"نقش": فضاء ثقافي اجتماعي في بيت قديم يجمع العمانيين بمكان واحد(فيديو)

جانب من "نقش" أحد بيوت عمان القديمة - (تصوير: محمد مغايضة)
جانب من "نقش" أحد بيوت عمان القديمة - (تصوير: محمد مغايضة)

غيداء حمودة

عمان - على الحد الفاصل بين منطقة وسط البلد وجبل اللويبدة، يأتي بيت قديم بني في العام 1924، تنتشر فيه فضاءات حميمية ومختلفة، وسط حديقة جميلة، تم ترميمه وافتتاحه مؤخرا تحت اسم "نقش" الذي يشكل مساحة تهدف لاحتضان أشكال الإبداع والأنشطة الثقافية كافة، وتستهدف بشكل أساسي الشباب المبدعين لتسليط الضوء عليهم وإيجاد فضاء للقاءاتهم وإنتاجاتهم.
هو بيت سعيد نَفَش؛ إحدى العائلات الشركسية التي سكنت عمان، الذي سكن هو وعائلته البيت حين بني، ومن ثم تم تأجيره لفريدريك باشا قائد الجيش البريطاني في عشرينيات القرن الماضي، وتعاقب على البيت مجموعة من العائلات، وأصبح عيادة لطبيب أجنبي كان متطوعا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وأيضا أجر لعائلات عديدة أخرى كسكن.
في العام 1999، هُجر البيت لمدة 15 عاما ولم يتم استغلاله، مما أدى إلى تلف أجزاء منه، وبخاصة الجدران والأبواب والمرافق الصحية والحديقة.
وفي بداية العام 2014، لفت البيت مؤسس "نقش" يحيى أبو صافي؛ وهو كاتب وباحث في القانون الدولي وناشط ثقافي، واتفق مع أصحابه؛ ورثة الراحل سعيد نفش على أن يقوم بترميم البيت مقابل استثماره كفضاء ثقافي ومساحة إبداعية لتفعيل وإحياء البيت بعد أعمال الترميم، وعندها بدأ ترميم "نقش".
وبحسب يحيى، فقد تخللت أعمال الترميم مجموعة من التحديات منها معالجة الجدران الداخلية التي وصل إليها الخراب، حيث "تمت الاستعانة بمختصين لمعالجة هذه الأجزاء من البيت".
ويبين أنه تم الحفاظ على هوية البيت وتفاصيله، حتى غالات الأبواب وإكسسواراتها؛ حيث تم استخدام الأبواب نفسها وإصلاح الجزء المتضرر منها، وطليت الأبواب باللون الأخضر على طراز البيوت القديمة، كما تم استبدال الزجاج المتكسر بزجاج قديم يتناسب مع روح البيت.
ويستذكر يحيى كيف بدأت أعمال ترميم البيت في آذار (مارس) 2014 بالاستعانة بالعمال والصناعيين المختصين بالترميم، مشيرا إلى انضمام مجموعة من الأصدقاء سواء من الشباب المحليين أو الأجانب المهتمين بالحفاظ على الأبنية القديمة في عمان، مما "عزز فكرة المشاركة في عملية الترميم أو بتكوين تصور لتفعيل البيت وإحيائه ثقافيا واجتماعيا"، وفق يحيى.
وشبابيك البيت صغيرة على شكل أقواس. أما الطابع العمراني للبيت فيلغب عليه الطابع المدني المتأثر بالنمط الشامي والتركي والإسلامي. ويتكون البيت في الداخل من ثلاث غرف ومطبخ ومرافق.
أما بلاط البيت الداخلي فهو من البلاط القديم الذي تم جلبه من نابلس، في حين تمت إضافة بلاط قديم في الخارج يتناسب وهوية المكان.
جدران البيت سميكة؛ إذ تبلغ سماكة الجدران الداخلية 60 سم، في حين تبلغ سماكة الجدران الخارجية للبيت 80 سم، الأمر الذي يعطي برودة في الصيف ودفئا في الشتاء.
الترميم أيضا شمل الحديقة، التي تتميز بمتسويات مختلفة يشكل كل منها فضاء خاصا، وتم الاعتناء بالأشجار المثمرة التي كانت ما تزال تنمو في الحديقة، وزرع يحيى أيضا أشجار فواكه وحمضيات جديدة ومجموعة من الأعشاب كنوع من الاكتفاء الذاتي الذي يعمل على "إعادة إحياء الحديقة واستغلال المساحات الفارغة".
ينقسم البيت من الداخل إلى ثلاث غرف، تستخدم إحداها اليوم كمكتبة وغرفة للقراءة واحتضان مجموعات القراءة الشابة، بالإضافة إلى غرفة أخرى مخصصة لورش العمل، وغرفة للإدارة.
الأثاث الحالي في "نقش"، وبخاصة ذلك الذي في الحديقة يعتمد بشكل أساسي على مبدأ إعادة التدوير؛ إذ تمت إعادة تشكيل قطع قديمة من الأخشاب والطبليات.
ويشير يحيى إلى حصولهم على شبابيك "دارة الفنون" القديمة من الفنان التشكيلي حمادة علقم التي تمت إعادة تدويرها واستخدامها كأسطح للطاولات، في حين تم استخدام خشب الطبليات لصنع هيكل الطاولات، وتم أيضا استخدام جزء منها كمقاعد في الحديقة.
ويؤمن يحيى أن "شراء أي طاولة جديدة يعني قطع شجرة، بينما إعادة تدوير قطع خشبية يعني المحافظة على شجرة".
افتتاح "نقش" بحلته الحالية كان في شهر شباط (فبراير) الماضي. واشتمل الافتتاح على مجموعة من الفعاليات الثقافية والفنية لمدة ثلاثة أيام؛ حيث قدم في اليوم الأول الفنان الملتزم كمال خليل مؤسس فرقة "بلدنا" أمسية، وتضمن اليوم الثاني أمسية قصصية للكاتب هشام البستاني مع عزف موسيقي لحسين عبدالمنعم، أما اليوم الثالث فاشتمل على أمسية شعرية للشاعر عمر الطروانة.
وحول اختيار اسم "نقش"، يبين يحيى أنه تم بالصدفة "وكأنه ولد مع انتهاء أعمال الترميم"، مشيرا إلى أنه تناقش مع صديقه سليم كونا؛ وهو من رواد العمل الاجتماعي والثقافي في جبل اللويبدة وعضو مؤسس في جمعية أصدقاء اللويبدة، وشيما التل حول الاسم، وبخاصة أنهما كانا متابعين لأعمال الترميم، مبينا أنه كان اقتراح سليم بتسميته الفضاء بـ"نقش" لما له من دلالات "سواء في أعمال الترميم، حين نقش الفضاء الجديد مجموعة من الشباب والأصدقاء الهمتمين في إحياء البيت، بالإضافة إلى دلالات فنية وجمالية؛ حيث نقش هو الفعل الإبداعي الأكثر حرية وقسوة لتشكيل الحجر وإعادة نفخ الروح الفنية والجمالية فيه ليصبح تمثالا أو حجر بناء، فضلا عن استخدامه في اللغة في نقش الحناء والمناقيش وغيرها"، بحسب يحيى.
ويضيف يحيى أن كلمة "نقش" لها دلالة معرفية؛ "حيث إنه مصدر فعل نقش: يناقش: نقاش؛ فالنقش أحد أشكال إنتاج المعرفة".
دلالة أخرى يراها يحيى تربط اسم "نقش" بالبيت وهو حجر البيت نفسه الذي تم نقشه بأيادي نقاشين شكلوا الهوية العمرانية لعمان القديمة.
ويبين يحيى أن "نقش" يفتح أبوابه لمختلف الفئات الاجتماعية من سكان عمان والمحافظات، رائيا أنه "فضاء لالتقاء جانبي عمان وضفتيها الشرقية والغربية، وبخاصة أنه يقع على الحد بين شرق عمان وغربها".
و"نقش" هو مشروع ثقافي اجتماعي قائم على التمويل الذاتي، وتم تنفيذه بمشاركة العديد من الشباب والمثقفين، ويأمل يحيى بأن يتم الالتفات إليه من قبل أمانة عمان الكبرى ووزارة الثقافة.

اضافة اعلان

[email protected]