع الذي يطمح إلى التنمية والإصلاح المالي، يمكن له منذ الآن التوصل إلى نتيجة مفادها أن العام 2016 لن يشهد شيئا مما يحلم به، كون أرقام وبنود الموازنة تكشف أنها ليست إصلاحية ولا تنموية.
متابعة تطبيق الموازنات والالتزام بما جاء فيها، هي أيضاً قصة غائبة عندنا. فمثلا، في موازنة العام 2015، أنفقت الحكومة ما تصل قيمته إلى 150 مليون دينار إضافية على ما هو مدرج في القانون، ومن دون إصدار ملحق بذلك! ومن ثَمّ، تم وضع بند في موازنة 2016 لسداد ذاك المبلغ.
الأداة الرقابية الأخرى على الموازنة يفترض أن تكون مجلس النواب. وهي بدورها تعاني قصورا كبيرا، وموسمية في فعاليتها، حتى لا تكاد تظهر إلا في فترة إقرار القانون؛ اذ تبدأ المناقشات في مجلس النواب من قبل اللجنة المالية، وتستمر الاجتماعات المكوكية حتى إقرار الموازنة، ثم تتلاشى هذه الرقابة مع السير في تطبيق القانون.
أثناء المناقشات، وعلى مدى سنوات طويلة، درجت العادة أن تخرج اللجان النيابية بتقارير وتوصيات لا يتم الأخذ بها، فتبقى حبرا على ورق! إذ يتم إقرار الموازنة عادة كما جاءت من الحكومة.
الجهة الرقابية الثالثة تتمثل في منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الملف. وهي على كثرتها، لم تُحدث فرقا يُذكر؛ بما في ذلك إنتاج وعي مجتمعي بأهمية الموازنة، والنجاح تاليا في خلق ثقافة الحقوق الاقتصادية لدى عموم المواطنين، ومنها ضرورة الاطلاع على الأقل على البنود الرئيسة في الموازنات العامة.
الإعلام أيضا كان له أن يلعب دورا رقابيا في متابعة الموازنات العامة ومدى الالتزام بها. لكن المتّبع حاليا يبدو خلاف ذلك، لأسباب ربما تتعلق بسياسات التحرير، أو غياب المعرفة والفهم الماليين اللازمين على هذا الصعيد.
قبل يومين، أنهت اللجنة المالية النيابية مناقشتها لمشروع قانون الموازنة العامة والوحدات المستقلة، بعد اجتماعات مكثفة. ويتوقع أن تصدِر تقريرا بتوصياتها قريبا؛ سواء ما يتعلق منها بتخفيض الإنفاق أو غيره. لكن يبقى الأمل باعتماد هذه التوصيات محدودا؛ فهذا هو الأصل المعتاد والاستثناء غير ذلك.
رغم أهميتها البالغة، ما تزال آليات الرقابة على الموازنة ضعيفة وأيضا البحث في تفاصيل القانون المعقدة سطحي، ومراقبة مدى تطبيقه مسألة ثانوية، لا تأخذ الاهتمام المطلوب ولو بالحد الأدنى، وطالما الحال كذلك، يحق للحكومة أن تفعل ما تشاء.