الحرب التي لا يراها أحد

مالك العثامنة- الأسبوع الماضي، أعلن وزير عامل في الحكومة الإسرائيلية أنه سيقدم مشروع قانون يجعل من الصهيونية “قيمة إرشادية وضرورية” في عملية صنع القرارات الحكومية، في محاولة لوضع مبادئ “قانون القومية” الصادر عام 2018 والمثير للجدل موضع التنفيذ. هذه خطوة جديدة تعكس خطوات سابقة وأخرى لاحقة ومتلاحقة يعتمدها تيار اليمين الإسرائيلي الديني المتطرف كإستراتيجية ممنهجة وجديدة لتغيير كل قواعد الاشتباك والمواجهة مع الفلسطينيين، وبالتالي مع كل إقليم الشرق الأوسط. قانون القومية نفسه، الذي كان أحد عرّابيه نتنياهو وغيره من اليمين “القومي”، يرسخ لأخطر تداعيات قادمة بالضرورة وعلى رأسها “الترحيل الديمغرافي” للعرب في الداخل الإسرائيلي والفلسطينيين في الضفة الغربية، التي يعتبرها القانون جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل، لا مناطق محتلة حسب القانون الدولي. مشروع القانون الجديد الذي يتقدم به وزير النقب والجليل والصمود الوطني (هذا اسم حقيبته الوزارية!!) يتسحاق فاسرلاوف سيتم جدولته على برنامج مناقشات الحكومة قريبا حسب الوارد من مصادر إسرائيلية، ثم سيتم عرضه على الكنيست لإقراره وتثبيته كقانون وهذا سيجعل منه قانونا تنفيذيا مباشرا لقانون القومية الذي صدر كقانون أساس، والقانون الأساس له حماية في إسرائيل شبيهة بالدستور. على الأرض، وقريبا جدا حسب تلك القوانين المتلاحقة التي يصدرها اليمين المتطرف ويكسبها شرعية الحضور عبر الكنيست فإن الواقع سينتهي فعليا بعدم شرعية السلطة الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يبني على عدم شرعية وجود الفلسطينيين أنفسهم على الضفة الغربية، حتى عرب إسرائيل فإن قانون القومية يعاملهم “رسميا” كمواطني درجة ثانية، واللغة العربية هي حالة خاصة وليست لغة رسمية ثانية في دولة “يهودية” مغلقة بالمطلق على اليهود فقط لا غير. نحن أمام سد منيع يتم بناؤه بسرعة لصد أي فكرة تتحدث عن دولة واحدة بين الفلسطينيين واليهود، وبعد سقوط فكرة الدولتين وموتها حتى لو لم يتم دفنها فإن المرء يتساءل عن أي آفاق يمكن التحدث عنها فيما بعد؟ حين يتحدث البعض عن الالتزام بسياسة “الوضع الراهن” كرهان على الوقت، فإنه غافل أو يغفل أن الوقت فعليا هو في صالح تمدد اليمين المتطرف في إسرائيل، وسياسة الوضع الراهن تلك التي يريد البعض التمسك بها غير صالحة في إقليم تتغير أوضاعه من جذورها، وهو ما يشبه تمسك أحدهم بالجلوس على مقعد في غرفة جلوس يعمل كل الباقين فيها على تغيير كل ما فيها من تفاصيل، لينتهي “أبو الوضع الراهن” جالسا على مقعده خارج محيط غرفة جلوس جديدة بالكامل. المطلوب مواجهة القادم من تغييرات إقليمية كما بالضرورة مواجهة تلك الحرب القانونية التي لا يراها أحد والتي يرسخ فيها اليمين المتطرف وقد صار حكومة ذات سلطة مهيمنة في إسرائيل قوانين تغير الراهن كله إلى واقع مختلف بقوة القانون. والمطلوب أردنيا، أفكار خارج الصندوق ما غيره، فالتداعيات المباشرة لكل ما يحدث وسيحدث تمس الأردن بكل ما فيه. الأردن لديه أوراق كثيرة لقلب الأوراق على الطاولة القديمة، بل قلب الطاولة نفسها واجتراح الجديد كمواجهة سياسية ودبلوماسية عليه أن يوظف كل علاقاته الدولية فيها. المقال السابق للكاتب # مقصودةاضافة اعلان