"الأردن وجد ليبقى" في كلام الأمير

ماهر أبو طير
ماهر أبو طير

تجاوز الأمير الحسين ولي العهد، مرحلة صناعة الصورة، وبناء الانطباع، بشكل كبير، مرحلة مختلفة تماما، لها علاقات بملفات الداخل الأردني، وأزمات الجوار، والعلاقات الدولية.

اضافة اعلان


هذا هو الاستنتاج الأبرز الذي تخرج به من مقابلة الأمير مع الزميل طاهر بركة في قناة العربية، ليلة أمس، والتي اتسمت بالصراحة والجرأة في التعبير عن ملفات كثيرة، بعضها يعد من الملفات الأردنية الأبرز، وبعضها ملفات أردنية عربية، أو دولية، وإذا كانت من ميزة للمقابلة فهي الاطلاع على كافة التفاصيل والتوازن الشديد جدا في التعبير عن الموقف من ملفات كثيرة، وهو توازن لم يلغ أي رسالة يريدها الأمير بل صاغها في سياق عام مقبول جدا.


إذا كانت هذه المقابلة الأولى حصريا منذ إعلانه وليا للعهد عام 2009، فهي أيضا بالمناسبة تتطابق مع شخصيته والجلسات الخاصة التي يستمع فيها إليه من يقابله، وقد قابلته على مدى ساعة قبل شهور قليلة، وكان مذهلا بصراحة أن تكتشف إطلالته التفصيلية طوال الوقت على الملفات الداخلية ونظرته إلى القطاعات وخصوصا الاقتصادية، وما يتعلق بالتعليم والسياحة وملفات التقنية والريادة والتكنولوجيا على مستويات مختلفة، إضافة إلى تصوره لكل أزمات المنطقة، والعلاقة مع الجوار العربي، والعلاقات الدولية، وإذا كان اللقاء معه ليس مخصصا للنشر بل للاستماع والنقاش والحوار، فإن من أهم استخلاصاته أن السنوات التي مرت منذ عام 2009 كانت سنوات بناء صلب وعميق لدور ولي العهد في الأردن.


لكن الكلام عن مقابلة العربية يأخذنا إلى العلنية أكثر، خصوصا، في مكاشفة الأمير للناس حول أولويات الأردن، وهي مكاشفة تتطابق مع ما يقوله بعيدا عن التلفزة، خصوصا، إصراره على أن الأولوية هنا هي الأردن، وحياة الأردنيين ومصالحهم ومستقبلهم، وضرورة التعامل مع التغيرات، على مستوى التعليم والبطالة، وما عرضه من أرقام خلال المقابلة، وهو هنا في سياق آخر يتحدث عن غزة والألم والغضب الذي يعيشه الأردنيون بلا استثناء، مؤكدا أن مساندة الأشقاء الفلسطينيين لا تتناقض أصلا مع صون الأردن وحمايته بكل الطرق.


أعجبني كثيرا تعبيره عن أحداث عام 1970، حين تجنب وصفها بأزمة بين شعبين، أو مكونين أردنيين، بل صاغها في سياق الصراع بين الاستقرار والفوضى من جهة ثانية، وهذا ذكاء تجنب بكل شفافية الترسيمات التي يريد البعض تعزيزها دليلا على انقسام وهمي في هذا البلد، خصوصا، حين أشار الأمير إلى أن الوحدة الداخلية قوية، وأن كل الأردنيين يتوحدون في الأزمات، وأن الهويات الفرعية طبيعية ما دام الإنسان يحترم أردنيته، ويخلص للأردن.


سقف الأمير في التعبيرات عن موقفه من السياسات الإسرائيلية من جهة، وتشخيص العلاقة مع إيران دون عداء بل بتوازن شديد ألمح عبره إلى طبيعة الأزمات الكامنة، دون أن يلغي إمكانية التفاهم والحوار، ودون أن يتجاوز حساسية اللحظة من خلال تعزية الإيرانيين برحيل القادة الإيرانيين في حادثة الطائرة، إضافة إلى منحه للعلاقة الأردنية السعودية مساحة مميزة، وقد أبرق برسائل مهمة حول العلاقة مع القيادة السعودية، والشعب السعودي.


المهنية في الصورة والمحتوى في هذه الحلقة تجلت بنمطية الحلقة من حيث دخول الأمير مع المحاور مشيا معاً ثم بدء الأسئلة، ثم الانتقال في النصف الثاني إلى الترويج للسياحة في الأردن، وهو هنا بظهوره في طائرة الهليوكبتر مصطحبا المحاور إلى عجلون، يقول إنني شخصيا أدرك مزايا الأردن التي تستحق الإشارة إليها، ودوري هنا، وربما دورنا جميعا أن نركز على الإيجابيات في الأردن، بدلا من جلد الذات، وانتقاص القيمة المضافة في الموارد البشرية والطبيعية، وفي قدرة الأردن على أن يبقى برغم كل هذه الظروف التي يعيشها ويمر بها جواره، فالبقاء عقيدة سياسية استطاعت القيادة إدامتها بكل توازن، ولعل مثال الحرب على العراق الذي  طرحه كان حساسا جدا، بكل ما فيه، من ذات المثال، وأي تطابقات مع حالات ثانية.


الإشارة المهمة التي قالها الأمير سريعا، تتعلق بمحاولة كثيرين، تمرير قصة هنا أو هناك، قد لا تكون صحيحة، والذين يعرفونه عن قرب يدركون أنه لا يحب التراشقات ولا التشاغل بالصغائر، ويميل إلى الجدية، ويريد الحلول فقط.


وهو يقول ضمنيا إن الأردن وُجد ليبقى، أوجدته إرادة الله، ودورنا أن نصون ديمومته.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا