إليزابيث الثانية وونستون تشرشل

خالد دلال تتجه الأنظار بعد غد الاثنين إلى كنيسة سانت جورج في قصر ويندسور غرب لندن، حيث تقام مراسم جنازة الملكة الأطول حكما في تاريخ بريطانيا، إليزابيث الثانية، عن عمر ناهز 96 عاما، ليشكل رحيلها أحد أهم الأحداث في قرننا الحالي لأسباب عديدة، لعل من أهمها أنها تربعت على عرش بلادها في العام 1952، عندما كان ونستون تشرشل رئيسا لوزراء بريطانيا العظمى، والذي استطاع بحنكة وحكمة وشجاعة يشهد له بها التاريخ، خلال الحرب العالمية الثانية، من قيادة بلاده من قعر الهزيمة إلى قمة النصر ضد هتلر وألمانيا النازية وقتها، وليكن بذلك من حافظ على استقلال بريطانيا والذود عن عرشها، بعبقرية فذة لهذا الرجل، الذي يعد بحق أحد عظماء السياسة وإدارة الحروب في تاريخ البشرية بأسرها. ولعله من المفيد، والعالم يودع إليزابيث الثانية، والتي حفظت ما قام به تشرشل من خدمات جليلة لبلاده ولعرشها بأن منحته جنازة رسمية مهيبة شهد لها التاريخ، حتى أنها شاركت بتشييع الجثمان بنفسها، تسليط الضوء على بعض مناحي فكر رئيس الوزراء البريطاني التاريخي، والتي يمكن استخلاصها من بعض أقواله الخالدة. ومنها: "في السياسة ليس هناك عدو أو صديق دائم، بل هناك مصالح دائمة". وهذا أحد أسس العلاقات بين الدول القوية عبر التاريخ. ومنها قوله: "الجهد المتواصل، وليس الذكاء أو القوة وحدهما، هو مفتاح إطلاق قدراتنا الكامنة". وهو بحق أحد أهم المبادئ لإدارة الأفراد والدول لشؤونهم. فالنتائج، في مختلف مناحي الحياة، لا تتحقق إلا بالإصرار والمثابرة. ومنها: "إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل". وهذا فعلا ما نراه اليوم من هيمنة الدول المتقدمة وعمالقة شركاتها على مقدرات العالم بالإبداع والتقدم العلمي وأدواته. ومنها قوله: "التاريخ يكتبه المنتصرون". وهو ما نراه واقعا في كتب التاريخ التي نقرأ، فالتاريخ لا يحفل بالمهزوم ورواياته. ومنها: "السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ، والقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق تنبؤاته". وهذا قول في قمة الدهاء عبر العصور. ومنها قوله: "من الجيد أن تكون صادقا، لكن من الضروري أيضا أن تكون على حق". وهو ما تشرحه كتب الفلسفة باستفاضة لمن أراد المزيد. ومنها: "لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل". وهذا ما على الكثير من المولعين بالسياسة والاقتصاد فهمه جيدا وهم يخدمون أوطانهم. القائمة تطول لأقوال رجل يعده البعض أعظم من أنجبت بريطانيا العظمى، ولعل كل ما تقدم السبب وراء أن إليزابيث الثانية كانت ترى في تشرشل مرشدا ومعلما مخلصا لها، ولعله السبب أيضا لما كتبته له عند تقاعده من العمل العام، وبخط يدها، في العام 1955: "لن يكون هناك أي رئيس وزراء آخر بالنسبة لي قادر على أن يشغل مكانة رئيس وزرائي الأول، والذي أدين وزوجي له كثيرا، والذي سأكون دائما لتوجيهاته الحكيمة، خلال السنوات الأولى من حكمي، ممتنة للغاية". وقد كانت، حتى أنها دأبت على إهداء كتب تشرشل، خصوصا تلك التي يتحدث فيها عن الحرب العالمية الثانية والأحداث التي عاصرها، لزعماء العالم إقرارا بإسهاماته الجليلة في خدمة بلاده وعرشها. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان