أم هارون.. لماذا؟

عند قراءة أو مشاهدة أو سماع أي عمل فني أو ابداعي، تعلمنا أن نطلق سؤالا باطنيا في البداية؛ لماذا؟ فإن كان هناك إجابة للسؤال يحصل العمل على درجة نجاح، وإلا فإن عدم وجود سبب سيفقد الإبداع حقه الأول في المتابعة والاهتمام.اضافة اعلان
هذا بالضبط ما لفت انتباهي بعد الجلبة التي أحدثها مسلسل "أم هارون" و الذي يعرض على قناة MBC كواحد من أضخم الإنتاجات الدرامية التي قامت عليها المحطة. فالكاتبان الشقيقان علي ومحمد شمس وحين فكرا بكتابة القصة، لم يستندا إلى رواية شهيرة مثلا، ولم يستنبطا عنوان وتفاصيل الموضوع من شهادات حية ووثائق في الذاكرة تستحق الإضاءة. كل الأمر لم يزد عن مقابلة أو مقابلتين لشخصية كان اسمها "أم شاؤول" في التلفاز الأرضي، تحدثت عن مذكراتها في دولة الكويت إبان مرحلة تاريخية مهمة.
إذن، فإن السبب لم يتعد وجاهيا لاستنباط الفكر والجهد والخيال من أجل صناعة دراما لا تمت بصلة للمشاهدين، على الأقل حتى قبيل بث المسلسل.
ولمن لم يلتحق بالموجة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مسلسل "أم هارون" من بطولة حياة الفهد ونخبة من فناني الخليج، يصور علاقات "حسب القائمين عليه" الأديان المختلفة في دولة الكويت في أربعينيات القرن الفائت، كما يلقي الضوء على التمييز والاضطهاد الذي لاقاه اليهود خلال ذروة الحركة الصهيونية والنكبة التي لحقت بفلسطين والفلسطينيين، بالطبع من خلال شخصية البطلة التي قررت الفهد أن تؤديها وهي في خواتيم أعمالها الدرامية والمسرحية والثقافية لمدة تزيد على الخمسين عاما، كانت قد بنت خلالها "خالتي قماشة" علاقة طيبة مع جمهورها العربي من المحيط إلى الخليج، وعاصرها ملايين من المشاهدين العرب على اختلاف أعمارهم ومرجعياتهم و لهجاتهم، وكانوا يحبونها بصدق ويصدقونها!
وبالعودة إلى الأسباب التي يمكن أن تجعل كاتبا يقضي وقته وجهده وخياله من أجل قصة مماثلة، نجد أنه لا شيء يستحق إلا الرغبة الداخلية له أو لهما باعتبارهما شقيقين، والتي لا نعرفها حتى الآن، بيد أن الذي يمكن أن نلتمسه من خلال المشاهد رديئة الإخراج والبنية الدرامية أساسا، أنه عمل درامي تطبيعي حقق للحركة الصهونية هدفا كانت تسعى إليه منذ عقود، وهو تمرير أفكارها الاستيطانية وغسل أدمغة الجيل بنوايا على شكل عبارات ولقطات تزرع في اللاوعي المشاهد، وتحقق هدفها البعيد بعد فترة.
العمل الذي يخرجه بالمناسبة المخرج المصري محمد العدل، كواحد من جوقة الإنتاج الذي أراد أن يظهر للعلن عربيا متوحدا ومتعددا في آن واحد، تعرض للانتقاد الفني قبل القيمي والأخلاقي، بسبب أخطاء في المونتاج والتمثيل والإخراج، ناهيكم عن "الخطأ" التاريخي في الحلقة الأولى الذي لم أعتبره خطأ من الأساس! إنما لفت انتباهي في الحلقة الثالثة حوارية ما بين "أم هارون" وصديقتها المسلمة حين ردت على دعوتها بنسيان الماضي والظلم والاضطهاد، لترد عليها بحزن "إذا حنا نسينا يا أم هارون، إنت بتنسين؟". مثل هذه العبارات هي التي تدغدغ مشاعر الجهات الأمنية والدعائية في دولة الاحتلال، والتي كما نتابع تلقت هدية من حيث لا تدري، أو ربما تدري، وتحتفل به يوميا على مواقعها التواصلية. لعل الشكر والتقدير منهم يصل لأصحاب العمل سريعا ودسما!